باريس تحتفي بثورة الغناء والسينما لنجمات الشرق

معهد العالم العربي في باريس يستكشف في معرضه التغييرات العميقة التي حملتها نجمات العصر الذهبي اللواتي أحدثن ثورة في الموسيقى والسينما بالعالم العربي.
السبت 2021/08/21
فنانة متحررة من القيود

لا يمكن لمن نحت اسمه في عالم الثقافة أن يموت، فنجمات الشرق في عالم الغناء والتمثيل مثل وردة وأم كلثوم وفيروز سكنّ الذائقة العربية وكانت لهن مواقف من القضايا العامة السياسية منها والنسوية، بل منهن من كانت جسرا بين ضفتي المتوسط، إنها داليدا التي غنت بلغات متعددة وعاشت في بلدان مختلفة.

باريس- يوجّه معهد العالم العربي في باريس تحية إلى سيدات الغناء والشاشة في القرن الماضي من اللواتي أحدثن ثورة في الموسيقى والسينما العربيتين، من أم كلثوم إلى وردة الجزائرية، ومن أسمهان إلى فيروز، ومن ليلى مراد إلى سامية جمال، مرورا بسعاد حسني وصباح، دون أن ننسى داليدا.

ويهدف المعرض إلى أن يكون رحلة رائعة في قلب حياة وفن هؤلاء المغنيات والممثلات الأسطوريات، ولكن أيضا استكشاف التغييرات العميقة التي حملتها هؤلاء النجمات وخاصة اللواتي كانت لهنّ مساهمة نسوية ومواقف من قضايا سياسية.

ويضم المعرض الذي يتواصل حتى السادس والعشرين من سبتمبر المقبل، صورا ومقتنيات وفساتين لهذه المجموعة الكبيرة من الفنانات. وبمجرد أن تلج قدم الزائر أرض المعرض تطالعه ستارة طويلة من الخيوط عرضت عليها صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود. أما التكنولوجيا المستخدمة فعكست روحا لهذه الصور القديمة، تبدو وجوه النجمات منبثقة من الماضي، كأنها حيّة حاضرة، تحكي قصصهن، إضافة إلى مقتطفات من حفلاتهن الموسيقية الحاشدة ونماذج معاد تكوينها لبعض الصالونات الأدبية.

وقالت إحدى القيّمتين على المعرض هانا بوغانم إن “الفكرة تتمثل في التعريف بشخصيات استثنائية أحدثت ثورة في الموسيقى والسينما في العصر الذهبي للعالم العربي، كأم كلثوم وفيروز ووردة وأسمهان، وهن نساء أضحين أيقونات وتحررن من الهيمنة الذكورية، وحققن النجاح بفضل شجاعتهن في عيش أحلامهن”.

الهرم الرابع

حرية وقوة شخصية
حرية وقوة شخصية

ويستمر معرض “ديفا” إلى السادس والعشرين من  سبتمبر المقبل، ويضم ملصقات وأزياء للنجمات ومقتطفات من حفلاتهن الموسيقية الحاشدة ونماذج معاد تكوينها لبعض الصالونات الأدبية، وصورا مجسمة.

وأفرد المعرض جانبا بارزا لأم كلثوم، فالمطربة التي لُقبت بـ“الهرم الرابع” وتُعتبر أشهر صوت في العالم العربي، ليست جوهرة مصرية فحسب، فعندما توفيت في العام 1975، شارك بحر من الناس في تشييعها في القاهرة لكنّ الحزن عليها عمّ من بغداد إلى الدار البيضاء. وكان العالم العربي برمّته يستمع إلى حفلاتها أول خميس من كل شهر عبر إذاعة القاهرة.

ولاحظ عازف البوق الفرنسي اللبناني إبراهيم معلوف الذي خصص لها أحد ألبوماته بعنوان “كلثوم” في حديث ضمن برنامج “أنتريه ليبر” التلفزيوني أن ما كانت “كوكب الشرق” تتمتع به “من جنون وحرية وقوة شخصية وطبع مميز”، جعل تأثيرها يطال “كل شخص تقريبا في العالم العربي”.

والنساء اللواتي يتناولهن المعرض، هنّ أيضا شخصيات ذات تأثير سياسي، “فأم كلثوم كانت تجسيدا للعروبة” في زمن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، في حين “حملت وردة من خلال أغنياتها قضية إنهاء استعمار الجزائر، ورفعت اللبنانية فيروز لواء القضية الفلسطينية، وتعاونت أسمهان (وهي أميرة درزية) مع الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية”، على ما شرحت  بوغانم.

وإذا كانت أم كلثوم وحّدت العالم العربي كله، فإن فيروز جعلت هي الأخرى “جميع اللبنانيين” يتفقون، على ما رأى معلوف في وثائقي حديث بعنوان “ديفا”. وشكّلت “سفيرة لبنان إلى النجوم” عاملا نادرا للوحدة الوطنية في بلد لم يُشفَ بعد من الانقسامات التي مزقته.

وفيروز هي الوحيدة التي لا تزال على قيد الحياة من بين النجمات اللواتي يشملهن المعرض، وتبلغ اليوم السادسة والثمانين.

والمغنية المعروفة بانكفائها عن الأضواء الإعلامية، باستثناء التغطية التي حظيت بها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بها في منزلها نهاية أغسطس 2020، لم تستجب لطلبات منظمي المعرض، وهو ما يأسفون له.

كذلك كانت وردة الجزائرية من النجمات اللواتي تحررن من القيود المجتمعية. ففي العام 1972 عادت إلى المسرح للاحتفال بالذكرى العاشرة لاستقلال الجزائر بعدما توقفت عن الغناء بناء على طلب زوجها الضابط في الجيش. ثم تطلقت لإكمال مسيرتها الفنية التي بدأت في سن الحادية عشرة في ملهى والدها “تام تام” في باريس، وعادت إلى مصر حيث كانت قد دخلت أيضا عالم السينما.

بوكر وتجسس

صوت جمع اللبنانيين
صوت جمع اللبنانيين

وفي المعرض أيضا مساحة لأسمهان التي كانت حياتها القصيرة بمثابة رواية، بما فيها من فضائح تتعلق بعشاقها والكحول والبوكر وغيرها، ومسيرتها كنجمة وراء الميكروفون وعلى الشاشة، ناهيك عن تجسسها لصالح الحلفاء.

وقد عاجلها الموت باكرا وهي بعد في السابعة والعشرين، في ظروف لا تزال غامضة، إذ عثر على سيارتها في نهر النيل…

ومن أبرز النساء الأخريات اللواتي يتطرق إليهن المعرض المصرية سامية جمال التي أدت داليدا دور منافستها على زوجها في فيلم “سيجارة وكاس” (1954)، في غمرة إنتاج سينمائي مزدهر كانت تشهده القاهرة التي كانت بمثابة “هوليوود الشرق”.

وقالت بوغانم إن تخصيص جناح لداليدا في المعرض يتيح استقطاب الجمهور الفرنسي العريض “الذي لا يعرف بالقدر نفسه كل هؤلاء النجمات العربيات”.

وأضافت قائلة، “أردنا من خلال المعرض التعريف بها في سياقها المصري وهي التي اشتهرت في الغرب بأغاني فرنسية وإنحليزية وحتى إيطالية، من فيلم 1954 إلى الفيلم الدرامي، اليوم السادس، الذي مثلت فيه بإدارة المخرج والمنتج المصري يوسف شاهين عام 1986″، قبل عام من وفاتها.

24