بارقة أمل في تشكيل حكومة إقليم كردستان العراق بعد العيد

أربيل (كردستان العراق) - يشير التقارب السياسي الأخير بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، إلى احتمال انفراجة قريبة في تشكيل الحكومة الجديدة للإقليم، وذلك بعد فترة من الجمود السياسي استمرت لخمسة أشهر.
وفي هذا الإطار، أكد عضو الاتحاد الوطني الكردستاني أحمد الهركي، الأحد، أن المفاوضات بين الأطراف الكردية وصلت إلى مراحل متقدمة، متوقعا تشكيل حكومة الإقليم بعد عيد الفطر المبارك.
وقال لهركي، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)إن "المفاوضات بين الأطراف الكردية وصلت إلى مراحل متقدمة بعد خمسة اجتماعات فنية، تلتها لقاءات على مستوى القيادة، وصولا إلى اجتماع رئيس الاتحاد الوطني، بافل جلال طالباني مع رئيس حكومة الإقليم ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسرور بارزاني".
وأوضح الهركي أن "هناك اتفاقات على العديد من القضايا، بالإضافة إلى التوصل إلى رؤية كردية موحدة كانت مفقودة في السنوات الماضية"، مبينا أن "المرحلة المقبلة قد تشهد حوارات مكثفة ولقاءات حاسمة، مع احتمال الإعلان عن تشكيل الحكومة بعد انتهاء عطلة عيد الفطر المبارك".
وفي ما يتعلق بآلية تشكيل الحكومة، أشار الهركي إلى أن "المرحلة الأولى ستبدأ بانتخاب البرلمان وهيئة رئاسته، يليها تكليف رئيس الحكومة ونائبه، على أن يتم منح الثقة للحكومة خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف".
وتوقع الهركي أن "يتم تشكيل حكومة إقليم كردستان في أبريل أو مايو المقبل كحد أقصى، وفق الجدول الزمني المعلن حتى الآن".
ويعتبر التقارب بين الحزبين الحاكمين خطوة مهمة نحو استقرار الوضع السياسي في الإقليم، حيث أن تشكيل حكومة مستقرة في كردستان يمثل عاملا مهما في استقرار العراق.
من جانبه، أكد عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، عباس صحبت، أن "التفاهمات مازالت مستمرة بين البارتي (الديمقراطي الكردستاني) واليكتي (الاتحاد الوطني)، والمفاوضات وصلت إلى مراحل متقدمة على مستوى تشكيل الحكومة الجديدة"، مردفا أن "التفاهمات كانت على توحيد الرؤى وآلية عمل الحكومة الجديدة، والبرنامج الحكومي وآلية الشراكة الحقيقية في الحكومة الجديدة".
وأشار إلى أن "هناك اتفاقات ليست نهائية ولكن شبة أولية حول آلية توزيع المناصب بين الحزبين، لأن البارتي واليكتي، هما المشكلان الرئيسيان للحكومة الجديدة مع مشاركة بعض الأحزاب التي ترغب بالمشاركة وفيها بعض المكونات أيضاً".
وأكمل، أن "هناك دوراً للحكومة الاتحادية حول توحيد الرؤى بين الأحزاب السياسية، وأكدت للحزبين على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة وأن تكون خادمة للشارع الكردي من حيث تقديم الخدمات وحل الأزمات التي يواجهها الإقليم في الوقت الراهن".
وكان عضو حركة تفكري ازادي الكردية لقمان حسن كشف في 17 مارس الجاري، عن احتمالية تأجيل تشكيل الحكومة في كردستان لما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد، وذلك لاعتبارات سياسية.
وخلال الشهرين الماضيين، عقد الحزبان عدة جولات من المفاوضات انتهت بتشكيل لجنة مشتركة، هدفها صياغة مسودة يجري الاتفاق عليها للبرنامج الحكومي المقبل، وآلية توزيع المناصب التنفيذية لحكومة الإقليم، لكن الاتفاق لم يفض إلى أي نتائج تدفع نحو الإسراع بحسم ملف تشكيل الحكومة.
ويشهد إقليم كردستان أزمة سياسية مستمرة منذ الانتخابات الأخيرة، حيث تعثرت مفاوضات تشكيل الحكومة بين الحزبين الرئيسيين.
وتعود جذور الخلافات إلى تباين الرؤى حول تقاسم السلطة، وصلاحيات المناصب الرئيسية مثل رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان.
وخلال الفترة الأخيرة حمل خطاب الاتحاد الوطني درجة من اللين بعد أن كانت قيادات الحزب قد أعلت من سقف مطالبها بشأن تشكيل الحكومة وأبدت إصرارها على الحصول على مناصب قيادية خارج الاستحقاق الانتخابي للاتحاد الذي وضعته نتائج الانتخابات ثانيا بعد الحزب الديمقراطي ومتأخرا عنه بستة عشر مقعدا من مقاعد البرلمان المنتخب في أكتوبر الماضي.
وجعلت قيادات الاتحاد على مدى الأشهر الماضية من شعار تصحيح مسار الحكم واجهة لطموحها لقلب معادلة السلطة القائمة في الإقليم والتي اقتضت أن يكون الحزب الديمقراطي قائدا رئيسيا لسلطات الحكم الذاتي تبعا لوزنه السياسي وحجمه الجماهيري والانتخابي.
وسُجل مؤخّرا تراجع ملحوظ لذلك الشعار من خطاب تلك القيادات التي بدأ بعضها يبحث له عن تأويل مرن أقل إثارة للخلافات.
وطبقاً للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدعُ الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سناً جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري.
وينطوي التسريع في جهود تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان على مصلحة مباشرة للاتحاد الوطني الكردستاني نظرا لما يوفّره له وجود سلطة مستقرّة ومتماسكة من مظلة لمواجهة الضغوط التي أصبح معرضا لها بسبب تراجع محور أصدقائه الإيرانيين في مقابل صعود المحور التركي المضاد له.
ومؤخّرا تحدّث السياسي الكردي لاهور شيخ جنكي زعيم ومؤسس جبهة الشعب عن مدى الضغوط التي باتت مسلطة على الاتّحاد وقيادته بفعل التطورات الإقليمية والدولية العاصفة.
وقال شيخ جنكي متحدثا من موقع المطلع على كواليس السياسة في إقليم كردستان العراق وعلى خلفيات الاتحاد باعتباره كان أحد قيادييه البارزين قبل انشقاقه عنه، إنّ السليمانية معقل الاتحاد والمركز الرئيسي لنفوذه قد لا تنجو بسهولة من الاصطفافات التي أنشأها بافل طالباني وجعلت الاتحاد في نظر الإدارة الأميركية جزءا من محو المقاومة بقيادة إيران التي أصبحت مع عودة الرئيس الجمهوري إلى سدّة الحكم في مرمى الضغوط الأميركية القصوى.
ويشير زعيم جبهة الشعب بذلك إلى العلاقات الواسعة التي أقامها رئيس الاتحاد الوطني مع الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة ذات النفوذ الكبير في الدولة العراقية والصداقات المتينة التي باتت تربطه مع كبار قادة الميليشيات مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق ما جعل بافل طالباني وحزبه أقرب إلى صفّ إيران وموضع ثقتها قياسا بقوى وشخصيات كردية عراقية أخرى وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي تنظر إليه طهران بارتياب وتعتبره منحازا لصف أعدائها ومنافسيها على النفوذ في العراق والمنطقة.
ولم تكن تلك العلاقات والصداقات من دون فوائد آنية لقيادة الاتّحاد التي لم تتردّد في الاستعانة بهؤلاء الأصدقاء وبنفوذهم وهيمنتهم على مؤسسات الدولة الاتّحادية في تحسين وضعها السياسي في إقليم كردستان العراق، وهو ما تجسّد على سبيل المثال في تدخل القضاء العراقي بطلب من الاتحاد نفسه لتعديل قوانين وإجراءات الانتخابات البرلمانية للإقليم أملا في قلب ميزان القوة في البرلمان لمصلحته وعلى حساب منافسه الأول الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما لم يتحقق بالفعل خلال الانتخابات الماضية على الرغم من أنّ التعديلات التي فرضها القضاء العراقي كانت تصب بالفعل لمصلحة الاتحاد وضد مصلحة الديمقراطي.
ويمثّل صعود تركيا وتقدّم نفوذها في العراق كذلك مصدر قلق للاتحاد الوطني الذي تحوّلت علاقاته القوية بحزب العمال الكردستاني إلى عبء عليه في وقت تحوّل فيه الملف ذاته إلى ورقة قوة في يد قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد أن أصبح رئيس الحزب مسعود بارزاني قائدا لجهود إنهاء الصراع الطويل بين أنقرة والمسلحين الأكراد سلميا.
ولم تكن هذه المعطيات المستجدّة داخل إقليم كردستان العراق ومن حوله من دون تأثير على موقف الاتحاد الوطني وتعديلها باتجاه الواقعية والتهدئة مع الشريك الكبير الحزب الديمقراطي، الأمر الذي بدأ ينعكس بشكل عملي على جهود تشكيل حكومة جديدة للإقليم.