"بارتيرو" كوميديا سوداء تمزج بين الجمالية البريشتية وفن الكاريكاتير

المسرحية كوميديا سوداء اعتمدت على الجماليّة البريشتية وفن الكاريكاتير في تصوير الشخصيات وتركيب الوضعيات وتضخيم الحالات والمواقف.
الجمعة 2024/01/12
مواهب بأداء احترافي

تونس- يجتمع أعضاء فرقة موسيقية متكونة من أربعة عازفين، هم عزوز وشفيق القزاز وكعاك وصبحي مترو، بعد السهرة في محاولة منهم لإيجاد حل جذري لوضعهم الاجتماعي والمهني القاسي، خاصة أمام تعنت صاحب الكافيشانتا “راس الفيل” ورفضه تسليمهم حقوقهم ومستحقاتهم المادية طيلة ثمانية أشهر.

في هذه الكافيشانتا (تسمية تقليدية تونسية لقاعات السهرات الليلية) تحاول عناصر الفرقة إيجاد حلول كفيلة بالخروج من أزماتها المتتالية لكن دون جدوى، وفي الأثناء يروي كل عازف منهم معاناته ومشاكله الخاصة ومنها يعرجون على العديد من المواضيع التي تتلخص في وضعية الفنان والمبدع في تونس وما يعانيانه من مظاهر التفقير والتهميش.

ساعة ونصف الساعة هي المدة التي تابع خلالها جمهور الدورة الرابعة لملتقى مسرح الهواية أحداث مسرحية “بارتيرو” دون ملل أو التفكير في مغادرة قاعة المبدعين الشبان، حيث تمكنت شخصيات المسرحية من شد الحضور بأدائها المركب أحيانا والمباشر أحيانا أخرى إضافة إلى تعمدها تشريك المتفرجين وحثهم على اتخاذ مواقف تجاه ما يحدث.

المسرحية من إنتاج شركة ميميزيا للمسرح بتازركة من محافظة نابل، وإخراج أيمن الطهاري وتمثيل كل من كمال شوشان وأمير بالحاج وأمان الله باني وأيوب بن عثمان.

“بارتيرو” كوميديا سوداء اعتمدت على الجماليّة البريشتية وفن الكاريكاتير في تصوير الشخصيات وتركيب الوضعيات وتضخيم الحالات والمواقف، كما تم الاعتماد على فن الكوميديا دي لارتي وما تحمله من أبعاد خاصة لدى الشخصيات وسلوكاتها.

كيف يعيش الفنان في تونس؟ أي حقوق يتمتع بها وهو الذي يحاول زرع البسمة والأمل والفرح في النفوس؟ هل يتمتع بكامل حقوقه المادية نتيجة ما يقدمه كغيره من المواطنين؟ هل لديه قانون يدافع عنه؟ هل من حقه التمتع بعقد شغل محترم يضمن له كرامة العيش؟  كلها أسئلة تطرحها المسرحية بشكل هزلي ساخر لنقف على حقيقة مرة وهي أنه من المضحكات المبكيات اليوم أن الفنان والمبدع هما الحلقة الأضعف في منظومة إدارية قاسية ترى أن الفن لا أهمية له ولا يعد وظيفة.

اعتمد الممثلون في المسرحية أقنعة أخفت وجوههم وكشفت في المقابل واقعا أليما للفنان، ومن هذه الوضعية يتم التطرق إلى وضع تونس بصفة عامة، بدءا من البيروقراطية الإدارية وعقلية “ارجع غدوة” (عد غدا) ووُصولا إلى التشغيل الهش وعقود الشغل غير القانونية وإثقال كاهل المواطن بالإجراءات الإدارية والأداءات والولاءات والرشوة والمحسوبية وتمتع أصحاب العمل بالحصانة نتيجة نفوذهم والمعاملة السيئة في مراكز الإيقاف وغيرها من العراقيل والصعوبات التي جعلت من حياة المواطن، لا فقط الفنان والمبدع، كابوسا يوميا.

◙ الممثلون اعتمدوا على فن الكوميديا دي لارتي وما تحمله من أبعاد خاصة لدى الشخصيات وسلوكاتها لنقل معاناة الفنان

ويحمل هؤلاء الفنانون أحلاما بسيطة، فالكعاك عازف الأوكرديون حرم من حبيبته نتيجة عجزه عن توفير مستلزمات الزفاف، أما عزوز عازف العود فهو شيخ أرهقته الديون والأداءات ليجد نفسه مهددا بالسجن، في حين يحلم صبحي ميترو عازف الكمنجة وشفيق القزاز عازف الإيقاع بحياة بسيطة وسعيدة. جميعهم أحلامهم بسيطة لكنها ولدت في زمن جاحد وبلاد لا تعترف بهم ولا بأحلامهم.

يرفض صاحب العمل تسديد مستحقاتهم، الأمن يلاحقهم في الشارع بعد أن قرروا الغناء في “شارع الفنون الحية”، بدعوى التشويش وبث الفوضى في الطريق العام، تسد كل الأبواب أمام عناصر الفرقة فيقررون الرحيل أو بالأصح “الحرقة”(الهجرة السرية) إلى الجنة الموعودة بالضفة الأخرى من البحر المتوسط، لكن أحلامهم تقبر من جديد وهذه المرة في البحر، كما هي أحلام العديد من الشباب التونسيين الذين ابتلعهم البحر.

مسرحية “بارتيرو” التي قدمها هواة بأداء محترف، أضحكت الجمهور وأبكته، كما ساهمت المؤثرات الصوتية والضوئية في إضفاء مسحة من الجمالية والمصداقية على هذا العمل الذي برهن أن المسرح هو أداة نقد وتفكير.

يذكر أن ملتقى مسرح الهواية هو لقاء مسرحي لاكتشاف مختلف التجارب المسرحية الهاوية والطاقات الإبداعية الشابة. وينعقد اللقاء هذا العام بين 9 و14 يناير الجاري بمدينة الثقافة في العاصمة تونس.

14