"باربي" يجذب كل الشرائح المجتمعية ويعيد إلى النساء أنوثتهن الورديّة

الفيلم المثير للجدل ينادي بالمساواة بين الجنسين وينشر فكر النسوية الشعبية.
الخميس 2023/08/24
استعادة شيء بدت قيمته تتلاشى ثم تم فقده

منذ انطلاق عرضه أثار فيلم “باربي” جدلا دوليا واسعا، إذ يطرح العديد من الأفكار النسوية التي تثير نقاشا واسعا في مختلف المجتمعات، حتى تلك المعروفة بانفتاحها. وحتى نجاح الفيلم في بلد مثل ألمانيا لم يمنع من مساءلته النقدية حول العديد من أفكاره التي انقسم الجمهور بين مرحب بها ومعارض لها.

فيرونيكا بينيشكو

برلين - قبل أن تتوجه الفتاة ألينا جروتسماخر المقيمة في برلين إلى مشاهدة فيلم “باربي” تهيأت له بكل ما لديها من حماس، بارتداء فستان من الساتان الوردي، وأيضا بوضع مشابك صغيرة وردية اللون في شعرها، وذلك لتتناغم مع ألوان الفيلم وما يحمله من أفكار جديدة مفعمة بالحيوية.

ولئن كان اللون الوردي غير شائع في وقت سابق فإنه يمكن الإقرار بأنه أصبح في عام 2023 اللون المفضل بدلا من الأسود بين الشابات العصريات في الوقت الحالي، فهو يتسم بالجرأة ويعبر عن إدراك المرأة لذاتها ومشاعرها وأنوثتها بلا خجل.

النسوية الشعبية

النجاح الهائل للفيلم يعود إلى الإيقاع التصالحي في حبكته الدرامية بحيث تربط مختلف مدارس الفكر النسوي
النجاح الهائل للفيلم يعود إلى الإيقاع التصالحي في حبكته الدرامية بحيث تربط مختلف مدارس الفكر النسوي

الآن تغير كل شيء، وساعد فيلم “باربي” للمخرجة وكاتبة السيناريو جريتا جيروج على حدوث هذا التغيّر، وأصبحت الأنوثة المفرطة رائعة فجأة، دون أن يتم النظر إليها باعتبارها ذات بعد واحد.

وتتمحور قصة الفيلم حول شخصية الدمية الشهيرة، التي تحمل ذات الاسم، وصنعتها شركة ماتل الأميركية لألعاب الأطفال، وطرحتها في الأسواق عام 1959، وأثار الفيلم قدرا من الضجة الإعلامية الجادة قبل أسابيع من العرض الأول.

وكان الكثير من محبي الدمية باربي يتطلعون إلى مشاهدة فيلم كوميدي مثير للإعجاب من الناحية البصرية، حتى لو كانت قصته تافهة، غير أنهم يعبرون الآن بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي عن إعجابهم بالفيلم، ويقولون إنهم خرجوا من دور السينما وقد شعروا بأن الفيلم قدم لهم نوعا من “البلسم الشافي”، أو بأنهم على الأقل تخلصوا من مشاعرهم السلبية بطريقة أو بأخرى، بينما يقول البعض إنه صار بإمكانه الآن استعادة شيء بدت قيمته تتلاشى ثم تم فقده.

وأثبت فيلم “باربي” أنه عامل محفز للكثير من الفتيات والنساء، يدفعهن إلى التوقف عن كبت التعبير عن أنوثتهن، وبهذه الطريقة يقول معسكر باربي إن “الفيلم يعمل على تسوية الحسابات مع النظام الأبوي، ومواجهة اضطهاد المرأة، وباختصار يدفع الفيلم بقوة ما يعرف باسم النسوية الشعبية إلى أعلى نقطة على الإطلاق”.

وصارت هناك ظاهرة يطلق عليها اسم “باربيكور”، أهم ملامحها ارتداء مختلف أنواع الملابس ذات اللون الوردي الذي ينم عن الانطلاق، في مختلف مناحي الحياة اليومية، وهو في الأصل لون فستان الدمية باربي، وأصبح اللون الشارة الشائعة التي تميز رواد فيلم باربي، وتقول الفتاة جروتسماخر البالغة من العمر 25 عاما “أصبح الكل يرتدون شيئا وردي اللون، والكل يبتسمون لبعضهم البعض، عندما يرون أن الآخرين يرتدون اللون الوردي أيضا”.

الفيلم أثبت أنه عامل محفز للكثير من الفتيات والنساء، يدفعهن إلى التوقف عن كبت التعبير عن أنوثتهن

وأعرب كريستيان بروير رئيس نقابة دور السينما الألمانية (أيه.جي.كينو) عن سعادته بالنجاح التجاري الذي حققه إنتاج فيلم “باربي”.

وقال بروير إن “هذا النجاح الكبير تحقق من خلال حركة شبكة الإنترنت، وأساسا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وظاهرة باربيكور ابتكرها المتفرجون، وهي ليست من ابتكار أستوديو الفيلم”.

كما أن هذه الظاهرة أتت ثمارها من الأرباح، فبعد العرض الأول للفيلم في الحادي والعشرين من يوليو الماضي حقق العمل بحلول منتصف أغسطس الحالي إيرادات بلغت 1.2 مليار دولار من شباك التذاكر على مستوى العالم.

ثم جاءت أرباح من منتجات أخرى تجارية، ففي ألمانيا وحدها عزز الفيلم مبيعات المنتجات المرخص لها بحمل العلامة التجارية “باربي”، حيث حققت زيادة نسبتها 20 في المئة منذ عرضه في دور السينما.

نجاح كبير

باربي تغزو القاعات
باربي تغزو القاعات

لم تعلن شركة ماتل بعد عن الأرقام الخاصة بالمبيعات الحالية لهذه المنتجات. ولكن خلال الربعين السابقين من العام الحالي، قبل العرض الأول للفيلم، تم الإعلان عن تراجع المبيعات على المستوى العالمي، ومن المرجح أن إنتاج الفيلم جاء في وقت تحتاجه الشركة بشدة، وهي تخطط لإنتاج المزيد من الأفلام عن منتجاتها الأخرى.

وذكرت متحدثة باسم فرع شركة ماتل في ألمانيا أن “كون الدمية باربي مازالت تمثل أهمية وتلقى إقبالا، يثبت لنا أن جهودنا في ابتكار دمية، تشجع التمكين والإبداع والمرح، حققت النجاح المرجو”.

وأضافت أن “دمية باربي التي تمثل التنوع في المجتمع، تلقى طلبا عليها بوجه خاص”، مشيرة إلى أن “أكثر من نصف الدمى العشر الأكثر مبيعا من باربي على مستوى العالم لا تحمل بشرة بيضاء”.

ومن ناحية أخرى تعزو الباحثة في الثقافة الشعبية آنكاثرين كوهوت النجاح الهائل للفيلم إلى الإيقاع التصالحي في حبكته الدرامية، حيث تربط مختلف مدارس الفكر النسوي.

الكثير من محبي الدمية باربي يتطلعون إلى مشاهدة فيلم كوميدي مثير للإعجاب من الناحية البصرية، حتى لو كانت قصته تافهة

وعلى صعيد آخر تعرض أيضا موضوع التمكين الذاتي للمرأة المنتشر لانتقادات من الأصوات المحافظة. وفي هذا الصدد يقول مات وولش، وهو أحد المعلقين اليمينيين الأميركيين، الذي يتابعه على منصة يوتيوب 2.7 مليون مشترك، إن “هذا التيار المحافظ ينظر إلى فيلم باربي على أنه يعبر عن دعاية نسوية كارهة للرجال”.

ويؤكد بروير، رئيس نقابة دور السينما الألمانية، أن المتفرجين الذين جاءوا لمشاهدة الفيلم في دور السينما يشكلون أيضا خليطا متنوعا من الجمهور.

ويقول بروير “نجح هذا الفيلم، الذي يدور موضوعه حول فتاة شقراء بيضاء البشرة، في كسب إعجاب كل الشرائح المتنوعة من المتفرجين، صغارا وكبارا ومختلفي الميول الجنسية والملونين وغير ذلك، وكل هذه الفئات المجتمعية اشتركت معا في الحلم بمجتمع جديد أفضل”.

وبلاحظ عند متابعة أحداث الفيلم أن كين، وهو الشخصية الذكورية في الفيلم، ليس سوى أكثر من مجرد تابع لباربي، ويتغير هذا الوضع عندما يخرج من عالم باربي الخيالي، الذي يشبه المجتمع الأبوي ولكن من الناحية المعاكسة، ليعود إلى عالمنا.

ويتحمس كين للنظام الأبوي كثيرا، إلى درجة تدفعه لأن يعود إلى وطنه لتأسيسه هناك، غير أن هذا النظام الذي يصنعه بنفسه ليس في صالح كين أيضا.

ولا يهدف التعليق السياسي المبطن لمخرجة الفيلم إلى تمكين المرأة فحسب، وهو ما نجح حتى الآن مع أشخاص مثل الفتاة ألينا جروتسماخر، وإنما يسعى الفيلم أيضا لأن يظهر للرجال ما يمكن أن يكسبوه هم أنفسهم كجزء من مجتمع تسوده المساواة.

13