باربي أيقونة ثقافية تتحول من دمية إلى أغنية وفيلم

رغم احتلال بعض الشخصيات الخيالية مكانة ثقافية هامة وتحولها إلى ما يشبه الأيقونات على مر الأجيال، فإن ذلك لا يخفي الجدل الذي يحدثه بعضها، خاصة مع تغير المعايير سواء الفكرية أو الاجتماعية أو الجمالية وحتى الأخلاقية. ومن بين أكثر الشخصيات شهرة شخصية الدمية باربي، التي تناولتها أغنية سابقة، وحققت نجاحا باهرا، ويتناولها فيلم جديد، وسط تهم متعددة بأنها تمثل تمييزا جنسيا.
برلين - "باربي غيرل"، إنها أغنية البوب الشهيرة التي استحوذت على أسماع الملايين من الأشخاص حول العالم في تسعينات القرن الماضي. ويبلغ عمر هذه الأغنية اليوم 25 عاما، لكنها ما زالت تحظى باهتمامات واسعة، رغم الجدل الذي تثيره.
وكانت الأغنية التي قدمها فريق “أكوا” الموسيقي الدنماركي - النرويجي قد تم طرحها للجمهور في أبريل من عام 1997، حيث احتلت المراكز الأولى ضمن سباقات أفضل الأغنيات في جميع أنحاء أوروبا بحلول نوفمبر من نفس العام عندما عُرضت ضمن برنامج “توب أوف ذا بوبس” التلفزيوني البريطاني الشهير، الذي يتم بثه على هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، ويقوم بعرض الترتيب الموسيقي الأسبوعي لأفضل الأغنيات.
أيقونة ثقافية
احتلت أغنية “باربي غيرل” المركز الأول ضمن سباقات الأغنيات في ألمانيا والسويد والنرويج والدنمارك والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وأستراليا، حيث تعد أشهر عبارات الأغنية ترديدا على لسان الكثيرين “لايف إن بلاستيك… إتس فانتاستيك” (الحياة بين الدمى البلاستيكية… رائعة).
وفي تصوير الفيديو كليب للأغنية الشهيرة، تظهر عضو فريق “أكوا” المغنية الحسناء لين نيستروم (التي تبلغ من العمر حاليا 49 عاما) وهي تجسد دور الدمية باربي، وتصف نفسها قائلة “أنا فتاة شقراء تعيش في عالم خيالي”.
وسرعان ما تعرضت الأغنية التي كانت تمثل محاكاة لأسلوب حياة باربي وحبيبها كين في بيفرلي هيلز لمشكلة قانونية مع شركة “ماتيل” المصنعة للدمى، والتي اتهمت الفرقة الموسيقية بإلحاق الضرر بصورة الدمية. وفي عام 2002 قضت محكمة استئناف في ولاية كاليفورنيا بأن الأغنية “محمية بحرية التعبير”.
وقال القضاة إن شركة “ماتيل” لم تبتكر مجرد لعبة من خلال الدمية باربي، بل إنها قدمت أيقونة ثقافية أيضا. وكان مستوى شهرتها يعني أن الشركة المصنعة ومالكة العلامة التجارية كان عليها أيضا أن تتحمل قدرا من الاهتمام غير المرغوب فيه.
أحداث الفيلم الجديد المأخوذ عن شخصية باربي تدور حول قصة دمية يتم نفيها إلى خارج عالم "باربي لاند"
والمفهوم الأيقوني الذي يسم الكثير من المنجزات البشرية يفسره الروائي الأردني الراحل إلياس فركوح، قائلا “بعيداً عن المكانة التي تحتلها ‘الأيقونة’ في الأعراف الكنسيَّة منذ نشأتها، وربما بالانضفار بها والاشتباك معها دون إدراك كثير من مستخدميها لذلك، فإنَّ الأيقونة حَمَّالة مَجازات واستعارات تسمح لشبكةٍ من التأويلات أن تُنْسَج”.
ويبين أن الأيقونة “في راهنها الثقافي والسياسي المُعايَن، ما تزال تشي بـ’قَداسةٍ ما’ و’سُمّوٍ ما’ و’إعلاءٍ ما’، ولعلَّ مبعث هذا التقدير إنما يعود إلى أصلها ‘المقدَّس’ و’أوَّلها’ الغابر/ الحاضر، غير أنَّ اللافت في جُل المسألة، حين الخروج من دائرة التخصيص والشخصنة، هو الوقوع على تلك الشبكة من المجازات والاستعارات بما يسمح للثلاثيّة المُشار إليها أن تبقى مرفرفة في الأذهان، ولو على نحوٍ ملتبس”.
ونجحت باربي في التحول إلى أيقونة ثقافية وسمت وعي أجيال متلاحقة، رغم ما تستبطنه من تمييز يعارضه ناشطون حقوقيون كثيرون اليوم.
إن كانت “باربي غيرل” تعد أغنية خفيفة تتسم بالمرح وتسخر من مفهومنا عن الكمال في أواخر تسعينات القرن الماضي، قد تصير اليوم محرضة على كراهية المرأة، حيث أنها تجسد نمطا من النساء اللواتي يركزن على مظهرهن الخارجي ويحاولن إرضاء الرجال بأي ثمن.
وفي الأغنية، تغني باربي قائلة “اجعلني أسير، اجعلني أتحدث، افعل ما يحلو لك. يمكنني أن أكون مثل النجمات، ويمكنني أن أتوسل إليك وأجثو على ركبتي”.
ثم يرد عليها حبيبها “كين” الذي يجسد دوره المغني الدنماركي ريني ديف (الذي يبلغ من العمر حاليا 55 عاما) قائلا “تعال يا باربي، دعينا نذهب للاحتفال”.
التحول إلى فيلم
ومن الصعب أن نتخيل أن تتصدر مثل هذه الأغنية البسيطة والسطحية إلى حد كبير، سباقات الأغنيات بعد مرور 25 عاما على طرحها، فضلا عن كون ذلك يأتي في ظروف يمر فيها العالم بأزمات مختلفة تشمل التضخم والحرب وارتفاع تكاليف الطاقة والتشكك الاقتصادي وتسريح أعداد كبيرة من العاملين في ما يشي بتغيرات جذرية لا على الثقافات فحسب بل وحتى على البنية الحضارية للمجتمعات المعاصرة.
ورغم أنه من المؤكد أن الحياة في أجزاء كثيرة من العالم صارت أقل مرحا، على عكس ما تبرزه الأغنية المفعمة بقدر كبير من المرح والحيوية، تستعد باربي وحبيبها كين لعودة كبيرة في العام المقبل، ولكنها ستكون هذه المرة “على الشاشة الكبيرة”.
ومن المقرر أن تجسد الممثلة الأسترالية مارغوت روبي (32 عاما) دور باربي، إلى جانب النجم الكندي رايان غوسلينغ (42 عاما) الذي سيجسد دور كين، في فيلم روائي جديد، من المقرر عرضه في يوليو عام 2023. وسوف تدور أحداث الفيلم الجديد، وهو من إخراج الأميركية غريتا غيرويغ (39 عاما) حول قصة دمية يتم نفيها إلى خارج عالم “باربي لاند”.
وعلى الرغم من أن الفيلم الجديد لن يتضمن أغنية “باربي غيرل” الشهيرة، إلا أن الكثيرين سوف يستمرون في تذكرها أثناء مشاهدتهم للفيلم الجديد، وتحديدا كلما يسمعون كلمة باربي.