بادي والدبيبة ودور مصراتة القيادي

بينما يقف بادي مناديا بطرد القوات "الصليبية" يبحث الدبيبة عن دعم الحضور العسكري التركي في ليبيا ولا يرى مانعا من فتح مناطق نفوذه للمزيد من الحضور العسكري الغربي.
الخميس 2023/10/26
فشل بادي في تقمص شخصية القذافي

عشية العشرين من أكتوبر، خرج قائد ميليشيا “لواء الصمود” صلاح بادي المدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي منذ نوفمبر 2018، ليقول إنه أمام القوات الإيطالية التي تتواجد في القاعدة العسكرية بمدينة مصراتة 48 ساعة للخروج من البلاد بشكل سلمي، مهدّدا باقتحام المبنى وطردهم بالقوّة.

لم يقف عند ذلك، وإنما نعت الجنود الإيطاليين بالجواسيس، واعتبر أن استمرار وجودهم في ليبيا هو “احتلال أجنبي وانتهاك لسيادة الدولة وعار على الشعب الليبي”، محذّرا كل من يحاول حمايتهم، في إشارة إلى القوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية.

صادفت تلك التصريحات ذكرى اغتيال مسلحين من مصراتة للعقيد الراحل معمر القذافي ووزير دفاعه أبوبكر يونس جابر وابنه المعتصم بالله بدم بارد بعد القبض عليهم أحياء بمساعدة إيران ومخابرات الناتو في العشرين من أكتوبر 2011. كان بادي قد أشرف على دفن الثلاثة في مكان في الصحراء لا يعرفه إلا هو واثنان أو ثلاثة من المقربين منه.

◙ الدبيبة حمل معه إلى أنقرة جملة من الرسائل من بينها ما هو موجه للسلطات التركية بدعوتها إلى مساندته في معركة البقاء في السلطة مقابل استعداده الدائم لخدمة مصالحها في بلاده

فشل بادي في أن يتقمص شخصية القذافي الذي كان وراء إجلاء القوات الأجنبية من بلاده، وقام بطرد المستوطنين الإيطاليين في السابع من أكتوبر 1970. فقد مرت الساعات والأيام، ولا تزال القوات الإيطالية موجودة في مصراتة، دون أن يستطيع أمير الحرب اقتحام القاعدة الجوية كما هدد وتوعّد.

بعد يومين، عاد بادي ليطلب من المجلس البلدي في مصراتة الدعوة إلى مظاهرة عنوانها إخراج وإجلاء القوات الصليبية من المدينة. يبدو واضحا أنه سعى إلى التركيز على صفة “الصليبية” بما يعني أنه يقصد بالتحديد القوات الغربية سواء كانت إيطالية متعاقدة أو أميركية غير معلن عنها.

كان ذلك بعد ساعات من رواج خبر تعرض سيارته إلى إطلاق نار من قبل مسلحين قيل إنهم تابعون للقوة المشتركة بمصراتة المعروفة بولائها المطلق لرئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة. مساء 23 أكتوبر، تعمد بادي الظهور من أمام قاعة الشهداء بمصراتة ليؤكد مباشرة، من خلال صفحات التواصل الاجتماعي أنه بخير ولا يحمل أي إصابات، وليعتبر أن ما يجري يراد به إحداث فتنة في المدينة.

كذلك، هاجم بادي عائلة الدبيبة وقال إنها لم تساهم في محاربة الاستعمار الإيطالي ولا في معركة الدفاع عن مصراتة أثناء وبعد 2011، وهو ما يشير إلى أن صراعا حقيقيا يدور بينه وبين الأسرة ذات النفوذ الواسع، والتي كان قريبا منها ويبيت في منزلها أثناء إدارته لعملية “فجر ليبيا” في صيف 2014. كما كان على علاقة قوية برجل الأعمال علي الدبيبة الذي كان يجتمع به في الداخل الليبي أو في تركيا. لكن الخلافات مع عبدالحميد نشبت بسبب مواجهته المفتوحة مع رجل الأعمال محمد الطاهر عيسى الذي يوصف بملك الاعتمادات والحاكم الفعلي لمصرف ليبيا المركزي وراعي مصالح أسرة الدبيبة في طرابلس من خلال إدارته مع شقيقه أحمد لأكبر لوبي مالي واقتصادي في البلاد.

لم يتأخر المجلس البلدي بمصراتة في الرد على دعوة بادي إلى إخراج القوات الأجنبية المتواجدة في مصراتة، حيث أكد حسن إبراهيم الصادق عضو المجلس ومسؤول الملف الأمني عقب اجتماعه رفقة قيادات عسكرية بمقر الكلية الجوية بمصراتة رفضهم خروج القوات الأجنبية، وأشار في بيان إلى أن القوات المتواجدة بالكلية الجوية هي أعداد ضئيلة لديها مهام تقوم بها، وتربطها دورات تدريبية مع بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتواجدها حاليا يعتبر ذا جدوى، مردفا أنه في حالة تبين عدم جدوى تواجد هذه القوات داخل الكلية الجوية، أو أن تواجدها يشكل خطرا، فإن الجناح العسكري بالمدينة سيقوم بإعداد تقرير مفصل بالخصوص وتسليمه للمجلس البلدي بضرورة إخراجها، لانتهاء مهامها أو لعدم الرغبة في تواجدها في نطاق البلدية. وكشف البيان أن القوات الأجنبية داخل الكلية الجوية قوامها 50 عسكريا إيطاليا و17 بريطانيا و7 أميركيين، وهي موجودة بناء على تعليمات وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، لأداء مهام منها تدريب بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية.

◙ الدبيبة وفريقه يتعاملان مع تركيا على أنها "البيت الكبير" الذي يوفر الرعاية والعناية والدعم والضمانات

وبعد تهديدات بادي، لوحظ انتشار آليات عسكرية تابعة للكتيبة “24 مشاة” الموالية لحكومة الدبيبة أمام قاعدة مصراتة العسكرية الجوية. كانت تلك الرسالة واضحة لمن يرغب في فهم طبيعة ما يدور في الداخل الليبي. وخاصة من حيث الرغبة في عقد المزيد من الاتفاقيات العسكرية مع العواصم الغربية بدعوى إحداث توازنات مع الوجود الروسي من خلال قوات “فاغنر” في مناطق سيطرة الجيش الوطني.

يتطلع الدبيبة ومن ورائه الأسرة والقوى الحليفة إلى البقاء في الحكم إلى أجل غير مسمى. كانت الأسرة قريبة من النظام السابق وعلى علاقة مباشرة برأسه العقيد الراحل معمر القذافي، وهي اليوم تعتقد أنها قادرة على السير على خطاه في احتكار مقاليد السلطة لسنوات طويلة طالما هناك مال وقوة اقتصادية ونفوذ اجتماعي وعلاقات نفعية وغطاء دولي لفكرة الغنيمة المسيطرة على جانب كبير من الليبيين، فيما ينظر أغلب الليبيين إلى بادي على أنه مندفع ومتشدد وجريء ولكن دون أن ينكروا عليه وطنيته الليبية ودون أن يثبتوا عليه التورط في الفساد أو نهب المال.

يدرك الدبيبة أن هناك خلافات في داخل البيت المصراتي ومع حلفائه من الإخوان وتيار المفتي صادق الغرياني حول العلاقات مع الغرب، ولكن لا خلافات حول التبعية لتركيا ولو كانت مطلقة، ولذلك لا حديث عن ضرورة إجلاء القوات التركية والمرتزقة السوريين المرتبطين بها. في صيف 2021 فاجأ صلاح بادي الجميع بموقف سلبي من الأتراك عندما قال إنهم باتوا يسيطرون على القرار في مناطق الغرب الليبي، بعد تدخلهم في معركة طرابلس، وإنه حين انضم إلى قتال قوات حفتر التي شنت هجوما على طرابلس، رفض أن يقاتل المرتزقة السوريون التابعون لتركيا إلى جانبه، وطردهم من محوره، مشيرا إلى أن “الأتراك لم يساعدوا الليبيين ولو بعلاج جريح واحد مجانا”، معتبرا أن النتيجة التي انتهت إليها حرب طرابلس هي اتفاق روسي – تركي بأن يهزم حفتر عسكريا ويبقى سياسيا، مؤكدا أن وفدا مصريا نقل الرسالة إلى مصراتة في وقت سابق.

في مناسبات عدة، هدد بادي بالهجوم على طرابلس والإطاحة بحكومة الدبيبة. كان آخر موقف في هذا الاتجاه ما صدر عنه في الثاني من سبتمبر الماضي، عندما أعلن العزم على التدخل بالقوة لإزاحة الموجودين في السلطة ممن اتهمهم بأنهم خونة وعملاء، وطالب بإحياء دور المجلس العسكري لمصراتة. جاء ذلك في سياق ردود الفعل على الاجتماع الذي شهدته روما بين وزيرة الخارجية آنذاك نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

◙ بادي هاجم عائلة الدبيبة وقال إنها لم تساهم في محاربة الاستعمار الإيطالي ولا في معركة الدفاع عن مصراتة أثناء وبعد 2011، وهو ما يشير إلى أن صراعا حقيقيا يدور بينه وبين الأسرة ذات النفوذ الواسع

يرغب الدبيبة حاليا في إيجاد الفرصة الملائمة لإعادة المنقوش إلى كرسي الوزارة، خصوصا وأن مياها كثيرة جرت في البلاد بسبب كارثة درنة نتيجة سيول الفيضانات التي أدت في العاشر من سبتمبر إلى سقوط الآلاف من القتلى والمفقودين، وقد نقل تلك الرغبة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي، كما طلب منه التدخل لدى القوى المؤثرة في مصراتة لدعمه. حضور تركيا داخل المدينة يجعلها قادرة على تأطير مواقف الجانب الأكبر من قياداتها. طبعا دون أن ينطبق ذلك على بادي.

حمل الدبيبة معه إلى أنقرة جملة من الرسائل من بينها ما هو موجه للسلطات التركية بدعوتها إلى مساندته في معركة البقاء في السلطة مقابل استعداده الدائم لخدمة مصالحها في بلاده، وقد طلب منها هذه المرة الاستعداد لنيل نصيب الأسد من مشاريع إعادة إعمار درنة والجبل الغربي مقابل اتجاه سلطات المنطقة الشرقية لتمكين الشركات المصرية من ذلك النصيب. طلب كذلك من الأتراك تعديل بوصلة الروس في اتجاه التوافق على بقاء حكومته حتى العام 2025 في مرحلة أولى متعللا بذريعة مواصلة الجهود لإنجاز قوانين انتخابية متفق عليها من مختلف الفرقاء.

يضاف إلى ذلك أن هناك ملفات عالقة عادت إلى الواجهة من بينها ملف القاعدة العسكرية البحرية في الخمس، ودعم حضور القوات التركية في الغرب الليبي، وتقديم الدبيبة نفسه لأردوغان على أنه الأكثر قدرة لضمان مصالح أنقرة في بلاده، لاسيما أن علاقته والفريق الموالي له مع تركيا تتميز بأنها وطيدة وذات أبعاد إستراتيجية وسياسية واجتماعية وثقافية ومالية واقتصادية واستثمارية وأسرية. ويتعامل الدبيبة وفريقه مع تركيا على أنها “البيت الكبير” الذي يوفر الرعاية والعناية والدعم والضمانات.

يقف صلاح بادي لينادي بطرد القوات “الصليبية” فيما يبحث الدبيبة عن دعم الحضور العسكري التركي في ليبيا، ولا يرى مانعا من فتح مناطق نفوذه للمزيد من الحضور العسكري الغربي، فما يهمه هو التحالفات التي تضمن بقاءه في الحكم، وفي الحالتين يعمل كل منهما على كسب المزيد من ولاءات الفاعلين الأساسيين في مصراتة التي تبقى مدينة القرار الأول في المنطقة الغربية وتعمل على ألا تفقد دورها القيادي سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية والميليشياوية.

8