باحثون يحللون صورة المرأة في التراث الفني المغربي

خريبكة (المغرب) - شهد الوسط الفني والثقافي المغربي منذ أيام تنظيم ندوة فكرية وأكاديمية حول “صورة المرأة في التراث الشعبي.. عبيدات الرما نموذجا”، ضمن فعاليات الدورة الثانية والعشرين من المهرجان الوطني لفن عبيدات الرما (عبيد الرماة)، الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، وعمالة إقليم خريبكة، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس.
شارك في هذه الندوة، التي تروم خلق نقاش فعال وهادف حول متون وأنساق فن عبيدات الرما ومعرفة مدى حضور المرأة فيها كعنصر فاعل أو كصورة مجازية حاضرة في الأشعار الغنائية، كل من الدكتورين الشرقي نصراوي وعبدالكبير الشميطي، فيما سيرها الأستاذ جبير مجاهد. وشكلت الندوة، التي توجت بنقاش مستفيض من قبل الحضور، مساحة لطرح الكثير من الأسئلة المهمة حول تمثلات المرأة في فن عبيدات الرما الذي يعد فنا مغربيا عريقا، وحضورها الفني والاجتماعي والإنساني، والفطري والثقافي والفلسفي وحتى الأسطوري.
وأكثر ما يميز فن عبيدات الرما أنه فن تقدمه فرق غنائية، تتكون على الأقل من ثمانية إلى اثنى عشر فردا، يتميزون بنفس اللباس التقليدي الذي ينهل من التراث والحضارة المغربية، ويعزفون على آلات بسيطة وبعدد قليل لكنهم يؤدون رقصات تعبر عن مظاهر الحياة البدوية، إذ يقومون بتشخيص حركات الحرث والقنص والحصاد والفانتازيا والخدمات المنزلية في تناغم مع معاني الأغاني المرافقة لرقصاتهم. لكن هذا الفن لا يزال متمسكا بطابعه الذكوري فلا مكان للمرأة في هذه الفرق إلا في حالات نادرة.
وكانت الندوة مناسبة لبحث ومناقشة العديد من القضايا المتعلقة بعبيدات الرما، كفن ذكوري، وتوضيح مميزاته وبعض الصور الآنية على الخشبات من خلال اقتحام المرأة لهذا الفن، فضلا عن طرح وجهات نظر مختلفة تبرز التقارب والتباعد حول هذا الفن في علاقته بالمرأة ومشاركتها ضمن الفرق، في أفق صيانة الذاكرة الفنية والتراثية لهذا الفن الأصيل من كل دخيل.
وتطرق الدكتور عبدالكبير الشميطي في مداخلته القيمة إلى مواضيع عدة، ارتبطت بأهمية هذا اللقاء، وبهذا المتن الفني والتأطير النظري، فضلا عن العديد من التمثلات والتصورات المتعلقة بصورة المرأة في الواقع، مقدما مجموعة من النماذج لصورة المرأة في التراث الشعبي، وأيضا في خطاب فن عبيدات الرما عموما.
أما الدكتور الشرقي نصراوي فقد شدد على الأهمية الاعتبارية لهذا الفن، الذي يعتبر من بين أقدم الفنون التراثية في العالم، وعلى ضرورة صيانته والدفاع عنه ضد القرصنة من قبل بعض الجهات المعروفة، والحفاظ عليه من كل دخيل، لكنه في المقابل أكد أن عبيدات الرما فن ذكوري وسيبقى ذكوريا حتى وإن تغير بفعل التطور الحضاري وشاركت فيه النساء.
كما قارب الباحث صورة المرأة في فن عبيدات الرما، من خلال عدة متناقضات ورموز حاضرة في أغاني الفرق الفنية، وأيضا من خلال عدة تمثلات في المتخيل الفكري والجمالي والثقافي والقبلي، وكذلك عبر فيض من قصائد العصر الجاهلي وشعراء الحداثة، وهي صور ترتبط بالخير والشر والحب والصراع والجمال والوجدان.
يشار إلى أن دورة المهرجان التي أقيمت تحت شعار “عبيدات الرما.. تراث الأجداد وإبداع الأحفاد” انطلقت بتكريم القيدومين محمد الصالحي عن فرقة المنزهة من إقليم الفقيه بنصالح، ومحمد العلالي عن فرقة السماعلة بوادي زم، فضلا عن عرض مبهر لفرقة عبيدات الرما رضوان بعنوان "لفراجة" ولوحات موسيقية بهية لفرقة الكدرة من اسا الزاك.
◙ الندوة مناسبة لبحث ومناقشة العديد من القضايا المتعلقة بعبيدات الرما، كفن ذكوري، وتوضيح مميزاته وبعض الصور الآنية على الخشبات
وشهدت هذه النسخة من المهرجان، التي تنظم بالتعاون مع المجالس المحلية في الإقليم والمجمع الشريف للفوسفاط، مشاركة 40 فرقة ومجوعة، تحيي سهرات في عدد من ساحات مدن خريبكة وأبي الجعد ووادي زم. وعبيدات الرما هو فن غنائي راقص من فنون التراث الشعبي المغربي، حيث يجمع مجموعة من المغنين والراقصين بلباس تقليدي مرددين عبارات من الشعر المحلي.
وظهر هذا الفن في بعض المناطق كورديغة والشاوية وتادلة والحوز منذ عهود خلت، ويمكن تصنيف هذا الفن في خانة الفنون الفرجوية الشعبية التي عرفها المغرب ومازالت مستمرة إلى اليوم. وتعني كلمة أو لفظ “الرما” الرماية بالبندقية أو السلاح على وجه التدقيق إلى درجة يمكن فيها القول بأن عبيدات الرما هم رماة كان همهم الأساسي هو التدريب على الرماية بالبندقية والاستعداد الدائم للدفاع العسكري. وكان ولا يزال لكل فرقة أو مجموعة مقدم يسهر على تسييرها ورعايتها وغالبا ما يكون من أبرز شعرائها ونظامها.
وتخلو أغاني عبيدات الرما من النزعة البكائية والخطاب الفجائعي، إنها أغان منذورة للفرح والبهجة والتخفيف من أعباء المزارعين والمياومين والعمال الذين يقضون يوماً طويلاً في أشغال الزراعة أو البناء أو التجارة، بعد أن كانت حكراً على القناصين لفترة طويلة.
ومنذ نحو عقدين تحاول وزارة الثقافة المغربية إحياء فن عبيدات الرما والحفاظ عليه وحمايته وصيانته، وذلك بالتعريف بهذا الفن البديع محليا ودوليا وتقديمه صورة وصوتا بأساليب وأدوات معاصرة بغية تقريبه من الجمهور. وتحتفي المهرجانات المحلية، ومنها مهرجان عبيدات الرما، بمشايخ عبيدات الرما محاولة إشعار الشيوخ والفرق الفنية بأهمية ما يقدمونه حتى يستعيدوا الثقة اللازمة في هذا الفن. كما أن هناك خطة وطنية لجرد ما تبقى من هذا الفن وتتبعه علميا بالإحصاء والتدوين والتوثيق وبما يتوفر من آليات وأدوات تقنية وعلمية.