باحثون يحذرون من تخمة الأنشطة الترفيهية على الأطفال

الأبوة الجيدة ليست بالإنفاق على نشاط يبعد الابن عن والديه، وإشغال الأبناء بأنشطة عديدة للتخلص من الطاقة الزائدة قد تتسبب في إصابتهم باضطرابات نفسية.
الخميس 2018/05/24
اتزان في الحركة لا يغني عن التوازن في البيت

تونس - تضطر العديد من الأسر إلى تسجيل أبنائها في نواد خاصة بالأنشطة الترفيهية سواء كانت رياضية أو فنية، وذلك لأسباب متعددة من بينها انشغال الوالدين بالعمل وانتهاء الدوام المدرسي قبل رجوعهم إلى البيت أو لتصورهم أن الطفل يستفيد أكثر عند ممارسته لهذه الأنشطة وأنهم بذلك يوفرون له ما يحتاجه، ما يشعرهم بأنهم آباء مثاليون. وقد تعمد بعض الأسر إلى تسجيل الطفل في أكثر من ناد ونشاط، خصوصا إذا كان من الأطفال المشاغبين وكثيري الحركة.

وكشفت دراسة بريطانية حديثة أن كثرة الأنشطة الترفيهية التي تدرج في جدول أوقات الطفل يوميا وتمارس خارج الإطار المدرسي قد تكون لها آثار سلبية بعكس ما يتصور غالبية الناس. وحذرت الدراسة من مغبة أن تأخذ هذه الأنشطة الحيز الأكبر من حياة الطفل في مقابل فترات قصيرة تقضى مع الأسرة.

ويقبل الأطفال اليوم على ممارسة العديد من الأنشطة الترفيهية التي تزداد تنوعا يوما بعد يوم، ومن بينها كرة القدم والسباحة والرسم والرقص وركوب الخيل وغيرها. واهتم عدد من الباحثين من جامعة شيستر في إنكلترا بالبحث في نتائج الإكثار من هذه الأنشطة على الطفل.

أظهرت الدراسة التي نشرت في صحيفة "الرياضة والتربية والمجتمع" أنه بجانب التكلفة الباهظة وأثمان ساعات أغلب النشاطات الترفيهية المرتفعة، ما يزيد حجم الضغوط المالية على الوالدين، فإنها تقلص من المساحة الزمنية التي يمضيها الأبناء الصغار مع باقي أفراد الأسرة.

وعقد فريق البحث 73 مقابلة لتحديد تأثير الأنشطة الترفيهية خارج المدرسة على الطفل مع آباء وأطفال ينحدرون من 450 عائلة تنتمي إلى الفئة الاجتماعية المتوسطة القاطنة شمالي غرب إنكلترا.

 وتبين للباحثين أن الأنشطة الترفيهية خارج الإطار المدرسي في نظر الوالدين تعتبر واحدة من أهم سمات الأبوة "الجيدة"، إذ أن 88 بالمئة من الأطفال المستجوبين يتابعون أنشطة ترفيهية خارج مدارسهم من أربعة إلى خمسة أيام في الأسبوع وأحيانا أكثر من مرة في اليوم.

دراسة تحذر من مغبة أن تأخذ الأنشطة الترفيهية الحيز الأكبر من حياة الطفل في مقابل فترات قصيرة تقضى مع الأسر

ويبدو الانخراط في مختلف الأندية والورشات غالبا على الحياة الأسرية خصوصا بالنسبة للعائلات التي لديها أكثر من طفل، وتتمثل النتائج في أنهم يمضون أوقاتا غير مفيدة ووجيزة مع بعضهم البعض. كما أن هذه الأنشطة تشكل عبئا ماليا مرهقا للوالدين وهو ما يفاقم حجم الضغوط المسلطة عليهم.

وأثار الباحثون مسألة الضغط النفسي المتزايد الذي يعيشه الآباء الراغبون في إظهار أنهم آباء جيدون وهم ينتظرون من مثل هذه الأنشطة أن تفيد أبناءهم من الناحية الصحية ومن جانب العلاقات الاجتماعية، غير أن الباحثين يحذرون من أن الإكثار منها يشكل عبئا ثقيلا على الموارد المالية للأبوين ويؤثر على العلاقات الأسرية وبالتالي فهي تضر النمو الصحي والمتوازن للطفل.

وتنصح الدراسة الآباء بالسعي إلى خلق توازن بين الوقت المخصص لممارسة الأنشطة الترفيهية وبين المدة الزمنية التي يمضيها الأطفال مع الأسرة، لكي لا تكون هذه الأنشطة من بين الأسباب التي تساهم في خلق مسافة بين الطفل وأسرته لأنها تحرمه من التواصل المباشر معها ومن الظفر بما يحتاجه من اهتمام ورعاية نفسية وعاطفية من الوالدين والإخوة. وهو توازن نفسي وعاطفي يجعله شخصا متزنا في المستقبل.

وتقول جميلة وهي مديرة لإحدى رياض الأطفال في العاصمة تونس، إنها تلاحظ من خلال عملها في الإشراف على هذه المؤسسة التي تهتم بالطفولة وعلى النوادي الترفيهية التي تضمها، أن الأطفال في تونس اليوم وخصوصا في العاصمة يمضون أطول فترات اليوم بين الدراسة والنوادي، ما يجعلهم لا ينعمون بالجو الأسري إلا لوقت وجيز لا يتجاوز معدل الساعتين في الليل.

 وتشير جميلة إلى أن تجربتها الخاصة كأم اضطرتها مسؤولياتها تجاه العمل لتسجيل ابنتها في العديد من النوادي الترفيهية لتشغل وقتها، جعلتها تتأكد من أن هذه النوادي إذا تم الاعتماد عليها بشكل مبالغ فيه فإنها تضر الطفل أكثر مما تنفعه.

وتوضح جميلة أن ابنتها البالغة من العمر ثماني سنوات "نشطة جدا ومشاغبة منذ سنواتها الأولى وأنها عندما كبرت أصبحت تعاني من فرط الحركة ما يجعل التعامل معها صعبا"، وتضيف أنها اضطرت لمتابعة حالة ابنتها لدى طبيب نفسي نصحها بأن تسجلها في أكثر من نشاط ترفيهي بدني وفكري وفني بحسب ميولها لكي يساعدها على التخلص من الطاقة الزائدة في جسمها ومن الحركية المفرطة.

وقالت جميلة إن ابنتها منخرطة في ناد للتنس وناد للسباحة وكذلك في ناد للموسيقى، وبعد خروجها من المدرسة تنقلها مباشرة إلى أحد هذه النوادي غير أنها ورغم مرور سنتين على هذا الوضع إلا أن الطفلة لم تتحسن نفسيا بل ازدادت عنادا وأصبحت شخصية مضطربة أكثر، كما تراجعت نتائجها المدرسية بسبب عدم قدرتها على السيطرة على نشاطها ما أثر بدوره على قدراتها في التركيز في الفصل وحتى في البيت.

وأضافت الأم أن حالة ابنتها بلغت مرحلة الاكتئاب، الأمر الذي جعلها تستشير طبيبا نفسيا آخر نبهها إلى أن ممارسة الطفلة لأكثر من نشاط في اليوم شوشت ذهنها وتركيزها أكثر وبالتالي تضاعف اضطرابها وعدم قدرتها على السيطرة على نشاطها وحركتها.

وتؤكد جميلة أن الطبيب النفسي المتابع لابنتها أوضح بأن فقدانها لحنان والديها وعدم منحها الوقت اللازم في البيت وحرمانها من العناية والرعاية التي تستحق ومحاولة تعويض وجود الوالدين معها بتسجيلها في أنشطة ترفيهية، من أهم الأسباب التي أوصلتها إلى هذه الحالة من الاضطراب النفسي.

ويعاني الكثير من الأطفال خصوصا المنتمون إلى أسر متكونة من أبوين عاملين ومن أكثر من ابن، من قلة الوقت المخصص إليهم من طرف الوالدين بسبب ضغوط الحياة اليومية وسعي الوالدين لتوفير حاجيات الأسرة المادية، ما يجعلهم يمضون غالبية ساعات النهار إما في المدارس أو في رياض الأطفال أو في النوادي الترفيهية وهو ما من شأنه أن يؤثر على توازنهم النفسي والصحي.

21