باحثون ومهتمون بالثقافات والهوية في رحلة لسبعة أيام بالبادية المغربية

الرباط - يقدم برنامج البحث الثقافي والعلمي لمختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في الملتقى العشرين للذاكرة والتراث الثقافي، مؤتمرا مختلفا في شكل رحلة تستمر من الثامن عشر إلى السابع والعشرين من أبريل 2024، عبر سبع جغرافيات، لرسم خريطة أخرى لذاكرة الموروث الثقافي المغربي.
ويقدم الركب الثقافي أسئلة هامة حول الإرث الذي راكم تجربة فريدة في الهوية الثقافية المغربية وفي الهوامش الصامتة، التي يتشابك فيها الاجتماعي بالروحي بالخيالي، في ثنايا المعيش وضمن سيرورة المظاهر الاجتماعية المتنوعة.
سبعة أيام يخصصها الملتقى للبحث عن مجرى أثر الموروث الثقافي الروحي في عدد من الجغرافيات بين الشاوية ودكالة وتادلة، وامتداداتها في باقي الجهات؛ بحثا عن أثر ميراث البهجة داخل المجتمع، وتجلياته في التواريخ المحلية المهملة وفي الموروثات الحية والدافعة بما تصونه وتطوره وتجعله بُعدا ثقافيا وقيميا يغذي الهوية
والروح الجماعية، ويحاور الأصوات والمتخيل الجماعي للثقافات ”السفلى”، بتنوعها المغذي لفن الحياة والتمثلات الثقافية.
ومن بين المباحث نجد حج الفقير، بأبعاده في الإبداع المغربي الجماعي المرتبط بالاعتراف والوفاء، والتماسك الاجتماعي والتضامن في أيام القحط والمحن والأخطار الطارئة والخارجية، مما جعله نسيجا بتلوينات شديدة الإشعاع في مكونات الهوية وسردياتها، بما يحمله من دلالات تتجاوز كل تأطير إلى دلالات متجددة، تتصل أساسا بالروابط الاجتماعية والتضامنية والثقافية والتصوف الشعبي؛ إلى جانب الموروث الثقافي بطبقاته التي صقلها الإنسان والزمن، والتواريخ الجهوية والذاكرة الشعبية كما تحفظها صدور الرواة الشعبيين الذين سيشاركون بأصواتهم، في اختيار واختبار للمعرفة، إلى جانب باحثين وباحثات من مختلف الأجيال والمعارف.
وحج الفقير أو حج المسكين ضمن الركب السنوي الذي هو طقس اجتماعي – ثقافي، مما يشكل هوية متجددة وتاريخا عميقا بزخمه الاجتماعي والروحي وما ينسجه من قيم عليا، كما كان منذ أكثر من عشرة قرون بالشاوية وأزمور وتادلة وباقي البلاد المغربية، ومثلما يجسده ركب لمعاشات الفريد، أو ركب “الحجاج المساكين” إلى خلوة أبي يعزى بجبل تاغيا.
ويشارك في هذه الرحلة عدد من الباحثين الجامعيين المنتمين إلى جامعات مغربية مختلفة وتخصصات معرفية من مختلف حقول الإنسانيات، ومثقفين ومهتمين إلى جانب رواة شعبيين لهم شغف الحكاية كما عاشوها وسمعوا بها.
ينطلق هذا الركب الثقافي بشغف مفتوح على البحث والمزيد من الأسئلة المرتبطة بالموروث الثقافي في صوره المشرقة والمستنيرة، من الدار البيضاء وبعدها مديونة وبن معاشو بأولاد عبّو وأولاد احريز بدوار الجوالّة- أولاد صالح، ثم أولاد امحمد بامزاب وأبي الجعد والوصول في اليوم السابع إلى مولاي بوعزة.
وتخصص محاور اللقاءات لمباحث مختلف بداية بالمعرفة والخيال والمجتمع (الدار البيضاء) في اليوم الأول، الخيال الثقافي المنسي: الهوية المقاوِمة والأنساب (مديونة) في اليوم الثاني، التاريخ والموروث المحلي: أدوار الركب في البناء والتماسك المجتمعي (بن معاشو) في اليوم الثالث.
ويدرس اليوم الرابع الثقافة والتاريخ والتنمية: جدل الهوية المغربية في دوار الجوالة -أولاد صالح بأولاد حريز، ليتواصل الركب لليوم الخامس مناقشا الذاكرة: أفق الهوية والقيم العليا بأولاد امحمد–امزاب)، وتخصص سادس المحطات للبحث في سرديات الذاكرة في التاريخ المحلي: التصوف، المجتمع والتنمية وذلك في منطقة أبي الجعد)، ختاما باليم السابع الذي يفكك ظاهرة حج الفقير من منظورات تاريخية وثقافية وذلك في منطقة مولاي بوعزة.
ويأتي هذا الملتقى في إطار الاهتمام الكبير الذي يوليه المغرب لتراثه وهويته الثقافية متعددة الروافد.
ويعتبر المغرب أرض تلاقح ثقافي وعرقي وبوتقة الحضارات العريقة، إذ يمتاز بهويته التعددية وبتراثه الثقافي اللا مادي الذي زاد إشعاعه واكتسب المزيد من الصيت على الصعيدين الوطني والدولي في السنوات الأخيرة، بفضل تضافر الجهود لصون هذا التراث وتثمينه والعناية به.
وفي العقدين الأخيرين تصدر المكون اللامادي للتراث الثقافي المغربي اهتمامات المغرب، إذ يغطي مجالا واسعا من الممارسات والتقاليد والتعبيرات والمعارف، فضلا عن الأدوات والأشياء والقطع الأثرية والفضاءات الثقافية المرتبطة بها. وصار هذا التراث الحي يحظى بالاهتمام المتزايد من قبل السلطات العمومية والمجتمع المدني، اللذين يكثفان جهودهما للحفاظ على تعبيراته ومظاهره وشهاداته.