باحثون عرب: الرقمنة هيمنت على تسويق الأعمال الدرامية والسينمائية

كتاب "التسويق الرقمي للإنتاج الدرامي والسينمائي: الاتجاهات والاستراتيجيات" يضم دراسات متعددة لباحثين من الجزائر وسوريا والسويد.
الثلاثاء 2025/05/13
الدعاية بهذا الشكل لم تعد جذابة

الجزائر - فرضت التحولات التكنولوجية على العالم تغيرات هائلة، وليست الدراما والسينما في منأى عنها بل يظهر التأثير عليهما جليا، حيث أحدثت الرقمنة تغيرات على أساليب تسويق الأعمال الدرامية والسينمائية، لها أبعاد تقنية وثقافية وجمالية.

هذه الأبعاد والتحوّلات، يحاول تفكيكها مجموعة من الخبراء والباحثين في كتاب جماعي بعنوان “التسويق الرقمي للإنتاج الدرامي والسينمائي: الاتجاهات والاستراتيجيات”، صدر عن دار “جودة” للنشر والتوزيع بالجزائر، ويتناول التحوّلات العميقة التي فرضتها تطورات العصر الراهن على هاتين الصناعتين الفنيتين.

يضم الكتاب مجموعة من الدراسات العلمية التي ناقش من خلالها عدد من الباحثين العرب تطور أدوات الترويج في المجال السمعي البصري، في ظل صعود الوسائط الرقمية والذكاء الاصطناعي وخوارزميات التوصية، بوصفها أدوات أساسية في تشكيل الذوق الفني وصناعة تفضيلات الجمهور.

g

وأوضحت الدكتورة مريم نريمان نومار، المشرفة على تحرير الكتاب، في تصريح خاص لوكالة الأنباء العُمانية، أن الإصدار يرصد انتقال التسويق من نماذجه التقليدية إلى الأساليب التفاعلية الحديثة، مشيرة إلى دراسة البُعد السيميولوجي لحملات التسويق المرئي، وتحليل ظاهرة “الفاندوم” كجزء من الإستراتيجيات الرقمية الراهنة، إلى جانب استعراض تجارب عالمية مؤثرة، مثل الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدا في دور المنصات الجديدة مثل “تيك توك” في إعادة تشكيل خارطة التسويق السمعي البصري.

بدأت الدراما والسينما العربية في الظهور بشكلها الحديث في منتصف القرن العشرين، متأثرة بالتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي شهدها العالم العربي آنذاك. وكانت مصر في طليعة الدول العربية التي أسست لدراما تلفزيونية وإذاعية متطورة، حيث انطلقت أولى المسلسلات في الخمسينات والستينات، مستفيدة من المسرح المصري العريق والسينما النشطة.

وتنوعت المواضيع التي تناولتها الإنتاجات الدرامية والسينمائية المبكرة بين القضايا الاجتماعية، والقصص التاريخية والعائلية، مما ساعد على جذب جمهور واسع في مختلف أنحاء الوطن العربي. ومع مرور الوقت، انتقلت تجربتا الدراما والسينما من مصر إلى دول عربية أخرى كلبنان وسوريا والعراق وتونس، حيث أضافت كل منطقة لمستها الخاصة، انطلاقا من هويتها وخصوصياتها الثقافية مما ساهم في تنوع وتطور الإنتاج الدرامي العربي.

في السابق، اعتمد تسويق المسلسلات على وسائل حديثة آنذاك لكنها تصنف اليوم ضمن وسائل التسويق التقليدي، والتي تركز على الوصول إلى الجمهور عبر القنوات المحدودة المتاحة، مثل التلفزيون، الصحف، والمجلات، وكانت الإعلانات التلفزيونية والمؤتمرات الصحفية من أبرز الوسائل لجذب المشاهدين، بالإضافة إلى الملصقات في الأماكن العامة والعروض الخاصة قبل البث. كما كان للمقابلات الإذاعية والتلفزيونية دور كبير في الترويج، وكانت تلك الأساليب فعّالة إلى حد كبير ضمن النطاق المحلي أو الإقليمي، لكنها محدودة في التفاعل والقياس الدقيق للجمهور المستهدف.

الكتاب محاولة علمية لفهم التغيرات الثقافية التي فرضتها البيئة الرقمية على التسويق الفني للأعمال الدرامية والسينمائية

ومع تطور التكنولوجيا، دخلت التقنيات الحديثة للتسويق حيّز التنفيذ بقوة، وأصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي هي المحرك الأساسي للحملات الترويجية. إذ تسهل ملاحظة أن التسويق الآن يعتمد على أدوات رقمية مثل الإعلانات الممولة على فيسبوك ويوتيوب، والتفاعل المباشر مع الجمهور عبر تيك توك وإنستغرام، بالإضافة إلى استخدام المؤثرين لإشعال التفاعل حتى وإن كان المحتوى الفني غير جذاب وذا قيمة فنية متدنية. كما بات المحتوى القصير مثل “البروموهات” (الفيديوهات) التفاعلية أو لقطات الكواليس أداة فعالة لجذب الانتباه، فيما يُستخدم التحليل البياني لتحسين استهداف الجمهور بشكل أكثر دقة وذكاء. وهذا ما انتبه إليه بعض الفنانين حيث أصبحوا يستغلون شعبيتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الجماهير عبر بث مباشر يشجعون فيه على مشاهد أعمالهم أو تنظيم مسابقات ومنح جوائز مالية كبرى لمن يتابع الأعمال ويجيب عن أسئلة تدور حولها.

ولو أردنا إجراء مقارنة بسيطة بين التقنيتين، التقليدية والحديثة، سنجد أن التسويق التقليدي كان يعتمد على الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة، لكنه أقل تفاعلا مع الجمهور المستهدف وأقل تحليلا لخصائصه، بينما توفر الأساليب الحديثة مرونة وتفاعلية وقدرة على التخصيص، مما يجعلها أكثر كفاءة في جذب الجمهور المناسب وتحقيق الانتشار السريع، خصوصا لدى الفئات الشابة والمستخدمة للمنصات الرقمية. ومع ذلك، لا يزال الجمع بين التقنيتين يُعتبر إستراتيجية فعّالة للوصول إلى جمهور أوسع وأكثر تنوعا.

ويأتي كتاب “التسويق الرقمي للإنتاج الدرامي والسينمائي: الاتجاهات والاستراتيجيات” ضمن منشورات فرقة البحث “المحتوى الرقمي في الجزائر”، كمحاولة علمية لفهم التغيرات الثقافية التي فرضتها البيئة الرقمية على التسويق الفني للأعمال الدرامية والسينمائية، من خلال تفكيك البُنى الرمزية والجمالية التي تشكلها حملات الترويج المعاصرة، وسط حرص بحثي على التوازن بين استثمار التقنية والحفاظ على الوعي الثقافي.

ويضم الكتاب دراسات متعددة لباحثين من الجزائر وسوريا والسويد، تناولت موضوعات مثل: الذكاء الاصطناعي في التسويق الفني، والانتقال من التسويق التقليدي إلى التفاعلي، وخوارزميات التوصية وتأثيرها على اختيارات الجمهور، والرموز اللونية في الحملات الدعائية، وتسويق المحتوى عبر منصات التواصل الحديثة.

يُذكر أن الدكتورة مريم نريمان نومار أستاذ مشارك في الإعلام والاتصال بجامعة باتنة1، وباحثة في البيئة الرقمية، وتشغل منصب رئيس فرقة البحث في “المحتوى الرقمي في الجزائر”، ولها مؤلفات أدبية وعلمية أبرزها “الدراما الاجتماعية والمرأة في الفضاء الافتراضي” و”الشيفرة المفقودة”.

14