باحثون أردنيون ينفون الادعاء بأن هناك أزمة نص مسرحي

ملتقى النص المسرحي يسرد تاريخ أبي الفنون في الأردن من خلال النصوص.
الاثنين 2023/05/08
المسرح الأردني صارت له بصمته

مر المسرح الأردني بالكثير من التأثيرات التي جعلته يتبلور شيئا فشيئا لتصبح له بصمته، فقد انطلق من الفرق الجوالة ليصبح اليوم مؤسسات قائمة لكل منها خصوصيتها، ولكن ذلك كان عبر مسار طويل وشاق خاضه من كتبوا للمسرح جنبا إلى جنب مع المخرجين والممثلين.

عمّان - عاين مسرحيون وأكاديميون ومثقفون أردنيون سردية النص المسرحي الأردني تاريخا وموضوعا وقضايا ونقدا وتجارب مساء يوم السبت، في قاعة منتدى عبدالحميد شومان بعمّان.

وفي ندوة نظمها مختبر السرديات الأردني ومؤسسة عبدالحميد شومان بعنوان “ملتقى النص المسرحي الأردني الأول – دورة جمال أبوحمدان”، قال رئيس المختبر الكاتب مفلح العدوان في كلمة له بالجلسة الافتتاحية، إن هذا الملتقى يأتي لمناقشة سردية المسرح الأردني، وتسليط الضوء على بداياته الأولى وأهم كتاب المسرح، ومراحل تطور الكتابة المسرحية، والقضايا والموضوعات التي تطرق لها كتاب المسرح، وتلك العلاقة بين المخرج والكاتب، ومساحة الكتابة في مسرح الأطفال، وأهم التجارب الكتابية الشبابية، وكيفية تعامل المؤسسة النقدية والإعلامية مع النصوص المسرحية الأردنية.

تاريخ المسرح في الأردن

ظاهرة المسرح في شرق الأردن هي حصيلة تأثير الفرق المسرحية العربية المجاورة التي كانت تجوب المنطقة

بيّن العدوان أن المختبر يسعى لتلمّس كثير من القضايا حول النص المسرحي الذي تتكرر دائما حوله مقولة إن “هناك أزمة نص محلي”، مضيفا “هل يستطيع الملتقى الإجابة على هذا السؤال”، لافتا إلى أنه “من الصعوبة الإحاطة بكل التفاصيل المتعلقة بالنص المسرحي وكتابته وكيفية التعامل معه في الدورة الأولى للملتقى، إلا أن هذه الندوة تقدم آلية عملية لمعاينة الحالة، وستتبع هذا الملتقى ملتقيات وورش عمل وندوات أخرى، كلها تصب في تشريح الحالة، ومحاولة توثيقها، وإيجاد بيئة مناسبة للحوار والحديث حول النص المسرحي، وحل بعض إشكالاته وطرح رؤى صالحة للتطبيق حول النص المسرحي الأردني”.

ونوه بأن هذه الدورة تحمل اسم الكاتب الراحل جمال أبوحمدان الذي يمثل واحدا من أهم كتاب النص المسرحي ليس على مستوى الأردن، بل في العالم العربي “وهو رمز نعتز به، ونقدمه رائدا في الكتابة والتجديد على مستوى الشكل والموضوع للنص المسرحي الأردني”.

من جهته، قال مدير منتدى شومان الثقافي الكاتب موفق ملكاوي إن هذه الفعالية تكشف عن الإمكانيات الكبيرة التي يمكن لها أن تتحقق في حال كانت هناك شراكات حقيقية بين الأجسام والتجمعات والمؤسسات الثقافية، من أجل خدمة أهداف الأطراف المختلفة، وهي بلا شك أهداف تتقاطع في كثير من محاورها، لافتا إلى أن الأهم هو أن تتبنى تلك الأطراف برامج جادة وأهدافا قابلة للتحقق، ومحاولة الخروج من النمطية التي تحكم كثيرا من الأنشطة في الساحة المحلية.

وفي الجلسة الأولى التي أدارها الكاتب العدوان، تناول الفنان والباحث عبداللطيف شما في ورقته “رواد كتابة النص المسرحي الأردني: البدايات ومرحلة التأسيس” تاريخ المسرح الأردني، مشيرا إلى ما أطلق عليه نشاطات “شبه مسرحية” كان يقدمها قاصون جوالون جابوا بلاد الشام في المرحلة التي سبقت تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 ويعرضون فنونهم من حكايات شعبية وسير وملاحم كحكايات أبوزيد الهلالي وعنترة على جمهور المزارعين من أهل القرى.

ولفت شما إلى أن ظاهرة المسرح في شرق الأردن كانت بتأثير من الفرق المسرحية العربية المجاورة التي كانت تجوب المنطقة ومنها على سبيل المثال مسرحية “قاتل أخيه” لجميل البحري، والتي عرضت في الأردن وسوريا بعد الحرب العالمية الأولى، مشيرا كذلك إلى تجارب الأبوين أنطوان الحيحي وزكريا الشوملي في الكتابة والعروض المسرحية، ومنها مسرحية “هاملت” التي عرضت في بيت ساحور والقدس ومأدبا وبيت لحم وغيرها من المدن على ضفتي نهر الأردن.

 الحركة المسرحية الأردنية تطورت على مر العقود فصرنا نشاهد أعمالا مختلفة تتجاوز التقليدية وتذهب أكثر باتجاه التجريب
 الحركة المسرحية الأردنية تطورت على مر العقود فصرنا نشاهد أعمالا مختلفة تتجاوز التقليدية وتذهب أكثر باتجاه التجريب 

واستعاد تجربة الأب الحيحي في مأدبا، والذي أسس جمعية الناشئة الكاثوليكية العربية، وجعل من أهدافها التمثيل، وقدم أعمالا عديدة، ومنها “الملاك والشيطان” و”الأميران الأسيران” و”الدبابيس” وغيرها.

ونوه بتجارب روكس العزيزي في الكتابة والإخراج المسرحي ومنها مسرحية “سجين جمياج” في الفترة 1920 - 1921، لافتا كذلك إلى تجربة عقيل أبوالشعر الذي كتب مسرحية حول أمجاد العرب القومية حين كان سكرتيرا لجمعية العرب الفتاة.

وبيّن أن أهم عوامل انتشار المسرح في تلك الفترة تمثلت بانتشار الأديرة والمدارس وعودة الدارسين في القدس ودمشق ممن أحبوا هذا الفن وتسلحوا به، مشيرا إلى مسرحية “سهرات العرب” تأليف عثمان قاسم، وقدمت في النادي العربي بمدينة إربد عام 1920، وشارك فيها كل من مصطفى وهبي التل وسليمان الصفدي وسامح حجازي وجميل وعبداللطيف شاكر ومحمد محيي الدين اللحام.

أما الأكاديمية والناقدة المختصة في النص المسرحي ونائبة رئيس منتدى النقد الدرامي صبحة علقم فتناولت في ورقتها المعنونة بـ”النص المسرحي: محطات وأسماء” تاريخ الكتابة المسرحية في الأردن، مشيرة إلى أن الأبحاث المعنية بتاريخ المسرح في الأردن تشير إلى أن أول نص مسرحي مكتوب محليّاً كان يحمل عنوان “مات الكاوي يا سعيد”، وينسبه الباحث مفيد حواتمة إلى الأب البولوني يوحنا بونفيل من مدينة مأدبا عام 1914، فيما ينسبه غنام غنام إلى روكس بن زائد العزيزي عام 1919، أما عادل لافي فينسبه إلى الكاهن أنطون الحيحي عام 1918، وهو نص أيا كان مؤلفه، ذو منحى كوميدي يسخر من المتكبّرين زمن الحكم العثماني.

وأضافت أنه قد تبعت ذلك مجموعة نصوص مسرحية للعزيزي هي: “فيلسوف” 1920، “العاشقان” 1921، “المتهمة”، “ابن وائل”، و”فاء العرب” 1922، و”الأرض أولا” الذي يتكون من 5 فصول، وقد كُتب في الثلاثينات ونُشر عام 1971 في مجلة “العرفان” اللبنانية، ثم نشرته وزارة الثقافة الأردنية عام 1988، وفي الفترة نفسها كتب وأخرج محمد المحيسن مسرحية “الأسير” في الكرك عام 1933.

كما تناولت فترات الأربعينات والخمسينات، لافتة إلى أنه في عقد الستينات قفزت النصوص المحلية إلى 16 مسرحية بعد ظهور كتّاب جدد، ونشوء مؤسسات تُعنى بالمسرح، وتشكيل فرق مسرحية، ودخول المرأة إلى مجال التمثيل، ليتواصل في عقد السبعينات إلى نحو 35 كاتباً ألّفوا 53 نصاً.

ولفتت إلى أن النصوص المسرحية المحلية تناولت خلال المئة سنة الماضية موضوعات تاريخية واجتماعية وسياسية، وقضايا المرأة، ومظاهر التراث الشعبي، وتوزعت بين المقاربات الجادة والكوميدية والساخرة، شأنها شأن النصوص المسرحية في العالم العربي عامةً، مع مراعاتها خصوصية واقع المجتمع الأردني.

أداء مسرحي متطور
أداء مسرحي متطور

وتناولت في ورقتها نماذج من نصوص مسرحية عملت على تقديم قراءة تحليلية لها، ومنها مسرحيات “الخيط” للأديب أبوحمدان و”يا سامعين الصوت” للفنان خالد الطريفي و”ظلمة الإمبراطور” للكاتب والفنان غنام غنام، و”أوراق الحب” أول نص مسرحي كتبته الروائية الراحلة ليلى الأطرش، و”عشيات حلم” للكاتب مفلح العدوان و”ظلال أنثى” للكاتب هزاع البراري.

وتواصلت الجلسة الأولى من الملتقى مع ورقة “استلهام التراث والتاريخ في النص المسرحي الأردني” لرئيس مهرجان عشيات طقوس المسرحية الأكاديمي والمخرج والأكاديمي فراس الريموني الذي سلط الضوء على حضور التاريخ والتراث بوصفهما مادتين أوليتين لتأسيس النص المسرحي الأردني في مطلع القرن العشرين، وكون هذا الاستلهام ضرورة فنية واجتماعية وسياسية في مرحلة تجتاحها التحولات السياسية والاجتماعية.

واستعرض عددا من أبرز الرواد في الكتابة المسرحية الذين اتكأوا على هذا الاستلهام ومنهم العلامة الأردني روكس بن زائد العزيزي، والأديب عبدالرحيم عمر، والأديب أبوحمدان والكاتب محمود الزيودي، والكاتب أمين شنّار، والشاعر حيدر محمود، والكاتب جبريل الشيخ، والكاتب والفنان جميل عوّاد وغيرهم.

ولفت إلى أن بنية النص المسرحي الأردني تطورت من تسعينات القرن الماضي إلى اليوم وارتبطت إشكالية تأصيل الخطاب المسرحي العربي عند الأديب المسرحي الأردني بالتراث، وبرزت لديه ثنائية الأصالة والمعاصرة التي فرضت عليه التعامل مع التراث كمواقف وحركة مستمرة من شأنها أن ترسخ القيم الإنسانية المثلى، لا أن تقتصر نظرته إلى التراث على أنه مادة خام تنتمي إلى الماضي الذي انتهت وظيفته.

وبين أن عملية توظيف التراث في النص المسرحي الأردني تأسست من خلال قراءة الموروث قراءة نقدية هادفة أسهمت في تأسيس رؤية لمشكلات الواقع الملحة، بحيث جاء توظيف التراث هنا بطريقة فنية إيحائية ورمزية، هدفها خدمة الحاضر والمستقبل لترسيخ قيم متطورة بعيدة عن السطحية والابتذال.

وأشار إلى تأثر الأديب المسرحي الأردني في الدعوات التنظيرية المرتبطة بتوظيف التراث في المسرح العربي للبحث عن قالب مسرحي عربي أو سامر شعبي أو حكواتي أو احتفال أو فرجة مرتجلة، وتقنيات الفرجة المسرحية، مرتكزا في نصوصه على المصادر التراثية الشعبية والتاريخية.

ورصد في ورقته عددا من المعالجات التي اعتمدها المؤلف الأردني لتوظيف التاريخ والتراث في النص المسرحي، مستعرضا نماذج لنصوص وعروض مسرحية لكتاب أردنيين.

المخرج والمؤلف ومسرح الطفل

Thumbnail

في شهادته الإبداعية استذكر الأديب هاشم غرايبة إطلالته الأولى على المسرح حينما كان طالبا في العراق في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي ومن ثم عودته إلى الأردن، مشيرا إلى انضمامه إلى فرقة “عمون 74″، التي أسسها الفنان سهيل إلياس عام 1974، وضمت آنذاك كلا من الأديب أبوحمدان والفنانين جميل عواد وفؤاد الشوملي وجولييت عواد وعبدالكريم القواسمي وآخرين، وأن أول عمل مسرحي قدمته الفرقة كان بعنوان “رحلات ابن بطوطة”.

وأشار إلى أن أول مسرح تأسس في إربد هو مسرح مدرسة الصناعة.

ورأى أن من حق المخرج أن يفعل بالنص المسرحي ما يشاء، معتبرا أن المسرح ما يقدم على الخشبة وليس ما يكتب على الورق.

وفي الجلسة الثانية التي أدارتها الكاتبة هيا صالح لفتت الأكاديمية والمخرجة والأكاديمية مجد القصص في ورقتها المعنونة بـ”النص المسرحي في الأردن من الكتابة الأرسطية إلى الكتابة اللاأرسطية في الفترة 2006 -2022″ إلى أهمية التعاون بين الكاتب والمخرج للخروج بنص عرض أكثر منه نصا أدبيا، مبينة أن الهدف الأول والأخير للنص المسرحي هو أن يتحول إلى عرض مسرحي يصل بأفكاره إلى أكبر شريحة من الجمهور.

الحركة المسرحية المحلية عبر تاريخ تطورها أفرزت مؤلفين مسرحيين ترفع القبعات لهم ولنصوصهم الإبداعية التي نافست وفازت بجدارة في محافل مسرحية عربية

ورأت أن هذه الآلية الجديدة وفرت نصوصا كثيرة من أدباء متميزين جعلتهم يقتربون من المسرح سواء كانوا روائيين أو كتاب قصة قصيرة، مثلما أنها حلت أزمة النص المسرحي الذي يعاني منه العالم العربي، وبالتالي الأردن، وغذّت المسرح الأردني بأفكار جديدة وجريئة ولغة أدبية متميزة ووفرت للمخرج القدرة الكبيرة في تحويل هذه الصور الأدبية إلى صور مسرحية.

وتناولت خصائص الكتابة الجديدة التي رأت أنها خرجت من النص الأرسطي إلى النص اللاأرسطي وأحيانا إلى ما بعد الأرسطية، مستحضرة نماذج عن النص اللاأرسطي ومنها مسرح العبث والملحمي، مستعرضة آليات وخطوات الكتابة اللاأرسطية وما بعد اللاأرسطية في عدد من المسرحيات الأردنية.

وتحدثت عن العلاقة الجديدة بين المخرج والمؤلف والتي بحسبها أثمرت نتاجا إيجابيا في السنوات العشرين الماضية.

وتحدثت مديرة المركز الوطني للفنون الأدائية المخرجة لينا التل عن “مسرح الطفل بين الكتابة والإخراج”، مبينة أن ثمة فرقا كبيرا بين الكتابة للأطفال والكتابة للكبار، ويكمن ذلك في خصوصية النص والمحتوى بحيث تتناسب مع الحركة، لافتة إلى عوامل النمو العاطفي والجسدي والإدراكي لدى الطفل وأهمية الالتفات لمعايير الفئة العمرية واللغة.

وتناولت موضوع الحبكة والصراع في الكتابة للأطفال من حيث عدد الأحداث وتشابكها وترابطها بحسب الفئة العمرية، مشيرة إلى أن معظم المسرحيات التي تقدم في الأردن بشكل عام للفئة العمرية فوق 10 سنوات، وتعتمد على الإبهار البصري، وأنها في الغالب استعراضية الطابع، مؤكدة ضرورة أن تكون الأغاني الموظفة حيّة غير تسجيلية ومكملة ومعززة للحدث.

وبينت أهمية أن تتناول المسرحيات التي تتعلق بالفئة العمرية من 3 إلى 10 سنوات موضوعات الخوف والتنمر والانعزال وفقدان أحد الأبوين أو كليهما على أن تتم معالجتها مع الكاتب بحيث يكون الهدف من ذلك مجيبا على سؤال ماذا نريد من الطفل أن يستوعب ويدرك؟ مؤكدة أهمية العمل التشاركي في أشكال المسرح الموجه للطفل.

وتناولت التل المسرح التفاعلي، مستعرضة تجارب المركز الوطني للفنون الأدائية في هذا الشأن.

فنون أدائية تحمل الكثير من الإبداع
فنون أدائية تحمل الكثير من الإبداع

بدوره، بين عضو الهيئة الإدارية لمنتدى النقد الدرامي الأكاديمي والناقد عمر نقرش في ورقته التي حملت عنوان “مواكبة النقد للنص المسرحي بين الأكاديميا والإعلام” أن ورقته هذه تنطلق استنادا إلى بعض مقتضيات الصناعة الثقافية والفنية المستقبلية، ومن منظور أن النقد المسرحي بآلياته ووظائفه وأبعاده الدراماتورجية من أصعب الممارسات النقدية، باعتباره نقدا مركبا تتداخل فيه العناصر اللسانية (النص) والعناصر السيمائية (العرض).

وقال نقرش إن الحديث عن النص المسرحي الأردني نقديا يعد مغامرة محفوفة بالمخاطر بوصفه فضاء إبداعيا مفتوحا يمنح للمؤلف جرأة الطرح والمعالجة في سبيل تقديم تصوراته واستكشافاته المعرفية لمسرح المستقبل ورسم رؤاه بموضوعية ومرونة، مما يدفع بالتالي الخطاب النقدي إلى مزيد من القراءة النقدية التأويلية التي تعزز التفاعل مع المتلقي وفق قانون المثير والاستجابة، ووفق مواكبة مفهوم الحساسية الجمالية للجمهور الجديد، التي يفترض أن تلبي وتراعي فكره وذوقه الجمالي.

وأكد أن الحركة المسرحية المحلية عبر تاريخ تطورها أفرزت وشهدت مؤلفين مسرحيين ترفع القبعات لهم ولنصوصهم الإبداعية التي نافست وفازت بجدارة في محافل مسرحية عربية، وبالمقابل لا نشكك بأن هناك جهودا نقدية علمية ومنهجية وازنة واكبتها ولامست عمقها الفكري ونتائجها الملموسة، مشيرا إلى أن هذه الجهود اتسعت في السنوات الماضية لتلمس مفاصل النجاح والإخفاق التي عاشتها الحركة الفنية دراميا ومسرحيا، وصولا إلى نقد التجربة المسرحية بمجملها والبنية التنظيمية لها، من أجل الوصول إلى النقد التنظيمي، لأن التنظيم هو جسد الأيديولوجيا والسياسة في الممارسة الفنية والمسرحية، وانعكاس عفوي للوحدة بين النظرية والممارسة.

ورأى أن النقد المسرحي في مجمله في الأردن مرّ بعدة مراحل عبر مواكبته للخطاب المسرحي (نصا وعرضا)؛ النقد الإعلامي أو الصحفي، والنقد التنظيري والنقد الأكاديمي.

وقدم الكاتب والمخرج حسن ناجي في ختام الجلسة الثانية شهادة إبداعية تناولت تجربته الشخصية مع الكتابة بشكل عام والمسرح ومسرح الطفل بشكل خاص.

وقال إن الكتابة للطفل وعن الطفل تبدأ من ثقافته الخاصة التي تشكل بالنهاية مجمل اهتماماته بالنص الإبداعي من حيث الشكل والمضمون والإخراج وتدفعه إلى الإقبال على المنتج الإبداعي.

وثقافة الطفل تشكلت في سنواته العشر الأولى في هذا العصر، بحسب ناجي، من خلال قراءته للقصص التراثية ومن مشاهداته أفلام الصور المتحركة التي تعتمد شخصيات ثابتة الحضور، إضافة إلى التربية الدينية والاجتماعية والتي تفرز اهتمامات بقيم محددة تشكل عالمه السلوكي وتكون ذات دلالات تربوية.

مسرحيات أبوحمدان

تجربة رائدة على خشبة المسرح
تجربة رائدة على خشبة المسرح

في الجلسة الثالثة والأخيرة من الملتقى والتي حملت عنوان “جمال أبوحمدان مبدعا ومسرحيا” وأدارها الكاتب هزاع البراري، لفت رئيس منتدى النقد الدرامي المخرج والناقد باسم دلقموني في ورقته التي حملت عنوان “تجربة جمال أبوحمدان في كتابة المسرح”، إلى أن كتابات الراحل أبوحمدان اتسمت بعاطفة شعرية وشاعرية جياشة وعكس ذلك داخل البناء المسرحي العام لمسرحياته التي اعتمد فيها الرمزية والمونولوج الداخلي الذي يغوص في عمق القصة والشعر، محولا إياها إلى محاورات مسرحية بوصف المسرح يمس مباشرة الوجدان الإنساني ويتفاعل معه لحظيا وجمعيا.

وفي نصوص أبوحمدان المسرحية، بحسب الدلقموني، مكانة مهمة للمرأة، مثلما تشكل الحداثة خطا تصاعديا في مسرحياته فارضة إيقاعها من خلال الرؤية في الشكل والمضمون زمانيا، أي بمعنى ليس قربه من العصر الحديث أو بالابتعاد عنه، وإنما من خلال جدلية المضمون وجديته، مبينا أنه لا يرسم مخططا لنمط وتصنيف الكتابة حيث الدهشة تولد الألفة من خلال التفاعل مع عناصر الكتابة.

وقال إن أبوحمدان يعالج في أعماله الأدبية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص القضايا السياسية والاجتماعية ومن خلالها يتخطى كل الحواجز بوصفه كاتبا إنسانيا لا تقيده أي حدود.

المختبر يسعى لتلمّس كثير من القضايا حول النص المسرحي وتحديد تطوره عبر التاريخ وآفاق تجدده

وتناول بالعرض والتحليل عددا من مسرحيات أبوحمدان ومنها “المفتاح” و”حكاية شهرزاد الأخيرة في الليلة الثانية بعد الألف”، و”القضبان” و”ليلة دفن الممثلة جيم”، مؤشرا على تأثر أبوحمدان بالمدرستين الرمزية والتعبيرية في أعماله المسرحية.

وقال الأكاديمي والناقد محمد عبيدالله في ورقته التي حملت عنوان “التجديد والتجريب في مسرحيات جمال أبوحمدان”، إن مسرحيات أبوحمدان نالت بمعناها الأدبي والفني قراءات متعددة، قاربت بعض جوانبها الأدبية والفنية، وكشفت عن فرادة هذه التجربة وريادتها في سياق تاريخ الكتابة المسرحية الأردنية، وأنها كتابات تنطوي على كثير من عناصر التجديد والتجريب، على مستوى الرؤية والتشكيل وفرادة اللغة والأسلوب.

وتعود منابع التجريب في تجربة أبوحمدان المسرحية، بحسب عبيدالله، إلى المنابع ذاتها التي انطلقت منها تجربته الأدبية، ومن بينها تنوع كتابات الأديب الراحل، وتمكنه من الخوض في عدة أجناس وأنواع أدبية، وما يعكسه ويقتضيه هذا التنوع من الثقافة الواسعة القادرة على أن تجمع خيوطا وأنواعا متباينة في نسيج متكامل، ويضاف إلى هذا وعيه بالتجريب والتجديد، وانتماؤه الصريح إلى التيارات الأدبية الجديدة منذ ستينات القرن العشرين، وميله إلى التفكير والتعبير الحداثي المعبّر عن شخصيته وثقافته.

وأشار إلى أن مجموعة من مسرحيات أبوحمدان تقوم على ما يمكن تسميته بالاستئناف السردي، الذي يستند فيه على توظيف حكاية سابقة، تراثية عربية أو عالمية، ولكن عمله المسرحي لا يقوم على إعادة مسرحتها أو تقديمها كما هو الحال في الصيغ المعهودة من توظيف التراث وإعادة تمثيله سرديا أو مسرحيا، وإنما تقوم تجربته على استئناف الحكاية التراثية والمضي بها إلى معنى جديد وولادة ودلالة جديدة، مثلما تنطوي على نشاط ملحوظ للمخيلة بما يضيف أحداثا وتفاصيل جديدة وكأننا أمام حكاية مختلفة تعيد النظر في الحكاية الأولى التي تتأسس على التناص معها، ولكنها لا تطابقها ولا تعيدها وإنما غالبا ما تنقضها وتمضي بها نحو وجهة جديدة تتلاءم مع المعنى والشكل اللذين يريد الكاتب تأسيسهما.

الدورة الأولى من الملتقى تحمل اسم الكاتب الراحل جمال أبوحمدان الذي يعتبر من أهم الكتاب المسرحيين العرب

ولفت إلى أن المسرحية عند أبوحمدان تبدأ من انتهاء أصلها وانقضائه ومضيّ زمن عليه، وتبدو أقرب إلى صيغة مناهضة لمعناه الأول، عندما تزحزحه إلى معنى جديد يتلاءم مع رؤية الكاتب ومع الزمن الجديد الذي كتبت لأجله المسرحية الجديدة.

وقدم الشاعر طاهر رياض شهادة إبداعية عن علاقته وتجربته مع الأديب الراحل أبوحمدان قال فيها إنه كان يصب اهتمامه على إنسانية الإنسان في أزمنة من طبعها العمل على تشييء الإنسان وتسليعه واللهو بكينونته ومصيره.

ولفت إلى أن أبوحمدان كان لا بد أن يصطدم بفكرة الحرية، حرية الفرد أولا وحرية المجتمع وحرية الشعوب كذلك، وهي تنتهك على مدى التاريخ بأيدي الطغاة، تلك الحرية بأبعادها الواقعية والأنطولوجية والميتافيزيقية كانت موضوعة أساسية كذلك في الكثير من نصوصه.

كما قدم الإعلامي أسعد خليفة شهادة إبداعية بمصاحبة عرض بصري لعدد من أبرز أعماله التلفزيونية والمسرحية نوه فيها بإبداعات أبوحمدان.

13