"باب الوادي" رحلة بحث عن الذات والوطن بين ضفتي المتوسط

القاهرة - مثل موجة بحر حائرة بين شاطئين يتنقل بطل رواية “باب الوادي” للكاتب الجزائري أحمد طيباوي بين شمال وجنوب حوض البحر المتوسط بحثا عن هويته وحقيقة نسبه بعدما توفيت أمه ودفن معها سر أبيه.
وتطرح الرواية قصة إنسانية بطلها رجل ينطلق في رحلة بحث عن والده، وعلى امتداد خطوات الرحلة يطرح البطل (كمال) تساؤلات عن الذات ومكانة الفرد في وطن يعيش تغييرات متتالية.
تبدأ الرواية التي تكتسب اسمها من أحد الأحياء الشعبية بالجزائر بموت الممرضة فتيحة صادقي التي كرست حياتها كلها لرعاية ابنها الوحيد الذي صار شابا دون أن يرى يوما أباه.
ومع تعمد الأم إبعاد وحيدها عن الجزائر في أيام مرضها الأخيرة في رحلة إلى تركيا، ترحل فتيحة تاركة مهمة البوح بالسر إلى أختها فطيمة وأخيها يحيى.
فطيمة امرأة خيرة لم توفق في زواج لم يدم طويلا، وتنفق كل ما لديها على الفقراء والمشردين، بينما يحيى رجل له ماض حيث كان من أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي صارعت على السلطة في تسعينات القرن الماضي وأدخلت البلاد في ما عرف تاريخيا باسم “العشرية السوداء”.
وفي ظل عداء ظاهر من الخال المتشدد تجاه ابن أخته كمال ومواجهات سابقة بينهما نعت خلالها يحيى باللقيط لا تجد فطيمة حلا سوى إخبار الابن بنصف الحقيقة.
تقول فطيمة لابن أختها كمال إن في إحدى مدن فرنسا يوجد رجل كان صديقا لوالده وربما يعرف مصيره ويستطيع أن يطلعه على حقيقة هويته وسر غيابه طوال هذه السنين.
وبينما لا يملك كمال عملا ثابتا ولا مالا ولا أصدقاء يجد نفسه متشبثا بخيط الأمل الوحيد الذي ألقي إليه لعله يجد على الضفة الأخرى من البحر المتوسط ما يجيب على سؤال العمر.
يتدبر كمال أمر تأشيرة السفر ويقترض المال ويتجه صوب مدينة ليون حيث يعيش عبدالقادر بن صابر ورجل مسن آخر يدعى عيسى كان حاضرا في جنازة الأم فتيحة لتبدأ دائرة جديدة من البحث والتيه.
المسنان الجزائريان المقيمان في فرنسا منذ عقود لا يملكان سوى الماضي فهما من جيل ثورة التحرير (1954 – 1962) ويعيشان على الذكريات التي سردا منها كل شيء بالتفصيل إلا ما جاء من أجله كمال.
ومع نفاد صبر كمال ويأسه من الوصول إلى حقيقة أبيه وحيرته بين العودة إلى الجزائر والبقاء في فرنسا مهاجرا ينكشف السر الذي لم يخطر له على بال من بين مئات السيناريوهات التي ملأت رأسه طوال عمره، ويكتشف أن ميلاده وحياته كانا ظلا لكل ما شهدته الجزائر من تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية على مدى عقود.
“حطت طائرته في مطار هواري بومدين على الحادية عشرة صباحا. كان ممتنا لأول نهار يطلع عليه وهو يعرف نفسه، أو يعرف أنه الرجل الذي ما كان ليكونه لولا تواطؤ الأقدار والناس. أنهى إجراءات الخروج وجر حقيبته”.
في “باب الوادي”؛ يرسم طيباوي لوحة بانورامية يضفر فيها قصة حياة بطله ورحلة بحثه عن هُويته مع تطور الجزائر ورحلة البلاد في بحثها عن ذاتها.
عبر لغة عذبة لا تخلو من حساسية شعرية، يقدم الروائي الحاصل على جائزة نجيب محفوظ للأدب تشريحا فريدا يطرح هموم جيل جديد ورث صراعات الماضي، ويطرح أمامنا صورة بطل ممزق يسعى لتجاوز حياة مزيفة؛ باحثا عن ولادة أخرى.
ويذكر أن الرواية الواقعة في 268 صفحة من إصدار دار الشروق بالقاهرة وهي الخامسة في رصيد مؤلفها أحمد طيباوي ونالت جائزة أفضل كتاب عربي في مجال الرواية بمعرض الشارقة الدولي للكتاب الذي أقيم مطلع شهر نوفمبر الجاري. وتسلم طيباوي الجائزة نظير “تميز عمله الأدبي”، وفق القائمين على معرض الشارقة الدولي للكتاب.
أما أحمد طيباوي فهو روائي جزائري وأستاذ محاضر في إدارة الأعمال، صدرت له أربع روايات: “اختفاء السيد لا أحد” (جائزة نجيب محفوظ للأدب من الجامعة الأميركية بالقاهرة 2021)، “موت ناعم” (جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي بالسودان 2014)، “مذكرات من وطن آخر”، “المقام العالي” (جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب 2011 بالجزائر)، ومجموعة قصصية بعنوان “وجه على الحافة”.