بائع كتب مغربي يصدر كتابا عن يومياته مع المفكرين والمثقفين

عبدالمنعم الهراق يبين أن كتابه هو الأول من نوعه بالعالمين العربي والإسلامي الذي يحكي عن حياة بائع الكتب وتفاصيله.
الجمعة 2024/01/26
كُتبيّ يروي قصصه مع كبار المثقفين

الرباط - التقى بكبار المفكرين والكتاب المغاربة على مدى 3 عقود، تبادل معهم الآراء، ومع كل لقاء حدث لعبدالمنعم الهراق حكاية بالمكتبة التي يعمل بها، “مكتبة الألفية الثالثة” بالعاصمة الرباط.

جمع الهراق (54 عاما) هذه الحكايات في كتاب أصدره حديثا بعنوان “يوميات بائع كتب ما بين 1990 و2023”، يحكي فيه عن يومياته مع المثقفين والقراء والناشرين.

وثّق حكايات ومواقف مع الكثير منهم، مثل الفيلسوف المغربي طه عبدالرحمن، والمؤرخ عبدالوهاب بن منصور، والمفكر حسن أوريد، والروائي عبدالكريم الجويطي.

القراء كان لهم نصيبهم من السرد، منهم المحامية والطبيبة والطفلة الكاتبة، بالإضافة إلى قصص مع وزراء لهم مؤلفات، لكل حكاية أو طرفة أو موقف.

كتاب يوثق حكايات ومواقف
كتاب يوثق حكايات ومواقف

كثيرة هي المواقف التي بقيت راسخة في ذهن الهراق رغم مرور السنوات، وها هو يحكي عن أحد تلك المواقف.

قبل عشرين سنة، حين كان في بداياته المهنية، دخل عليه المفكر المغربي الشهير طه عبدالرحمن إلى المكتبة التي يعمل بها. يقول “دخل المفكر طه عبدالرحمن إلى المكتبة، وسألني عن الجديد، فجمعت له بعض الإصدارات الجديدة وضمنها كتاب له، حيث كنت آنذاك لا أعرفه”.

ويضيف “تبسم طه ضاحكا، قبل أن يتدخل مشرف المكتبة، عبدالرحمن شتور، وقال لي: أتدري مع من تتحدث؟ إنه الأستاذ طه عبدالرحمن بشحمه ولحمه”.

ربّت عبدالرحمن على ظهر الهراق مع بعض الكلام الطيب، وهو الموقف الذي قال الهراق إنه لم ينسه “بسبب طيبة المفكر المغربي”.

يلفت الهراق إلى أنه استفاد كثيرا من اللقاءات المباشرة مع الكتاب والعلماء، مثل عباس الجيراري (مستشار ملكي سابق ومفكر)، والكاتبة نجاة المريني، والفيلسوف طه عبدالرحمن.

ويشير إلى أنه في اتصال معهم يوميا حيث يوجهونه، ويقدمون له نصائح في التصنيف أحيانا، وفي طريقة التعامل مع الكتاب وكيفية تلخيص بعض الكتب التي يبيعها.

ربط الهراق علاقات قوية مع الكثير منهم حتى تمكن من دخول نادي الكتاب والمؤلفين عبر إصداره كتابه الثاني في يناير الحالي والذي يضم قصص الكتاب، بعد كتابه الأول الصادر منذ سنوات، على حد قوله.

حدث للهراق الكثير من الأحداث مع مؤلفين وروائيين وكتاب سواء بمكتبة “الألفية الثالثة”، أو مكتبة “منار العرفان” بنفس المدينة.

يحكي عبدالمنعم، في كتابه عن الكاتب والمفكر المغربي عبدالله العروي، أنه يقضي ساعات طوال في المكتبة ولا يتكلم ولا يسأل أحدا.

ويذكر الهراق، بحسب كتابه، أن الكاتب المغربي عبدالفتاح كيليطو، كان يدخل للمعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء مع الناس العاديين من خلال اقتناء تذكرته تواضعا منه. ورغم المواقف الإيجابية التي وقعت للهراق، إلا أن الأمر لم يخل من مواقف أثرت عليه نفسيا بسبب تعامل بعض المثقفين بشكل سيء.

يوضح الهراق أن بدايته في ميدان الكتاب كانت عام 1990 بمكتبة “منار العرفان”، مبينا أنه تعلم أبجديات المهنة فيها والتقى كبار الكتّاب آنذاك، فضلا عن أساتذة جامعيين وباحثين. ويعتبر أن تلك اللقاءات كانت بوادر أولى لحب مهنة “كتبي” (بائع كتب)، ويضيف أنه انتقل إلى مكتبة “الألفية الثالثة” عام 2007، ولا يزال يعمل بها حتى اليوم.

لم ينس عبدالمنعم شكر من تتلمذ على أيديهم أبجديات المكتبة، مثل عبدالمجيد وافر، المتخصص في تصنيف المخطوطات والحجريات، ومصطفى ناجي، وعبدالرحمن شتور (سبق أن عمل معهم بالمكتبات).

ويتضح من خلال الحديث مع الهراق أنه ملم بشكل كبير بالكتب والمؤلفين، يعرف بسهولة الأسماء وتاريخ الصدور والاختلاف بين الكتب، وماذا ينقص المكتبات العربية والإسلامية، لذلك فكر في تأليف كتاب عن بائع الكتب.

استفاد كثيرا من اللقاءات المباشرة مع الكتاب والعلماء، مثل عباس الجيراري (مستشار ملكي سابق ومفكر)، والكاتبة نجاة المريني، والفيلسوف طه عبدالرحمن

ويقول إن كتابه كان الأول من نوعه بالعالمين العربي والإسلامي، اللذين لا يتضمنان كتابا عن حياة وتفاصيل بائع الكتب، وفق تعبيره. ويلفت الهراق إلى وجود يوميات مهن أخرى وشخصيات متنوعة، في حين تغيب عن المكتبات يوميات بائع الكتب.

يكشف “الكتبي” المغربي أنه عندما تلقى كتابه الأول من المطبعة، انتابه إحساس جميل، وبكى من الفرح. ويؤكد قائلا “إحساس جميل جدا، وكأنه مولود جديد، وعندما ترى كتابك صدر، كأنك رزقت بمولود جديد”.

توجه الأفراد لمنصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير، جعل الهراق يتواصل مع القراء عبر صفحته، من خلال الإصدارات الجديدة، أو لقاءات تقديم الكتب. يستمر الرجل بنشر بعض التدوينات على فيسبوك عن تجاربه، لأن الجيل الحالي مرتبط بالإنترنت، من أجل التواصل الدائم مع القراء، حيث يعرف الهراق أنواعهم.

كتاب الهراق مليء بقصص القراء وأسرارهم، فقد كان حلقة وصل مع مسنّة كانت تقتني كتب الأدعية والأذكار والمصاحف، وتوزعها على معارفها، وطلبت منه أن يقترح عليها كاتبا يكتب خواطرها وتجربتها، وهو ما تم. كما يسرد الكتاب حكايات أخرى مماثلة، كان فيها الهراق حلقة وصل ما بين باحثين ومواطنين وبعض الكتاب.

ويذكر في كتابه أن طلب الكتب مرتبط بالأحداث العالمية، حيث ارتفعت وتيرة الإقبال على الكتب التي لها علاقة بفلسطين منذ أكتوبر الماضي، مثل مؤلفات المصري عبدالوهاب المسيري، والمغربي الإدريسي المقرئ أبوزيد، والفرنسي روجي غاروي، والإسرائيلي إسرائيل شاحاك.

كتاب الهراق يشير إلى كتب ومراجع مهمة بمختلف المجالات، والأكثر مبيعا، فضلا عن أهم الروايات التي تناولت عدد من القضايا مثل القضية الفلسطينية. والهراق، ابن مدينة تاونات شمال البلاد إلى جانب كونه بائع كتب، فهو قارئ وكاتب، سبق أن فاز بمسابقة ثقافية لمجلة الفيصل الكويتية مرتين، يساعد الطلاب والباحثين في البحث عن مراجع، ويعد شاهدا على عصر الثقافة بالمغرب.

13