بألوان صينية

قبل أيام من دخول شهر رمضان، تمتلئ المحال والطرقات في بلدان المسلمين، بدفق جديد مما يلائم الأسواق في الشهر الفضيل، من المنتجات الصينية، لاسيما الفوانيس بمختلف أحجامها، وسائر المجسدات الرمزية لفكرة الإيمان، ففي رمضان، تتنوع هذه المجسدات، بالكثير من الرسوم والزخارف والتصميمات الفنية المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبكل ما يدل على التهيؤ لأداء المُستحق الرابع من أركان الإسلام!
في هذا السياق، يتحسّس الصانع الصيني الملحد، حاجة الأسواق التي تقوم على متطلبات المستهلك المؤمن، بينما التجار المستوردون يتحسّسون قدرة الأول الصيني على إنتاج ما يمكن بيعه في شهر رمضان، هذا بخلاف المعتاد من الألبسة والأثواب “الشرعية” لزوم صلاة المرأة.
ومعلوم أن الصين، هي التي تنتج كل أنواع المسابح ومفارش الصلاة، والأجهزة التي تنطق بالأدعية والقراءات، وبراويز تطُبع عليها باللون الذهبي آيات قرآنية أو بعض قصار السور من كتاب الله، فضلا عن المأثور والمحبب من أبيات الشعر، فالصين تتحرك وتقدّم الجديد، وهي حاضرة بطريق الحرير أو دونه.
تعزّز بالرشاقة التجارية والصناعية، الغلبة التي انعقدت موضوعيا لمنطق الفكر الصوفي الذي يعتمد الحديث النبوي المجازي، الذي يقول إن “الله جميل يحبّ الجمال” على منطق السلفية المتشدّدة الذي يخاصم الفنون الثلاثة: الشعر والموسيقى والرسم، ذلك علما بأن الذي يتجلى في الخليقة، حسب النصوص القرآنية، هو قدرة الله وليس جماله، لكن هذه العبارة لا زالت تُعرض بصيغتها، وبالخط الثُلثي البديع، على صحون خزفية!
الصوفية، بمختلف مدارسها، قاومت التشدّد الحرفي والتزمت خط الإيمان الموضوعي، فجعلها المتشدّدون الخشبيون عدوا، وتبدّى ذلك جليا عندما ظهرت النفايات البشرية المتطرفة التي حزّت رؤوس من وصلت أيديها إليهم من العابدين الصوفيين!
كانت الصوفية هي التي أطلقت العنان، تاريخيا، لتطوّر الفنون، وتأسيس ما يُعرف اليوم بـ”الفن الإسلامي” الذي يؤدي وظيفته لتذكير الروح الإنسانية بموطنها ومنشئها السماوي، فلم يعد الجمال وتجسيداته الرمزية يستنفر المؤمنين، بل أصبح شيئا يمكن اعتباره دينيا، وأصبحت القوة السحرية للفنان، التي كانت مخيفة، نوعا من السحر الحلال، حتى ولو كانت الصين هي التي صنعت، الشواهد الرمضانية، فأبواب الدنيا مفتوحة كما أبواب السماء، وهذا ما لا يستطيع السلفي المتشدّد أن يفهمه، حتى عندما يبتاع هو نفسه، في مكة المكرمة، مسبحة وسجادة صلاة، من صنع صيني!