اهتمام صيني لافت بتونس

السفير الصيني بتونس يؤكّد على أهميةتوطيد العلاقة بين البلدين وترسيخ الثقة المتبادلة بينهما على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي
تونس – تلقى الرئيس التونسي قيس سعيد الخميس دعوة جديدة من القيادة الصينية لزيارة بكين لحضور ندوة جديدة من القمة الصينية الأفريقية التي من المقرر أن تنعقد في بداية شهر سبتمبر المقبل، وفق ما أعلن السفير الصيني لدى تونس وان لي الخميس في مؤتمر صحفي.
وتشير هذه الدعوة إلى جانب الحراك المكثف من الجانبين إلى اهتمام متزايد بتعزيز وتوسيع الشراكات، حيث تعمل بكين على تعزيز نفوذها في شمال افريقيا عموما وفي تونس بصفة خاصة.
والتقطت الصين مبكرا إشارات قيس سعيد حول توجه بلاده شرقا بعد تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبعد رفضه القاطع للخضوع لأي املاءات تهدد بإشعال الجبهة الاجتماعية.
وتئن تونس منذ سنوات تحت وطأة أزمة مالية حادة بفعل تراكمات سنوات من حكم هيمن عليه الاسلاميون وارتفاع قياسي في المديونية الخارجية إلى جانب تأثيرات أزمة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا.
وكان الرئيس التونسي قد زار الصين مؤخرا للمشاركة في القمة الصينية العربية، وحظي باستقبال استثنائي كما أجرى خلال الزيارة التي استمرت لعدة أيام على خلاف بقية القادرة الذين شاركوا في القمة، لقاءات مع رجال أعمال صينيين وزار شركات كبرى بينما يخطط لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الأجنبية.
وبدا واضحا أن تونس دخلت مسار الانفتاح وبقوة شرقا في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات مع الشركاء الأوروبيين ومع الولايات المتحدة توترات لم تعد خافية بعد أن مارس هؤلاء ضغوطا على سعيد في ما يتعلق بقضايا داخلية بينها ملف الحريات وحقوق الإنسان.
وكان سعيد، أدى من 28 مايو إلى مطلع يونيو، زيارة رسمية إلى العاصمة بكين بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ للمشاركة في منتدى التعاون الصيني العربي ومؤتمر مبادرة "طريق الحرير".
وأسفرت اللقاءات بين الجانبين التونسي والصيني عن توقيع 7 اتفاقيات تعاون اقتصادي في مجالات التعاون الإنمائي وتنمية المبادلات التجارية والتنمية المستدامة والتكنولوجيا الحديثة، بينما تعهدت الصين بتنفيذ مشاريع في قطاعات الصحة والبنية التحتية والطاقة والنقل والبحث العلمي والسياحة.
وقال الرئيس الصيني إنه "منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية قبل 60 عاماً ظلت بكين وتونس تحترمان وتدعمان بعضهما بعضا دائما، وتعامل كل منهما الأخرى على قدم المساواة على رغم التقلبات الدولية، مما كتب فصلا حيا ومشرقا من وقوف الدول النامية معاً في السراء والضراء".
وأوضح أن "ترسيخ وتنمية العلاقات الصينية - التونسية يتوافق مع المصالح الأساسية والتطلعات المشتركة للشعبين"، فيما قال سعيد إن "تونس تدعم وحدة الصين ودفاعها عن مصالحها الجوهرية"، في وقت تشهد فيه العلاقات بين الصين والولايات المتحدة توترات بسبب الخلافات التجارية وملف تايوان.
وفتحت الزيارة عدة تساؤلات حول أبعادها وأهدافها السياسية والاقتصادية بالأساس ومساعي السياسة الخارجية التونسية إلى البحث عن توازنات جديدة في ظل ما تعيشه البلاد من أزمات اقتصادية واجتماعية.
وبينما يرى مراقبون أن تواتر الزيارات بين تونس وبكين تعتبر الخطوة التي قد يعزز التوجه التونسي شرقا، يعتقد آخرون أن المسألة لا تعدو أن تكون في إطار تنويع الشراكات وليس القطع مع الشراكات القائمة، وتحديدا الاتحاد الأوروبي، وهذا لا يمنع من إقامة شراكات أخرى.
لكن السياقات السياسية تشير كذلك إلى أن الرئيس التونسي يريد أن يبعث برسائل للشركاء الأوروبيين وللولايات المتحدة، أن لبلاده عدة خيارات في مواجهة ضغوطا تمارس عليه ماليا وسياسيا.
وهذه الرسائل تكاد تكون نفسها التي بعثت بها دول الخليج العربي في ذروة الخلافات مع الشريك الأميركي، فكان توجهها شرقا إنذارا للرئيس الأميركي جو بايدن بأن لديها بدائل أخرى قادرة على توفير ما تحتاجه إليه.
وتعثرت المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي حول قرض تمويلي بنحو 2مليار دولار تحتاجه البلاد بشدة لإعادة التوازن لماليتها العامة، بينما يركز الرئيس التونسي في الوقت الراهن على التعويل على الذات من خلال الاقتراض من البنوك المحلية وكذلك تعزيز القطاعات الإنتاجية.
وفي الوقت ذاته يبدي رغبة قوية في التوجه شرقا للحصول على التمويلات التي يحتاجها من دون القطيعة مع الشركاء التقليديين. وأبدت روسيا والصين استعداداتهما لمساعدة تونس ودعمها.
وترتبط تونس بعلاقات تجارية مع الصين تعود لعام 1958، لكنها تطورت بعد إنشاء اللجنة الصينية التونسية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي عام 1983، واكتسبت زخما جديدا في السنوات الأخيرة، بعد أن أدرجت بكين تونس في "مبادرة الحزام والطريق" التي وقعت الحكومتان مذكرة تفاهم بشأنها عام 2018، وإضافة إلى أن الصين تعد ثالث أكبر مورد للسلع الاستهلاكية لتونس منذ عام 2021، وافتتحت في أبريل 2022 أكاديمية دبلوماسية جديدة في تونس.