اهتمام تركي متزايد بالجزائر

مرور أنقرة إلى أفريقيا يمر عبر البوابة الجزائرية.
الخميس 2022/08/11
حراك سياسي لافت بين تركيا والجزائر

أنقرة- دونا عن بقية الحضور اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة الجزائرية أيمن بن عبدالرحمن لكي يجتمع به داخل غرفة على حدة، خلال حضور افتتاح ألعاب التضامن الإسلامي بمدينة قونية وسط تركيا الثلاثاء.

ويظهر جليا من خلال اللقاء المغلق الاهتمام الكبير من قبل القيادة التركية بالجزائر، إذ يظهر أن أردوغان يقوم ببعث رسائل بشأن الاهتمام التركي المتزايد بالدولة الغنية بالنفط والغاز شمال القارة الأفريقية.

ورغم أنه لم تتم الإشارة إلى الملفات التي جرى بحثها بين الطرفين من الجانب التركي، يظل من المؤكد أن الملف الليبي وملف الطاقة – إضافة إلى المصالح الاقتصادية التركية في الجزائر- كانا من بين أبرز محاور اللقاء بين الطرفين.

◙ المصالح الاقتصادية تظل المحدد الرئيسي للعلاقات التركية – الجزائرية خاصة وأن هذه العلاقات تطورت كثيرا في السنوات الأخيرة

وفي المقابل قال أيمن بن عبدالرحمن في إشارة إلى اجتماعه بأردوغان إنه أبلغ الرئيس التركي رغبة نظيره الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في فتح آفاق جديدة للعلاقات بين البلدين، وذلك وفق تصريح نشرته رئاسة الوزراء الجزائرية عبر حسابها على فيسبوك.

وأضاف رئيس الوزراء الجزائري “تطرقنا إلى مختلف الملفات، خاصة الجانب الاستثماري الاقتصادي، من أجل التكفل بمختلف مخرجات الاجتماعات والقرارات التي اتخذها الرئيسان من أجل الذهاب قدما في آفاق جديدة للتبادلات الاقتصادية والتجارية بين البلدين”.

وتابع “وقد أبلغته (الرئيس التركي) تحيات أخيه عبدالمجيد تبون وإرادته المضي قدما من أجل تكريس آفاق جديدة للعلاقات الجزائرية – التركية”.

وحسب بن عبدالرحمن، فإن مشاركته في حفل افتتاح ألعاب التضامن الإسلامي “تنم عن عمق العلاقات بين الجزائر وتركيا والرغبة في تعزيزها”.

ويرى مراقبون أن اهتمام أردوغان المتزايد بالجزائر يأتي في إطار جهود دعم النفوذ التركي في شمال أفريقيا، خاصة في الملف الليبي، حيث يظهر أن الجزائر صارت الآن أكثر اهتماما بالصراع الداخلي في ليبيا من أي وقت مضى، وهو ما يخدم في النهاية الأجندات التركية.

أيمن بن عبدالرحمن: تطرقنا إلى مختلف الملفات، خاصة الجانب الاستثماري الاقتصادي، من أجل التكفل بمختلف مخرجات الاجتماعات والقرارات

وكانت الجزائر أظهرت موقفا من الأزمة الليبية أكثر وضوحا، من خلال التمسك بالاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ودعم تنظيم انتخابات تشريعية في أقرب الآجال، وهو ما أعلن عنه تبون في مقابلة أجراها مع وسائل إعلام محلية، في الثالث والعشرين من أبريل الماضي.

ووجهت الجزائر رسائل إلى مجلس النواب الليبي في طبرق تشدد فيها على أن الشعب هو من يملك شرعية اختيار سلطة معينة، ما يبدو أنه عدم اعتراف بحكومة فتحي باشاغا، وهو خيار أقرب إلى الموقف التركي من الأزمة.

ويرى مراقبون لتطور نسق العلاقات بين أنقرة والجزائر أن تركيا لا تريد تجاوز دور شريكها في المنطقة، لما يجمعهما من علاقات وثيقة ولتقاسمهما نفس الرؤية سابقا بخصوص حلحلة الأزمة الليبية، ولذلك مثلت زيارة رئيس الوزراء الجزائري فرصة لطرح الأفكار الجديدة في الملف، وبحث إمكانيات مساهمة الجزائر في بلورتها، خاصة وأنها صارت قريبة جدا من الجناح الذي تمثله حكومة الدبيبة.

ويظهر جليا أن تركيا التي استطاعت كسر الجمود المترسب بينها وبين طرف النزاع الثاني في الأزمة الليبية (البرلمان)، بعد سنوات من الانحياز لصالح أحزاب وتيارات الإسلام السياسي، تريد تغيير رؤية شاملة للملف بما في ذلك الأطراف الإقليمية المؤثرة في الأزمة، وفي مقدمتها الجزائر.

وجاءت زيارة رئيس الوزراء الجزائري إلى تركيا، بمناسبة ألعاب التضامن الإسلامي، ردا على حضور نائب رئيس تركيا فؤاد أقطاي إلى مدينة وهران الجزائرية نهاية شهر يونيو الماضي، لحضور حفل افتتاح ألعاب البحر المتوسط، وهو ما يؤكد التقارب المتزايد بين البلدين والاهتمام المتزايد للأتراك بالجزائر.

ورغم الفتور الذي ميز موقف العواصم الإقليمية والدولية من المخرجات السياسية بالجزائر في أعقاب انتفاضة الحراك الشعبي العام 2019، إلا أن تركيا كانت أكثر براغماتية وكانت أول المهنئين للسلطة الجديدة بقيادة الرئيس تبون، لاحتواء الفتور الذي خيم على علاقاتها خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وأبدت تعاونا أمنيا لافتا مع السلطات الجزائرية، فقد سلمتها عددا من الناشطين السياسيين المعارضين، وعلى رأسهم ضابط الصف قرميط بونويرة، الذي كان يشغل منصب رئيس مكتب القائد السابق للجيش الجزائري الفريق الراحل أحمد قايد صالح، وهو ما مثل صيدا ثمينا وخدمة كبيرة قدمتها تركيا للجزائر بالنظر لما كان في حوزة الرجل من ملفات وأسرار.

لكن تظل المصالح الاقتصادية هي المحدد الرئيسي للعلاقات التركية – الجزائرية، حيث تطورت العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بشكل كبير. كما بلغت الاستثمارات التركية في الجزائر نحو خمسة مليارات دولار.

◙ اهتمام أردوغان المتزايد بالجزائر يأتي في إطار جهود دعم النفوذ التركي في شمال أفريقيا

وكانت زيارة الرئيس تبون إلى تركيا في شهر مايو الماضي، قد توجت بتوقيع 15 اتفاقية تعاون بين البلدين، شملت مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لتكون بذلك إسطنبول ضمن كبار شركاء الجزائر، خاصة وأن الاهتمام يتوجه إلى الصناعات العسكرية، حيث تنوي الجزائر الحصول على طائرات “بيرقدار” التركية المسيّرة.

وصرح الرئيس الجزائري في آخر ظهور إعلامي له مع وسائل إعلام محلية، بأن “بلاده تسعى لتطوير العلاقات مع تركيا.. طبيعي بحكم التاريخ العريق بين البلدين وكونها من أكبر المستثمرين”.

أما نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، فقد صرح خلال زيارته لمدينة وهران، التي يتواجد فيها أكبر مصنع تركي للحديد والصلب، بأن “الاستثمارات التركية في الجزائر وصلت إلى خمسة مليارات دولار، وأن تركيا تتطلع إلى توقيع اتفاقية تجارة حرة أو اتفاقية تجارة تفضيلية مع الجزائر”.

4