انهيار الرعاية الصحية يدخل السودان مرحلة خطيرة

تنذر أزمة الرعاية الصحية في السودان بالدخول في مرحلة خطيرة بسبب تداعيات الحرب المستمرة منذ أشهر مع استفحال تردي الأوضاع المالية الصعبة للدولة، وسط خسائر هائلة للقطاع تتطلب في الحد الأدنى دعما خارجيا طارئا لتفادي كارثة تهدد الملايين من السكان.
بورتسودان (السودان) - انعكست ملامح الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالسودان بوضوح على قطاع الرعاية الصحية، الذي فقد بوصلة نشاطه وبدأ يطلق صفارات الإنذار من انهياره الكامل في ظل استمرار الحرب وانعدام فرص التوصل إلى نزع فتيلها.
واتسعت مخاوف المسؤولين وأوساط الرعاية الصحية من دخول المستشفيات في مسار الانهيار الحتمي نتيجة الأزمة، والتي كبلت نشاطها، وجعلت معظم السودانيين يعانون من تراجع الخدمات وفقدان الأدوية.
وأكد وزير الصحة هيثم إبراهيم، أن المواجهات المستمرة منذ قرابة عشرين شهرا بين الجيش وقوات الدعم السريع، تسببت في انهيار النظام الصحي بالبلاد.
ويستمر القتال بين الطرفين في العديد من الولايات (المحافظات)، مما عرّض السكان لصعوبات متعددة، فقد أدت الاشتباكات إلى دمار كبير في البنية التحتية والاقتصاد والتعليم والصحة، وأسفرت عن واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم.
وبدأت المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023 بسبب خلافات بين الطرفين بشأن الإصلاح العسكري والدمج. وانتهت كافة المبادرات المطروحة لاحتواء الأزمة وإنهاء المواجهات بالفشل ولم تسفر عن أيّ نتائج إيجابية.
ووفق الأمم المتحدة، أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وفرار أكثر من 3 ملايين شخص خارج البلاد، ونزوح نحو 9 ملايين آخرين داخليا، واعتماد أكثر من 25 مليون شخص على المساعدات الإنسانية لإدامة حياتهم.
وقال إبراهيم لوكالة الأناضول الاثنين، إن “لأزمة الإنسانية والصحية غير مسبوقة”، مشيرا إلى أن النظام الصحي تأثر بشكل مباشر وغير مباشر بالمواجهات الدائرة، وأن المستشفيات تعرضت للهجمات واستُخدمت كثكنات عسكرية.
وتابع “أصبحت عدة مستشفيات خارج الخدمة.. هذه المستشفيات ليست عادية، بل تشمل مراكز متخصصة في جراحة القلب وزراعة الأعضاء وعلاج الأورام.”
وتظهر الإحصائيات أن 150 مستشفى تعرضت للتخريب في الخرطوم، كما أن نحو 26 مصنع دواء بالعاصمة تعرضت للدمار. وبحسب وزارة الصحة فإن 9 ولايات (محافظات) من بين 18، تعاني من صعوبات كبيرة في تلقي الخدمات الصحية نتيجة للتوترات الأمنية وانعدام الأمن.
وتواجه أجزاء واسعة من الخرطوم ودارفور وغرب كردفان والجزيرة وسنار غياب الخدمات الصحية وإيصال الأدوية إليها كونها مناطق صراع.
وعلى مدار العام الحالي شددت منظمة الصحة العالمية على أن قرابة 15 مليون سوداني من بين 47 مليونا هم تعداد سكان البلاد، وفق إحصائية تعود إلى 2022، في حاجة إلى رعاية صحية عاجلة.
وأوضحت المنظمة أن شركاءها يستهدفون الوصول إلى 4.9 مليون شخص، وتقول إن القيام بذلك يتطلب تمويلا مقداره 178 مليون دولار، جرت تغطية 26 في المئة منه فقط.
وفي خضم هذه المشكلة، يواجه البلد أيضا ندرة في الأدوية وارتفاع أسعارها. ووفقا لتقارير سابقة، فإن الحرب أجبرت أكثر من 2800 صيدلية مسجلة بالعاصمة على إغلاق أبوابها، وتعمل فقط أقل من 50 صيدلية في ظل ظروف أمنية معقدة.
كما توقفت 41 من شركات الأدوية وأكثر من 90 في المئة من مصانع الأدوية، وكلها بالخرطوم، عن العمل تماما منذ اندلاع الحرب. وأوضح إبراهيم أن مخازن تحتوي على أدوية ومستلزمات طبية بقيمة 600 مليون دولار تعرضت للنهب والتدمير، مما أدى إلى نقص حاد في الأدوية.
ولفت إلى أنه تم نهب أكثر من 200 سيارة إسعاف ومركبة طبية، وبحسب التقديرات الأولية، بلغت خسائر القطاع الصحي 11 مليار دولار، “كما فقدنا أكثر من 60 من الكوادر الصحية.”
ومع ذلك، سعت وزارة الصحة إلى تشغيل معظم المستشفيات وأصلحت العديد منها في ولايات (محافظات) مختلفة، حيث بدأت الآن مستشفيات تقدم خدمات جراحة القلب المفتوح والأورام، باستثناء خدمات زراعة الأعضاء التي لم يكن بالمقدور استعادتها.
وتتمثل التحديات الرئيسية وسط هذه الأزمة في صعوبة الوصول إلى جميع مناطق السودان بسبب الأوضاع الأمنية. وهناك تحد آخر يتمثل في نقص التمويل، حيث لا يتجاوز الدعم المقدم 20 في المئة من الاحتياجات التي تتطلب 4.7 مليار دولار على الأقل.
وتعهدت العديد من الدول الصيف الماضي بتقديم 1.5 مليار دولار لإغاثة متضرري الحرب في السودان، بعدما انقلبت حياتهم رأسا على عقب بسبب الصراع المستعر في البلاد بين فصيلين عسكريين متنافسين.
3
مليارات دولار الاحتياجات العاجلة التي يحتاجها السودان حاليا، بحسب الأمم المتحدة
وفي حدث خاص لجمع المساعدات في يونيو الماضي، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 190 مليون يورو، فيما خصصت ألمانيا 200 مليون يورو لكل من السودان والمنطقة الأوسع حولها، كما خصصت الولايات المتحدة 171 مليون دولار، وقطر 50 مليون دولار.
وكانت التعهدات التي تم الإعلان عنها حينها أقل بكثير من الثلاثة مليارات دولار التي تقول الأمم المتحدة إنها ضرورية للمساعدة في إنقاذ السودانيين من هذه الحرب.
وتسببت الحرب التي تقترب من دخول عامها الثالث في تفاقم خسائر الاقتصاد جراء التدمير الذي طال قطاعات اقتصادية عدة وتراجع أداء الاقتصاد الكلي، وتسجيل مؤشرات سلبية لمعدلات التضخم والبطالة والفقر وتراجع قيمة العملة المحلية.
وإلى جانب القطاع الصحي، حدث تأثر لقطاعات كثيرة بنسب متفاوتة، وكان قطاع الصناعة الأكثر تأثرا، باعتبار أن آخر حصر لنشاطه أكد أن الخرطوم تعتبر أكبر قاعدة صناعية وبعدها جنوب دارفور.
وتعتبر الولايتان أكبر قاعدتين صناعيتين بالبلاد، وبالتالي حدث تأثر كبير لهذا القطاع بنسبة تفوق 75 في المئة. كما أن النظام المصرفي تعرض لتعقيدات كثيرة وخلل في أدائه جراء توقف عدد كبير جدا من البنوك عن النشاط، ونهب عدد كبير منها، وإغلاق عدد كبير من فروعها.
وفي ضوء ذلك، تأثرت الإيرادات العامة للدولة لتسجل تراجعا بنسبة تتراوح بين 60 و70 في المئة باعتبار أن المناطق التي تدور فيها الاشتباكات لم يعد فيها نشاط يذكر. وتؤكد العديد من التقارير الدولية أن خسائر الاقتصاد السوداني نتيجة الحرب تتخطى الـ200 مليار دولار، ومن المتوقع أن تزيد إذا استمرت الحرب.