انكماش الصناعة يضعف الآمال في انتعاش الاقتصاد التركي

إسطنبول - حملت المؤشرات القاتمة حول انكماش نشاط القطاع الصناعي بتركيا في طياتها قلقا بين أوساط الخبراء من أن احتمال انتعاش الاقتصاد بات بعيد المنال بالنظر إلى الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد حاليا وسط دعوات لعدم التسوق.
وتتخوف أوساط الصناعة من دخول القطاع في دائرة الركود المزمن وأن تتقوض القدرة التنافسية للشركات بعدما قيدت أزمة الليرة المستمرة نشاطها، والتي أفرزها اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو قبل أسبوعين.
وإمام أوغلو هو المنافس السياسي الرئيسي لأردوغان، والمرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري في أي انتخابات مُستقبلية.
وينضاف انهيار العملة إلى محنة غلاء الأسعار نتيجة الضغوط التي تواجهها البلاد بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا قبل ثلاث سنوات وانعكاساتها على مجمل أنشطة الأعمال والاستثمار مع تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة.
ويشكل ذلك تحديات جديدة للسلطات التي تستورد تقريبا كافة حاجتها إلى الطاقة، ما يجعلها عرضة لتداعيات التقلبات الكبيرة في الأسعار مع كل أزمة تطرأ في الأسواق العالمية.
وأظهر استطلاع نُشرت نتائجه الأربعاء أن قطاع التصنيع انكمش بوتيرة أسرع في مارس مع استمرار التراجع في الإنتاج والطلبيات الجديدة في ظل ظروف السوق الصعبة على الصعيدين المحلي والدولي.
وانخفض مؤشر مديري المشتريات لتركيا الصادر عن مؤسسة ستاندرد أند بورز غلوبال إلى 47.3 نقطة من 48.3 نقطة في فبراير مسجلا أدنى قراءة منذ أكتوبر 2024. ومستوى 50 نقطة في مؤشر مديري المشتريات هو الفاصل بين النمو والانكماش.
وشهدت الطلبيات الجديدة انخفاضا في مارس للشهر الحادي والعشرين على التوالي، وكان التباطؤ هو الأكبر منذ أكتوبر. كما تراجعت طلبيات التصدير الجديدة بأسرع وتيرة منذ نوفمبر 2022.
وقال أندرو هاركر، مدير الشؤون الاقتصادية في ستاندرد أند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس، “أدت ظروف السوق الصعبة محليا ودوليا إلى المزيد من التباطؤ في الإنتاج والطلبيات الجديدة في مارس.”
وتمثل غرفة تجارة إسطنبول أكثر 1800 شركة صناعية، تمثل غالبية الاقتصاد التركي، بسبب تسجيل معظم الشركات الكبرى فيها، حتى لو كانت نشاطاتها في أماكن أخرى من البلاد.
وتشير التقديرات إلى أن القطاع الصناعي يسهم بحوالي 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والذي يناهز التريليون دولار، وتشكل منتجاته أكثر من 70 في المئة من الصادرات.
ورغم التباطؤ الاقتصادي ظهرت بوادر استقرار في بعض المجالات، حيث استقرت مستويات المخزون بعد 10 أشهر من التراجع، وتحسنت مواعيد التسليم من الموردين لأول مرة منذ ستة أشهر، وهو ما يعكس انخفاض الطلب على مستلزمات الإنتاج.
وانحسرت الضغوط التضخمية قليلا رغم استمرار تراجع العملة. كما شهد التوظيف في قطاع التصنيع انخفاضا طفيفا للشهر الرابع على التوالي، على الرغم من أن وتيرة الهبوط كانت الأقل منذ بداية العام.
ولا تزال شركات التصنيع متفائلة بحذر حيال الإنتاج المستقبلي وتأمل في تحسن الطلبيات الجديدة والطلب من قطاع الإنشاءات خلال العام المقبل.
ويأتي صدور نتائج المسح بعد مرور وقت وجيز على تنديد الحكومة بدعوات المعارضة لمقاطعة تجارية شاملة، عقب اعتقال إمام أوغلو، الذي أشعل احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، ووصفتها بأنها “محاولة تخريب اقتصادي”.
ومنذ بدء الاحتجاجات دعا حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي الذي ينتمي إليه إمام أوغلو، إلى مقاطعة السلع والخدمات من الشركات التي يُنظر إليها على أنها مرتبطة بحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
واتسع نطاق هذه الدعوة الأربعاء ليشمل وقف جميع عمليات التسوق ليوم واحد، ما دفع بعض المتاجر إلى الإغلاق تضامنًا مع منتقدي الاعتقال، باعتباره محاولة مُسيّسة ومعادية للديمقراطية للإضرار بفرص المعارضة الانتخابية.
رغم التباطؤ الاقتصادي ظهرت بوادر استقرار في بعض المجالات، حيث استقرت مستويات المخزون بعد 10 أشهر من التراجع، وتحسنت مواعيد التسليم من الموردين لأول مرة منذ ستة أشهر
وصرح وزير التجارة عمر بولات بأن دعوات المقاطعة تُشكل تهديدًا للاستقرار الاقتصادي، واتهم مُطلقيها بالسعي لتقويض الحكومة. وقال “إنها محاولة لتخريب الاقتصاد، وتتضمن بنودًا تتعلق بالتجارة غير العادلة والمنافسة. ونرى أن هذه محاولة فاشلة من جهات تعتبر نفسها أسياد هذا البلد.”
وقال نائب الرئيس جودت يلماز إن هذه الدعوات تُهدد الوئام الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، وإنها “محكوم عليها بالفشل.”
وقاد هذه الدعوات رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، الذي شجع احتجاجات الشوارع التي تضخمت لتصبح الأكبر في تركيا منذ أكثر من عقد. ووصف أردوغان الاحتجاجات بأنها “شريرة” وقال إنها “لن تدوم.”
وفي إسطنبول وأنقرة بقيت الطاولات خاوية في المقاهي التي تكون مزدحمة عادة، وتحدثت متاجر كثيرة عن انخفاض كبير في أعداد الزبائن.
ودافع خيرالدين، وهو صاحب متجر في وسط إسطنبول رفض ذكر اسمه بالكامل، عن المقاطعة قائلا لرويترز إنها “ضرورية لتوجيه رسالة إلى الحكومة.”
وأضاف “المقاطعة قرار صائب. كان ينبغي أن يُتخذ مبكرا. هذا ما ينبغي علينا فعله، وعلى الناس أن يُظهروا رد فعلهم. إذا استمرت الحكومة على هذا المنوال، فإن البلاد ستزداد سوءا،” مشيرا إلى أن المتاجر المجاورة له استجابت للدعوة.
ويعاني الاقتصاد التركي من أزمة غلاء معيشة مستمرة منذ سنوات، وسلسلة من انهيارات العملة، مع تباطؤ النمو وارتفاع التضخم إلى 39 في المئة بنهاية فبراير الماضي.
والثلاثاء بدأ الادعاء العام تحقيقًا مع من روّجوا لدعوات المقاطعة على وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل التقليدية.
وأعلن مكتب المدعي العام في إسطنبول أنه يحقق في دعوات يُزعم أنها سعت إلى منع شريحة من الجمهور من المشاركة في النشاط الاقتصادي، مشيرًا إلى انتهاكات محتملة لقوانين مكافحة خطاب الكراهية والحضّ على العداء العام.