انكسارات الجيش السوداني المتلاحقة تنزع الثقة عن قيادته

سودانيون يشبهون خطابات البرهان بمبالغات الصحاف في العراق.
الجمعة 2024/07/05
هل يقدم الإسلاميون على انقلاب على القيادة الحالية

لم تعد خطابات قيادة الجيش السوداني تلقى أي تأثير أو صدى لدى المواطنين، في ظل الهزائم المتلاحقة التي يتعرض لها الجيش في معظم الجبهات المفتوحة شرقا وغربا وجنوبا، وليس من المستعبد أن تقدم الحركة الإسلامية التي حرضت على الحرب، على القيام بانقلاب على القيادة الحالية التي لم تعد تملك ما تقدمه.

الخرطوم - أدت انكسارات الجيش السوداني الميدانية في أكثر من منطقة وولاية إلى تراجع الثقة لدى الأنصار في تحقيق تقدم يتماشى مع الخطاب الحماسي لعدد من القادة العسكريين، الذين وعدوا بأن النصر قادم لا محالة. وتواصل قوات الدعم السريع التقدم بوتيرة متزايدة، وتسيطر على ولايات عدة وفي أماكن متفرقة، وسط انسحابات دراماتيكية للجيش.

ويعكس حديث قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان عن ضرورة عدم الاعتداد بخسارة معركة، في إشارة لما دار في جبل موية ومدينة سنجة في ولاية سنار، أن القيادة العسكرية لم تستفد من الانتكاسات السابقة ولم تَعِ دروسه، فما جرى في سنجة لا يختلف عما حدث من قبل في واد مدني عاصمة ولاية الجزيرة، لأن النتيجة واحدة وهي انسحاب وفرار قوات الجيش أمام عناصر الدعم السريع.

ولم يعد حديث البرهان المكرر عن الفوز بالحرب يقنع شريحة كبيرة من السودانيين، وفقد خطابه تأثيره، ما يفرض إعادة النظر في رؤية الجيش، لاسيما مع حالة التشكيك المتصاعدة في توجهات وولاءات العناصر التي تقاتل داخله.

وشبه سوادنيون مبالغات البرهان وخيالاته حول الحرب ويقينه في تحقيق النصر، بما ردده سابقا محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من روايات حول إسقاط طائرات وتدمير دبابات العدو ويقين في النصر إبان الغزو الأميركي منذ نحو عقدين، حتى استيقظ المواطنون على فاجعة احتلال بغداد وسقوط نظام صدام، وهو ما بات قريبا من التكرار في السودان.

ووعد مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا مؤخرا بما يفيد أنهم سيواصلون القتال، ولو راح ضحيته كل سكان السودان، وأن النصر قادم لا محالة، ما يشير إلى انفصام عن الواقع، فالجيش عندما سيطر على مقر الإذاعة في أم درمان بعد أشهر طويلة من القتال قدم الأمر على أنه انتصار ساحق على الدعم السريع التي فرضت سيطرتها على ولايات بأكملها، وقدمت ما يثبت من صور وفيديوهات تؤكد تفوقها.

سليمان سري: الحركة الإسلامية تفكر في القيام بانقلاب عسكري
سليمان سري: الحركة الإسلامية تفكر في القيام بانقلاب عسكري

وارتد الضجيج الذي يستخدمه إعلام الجيش والتشكيك في انتصارات الدعم السريع إلى صدر مؤيديه، فلم يقدم ما يثبت انتصاره في معارك خاضها بعد تلميحات حول تلقي مساعدات عسكرية نوعية من جهات مختلفة، وأخفق سلاح الطيران في تحقيق انتصارات تساعد قوات المشاة التي ذاب معظمها في خضم المعارك.

ووجدت قيادة الجيش نفسها في مأزق شديد بعد تعويلها على المستنفرين والميليشيات والجماعات الإسلامية، وجرى النفخ في المقاتلين الجدد للإيحاء بوجود دعم شعبي للجيش، وأن السودانيين مستعدون لدفع ثمن باهظ للدفاع عنه، وفي الحالتين هناك ما يشير إلى اهتزاز المؤسسة العسكرية التي زعمت أنها قادرة على حسم المعركة في غضون أيام قليلة.

ويقول مراقبون إن خطاب الجيش وصل إلى مرحلة التشكيك في فحواه، ولم يعد هناك من يصدقه، في عتاده وقوته أو التأييد الذي يحظى به في الشارع، فالهزائم المتلاحقة تسير في اتجاه يشير إلى مخاطر النفخ في القدرات العسكرية التي أفقدت فئة من الموالين الثقة في الجيش والرهان عليه.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن الجيش في ورطة، حيث فقد جزءا كبيرا من زمام الأمور، ولم تعد قيادته قادرة على التحشيد، وإيصال التعليمات للمستويات الأدني التي خسرت جولات عسكرية عديدة في مناطق مختلفة، وانهارت أو استسلمت.

وقال عضو تحالف قوى الحرية والتغيير المعز حضرة لـ”العرب” إن الجيش تم إضعافه منذ عام 1989 لأن تفكير الحركة الإسلامية لا يعترف بالمؤسسة العسكرية، وقائد هذا المشروع الراحل حسن الترابي لم يقر بدور الجيوش، ويتبنى وجهة نظر تقوم على تجييش الشعب، ومنذ ذلك الوقت وقيادة الجيش تعتمد على الميليشيات الجهوية والعقائدية، وهي بلا روح قتالية تدافع عن الوطن، ولذلك فالشعب يدفع الثمن الحقيقي الآن.

وأضاف حضرة في تصريحات لـ”العرب” أن المستنفرين التابعين للتيار الإسلاموي يقودون الحرب، وغالبية قادة الجيش غير منخرطين في القتال بصورة عملية، وعدد كبير من الضباط تم اعتقالهم من قبل قوات الدعم السريع، أو فروا خارج البلاد بعد تيقنهم أن هذه الحرب عبثية، باعتراف البرهان نفسه في بداية الحرب.

وأوضح أن الحركة الإسلامية التي اخترقت صفوف الجيش ترفض وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، والبرهان ومن معه يسيران خلف الكثير من قياداتها بعد عودتهم بكثافة للجيش منذ انقلاب أكتوبر 2021، واستمرار الوضع بهذه الكيفية يؤدي إلى قيام حاميات أخرى بتسليم معداتها والنأي عن الحرب.

وأعلنت قوات الدعم السريع الخميس، عن سيطرتها على منطقة “الميرم” الحدودية مع جنوب السودان والتي تضم أحد اللواءات التابعة للجيش بولاية غرب كردفان. وأفادت قوات الدعم السريع عبر حسابها على منصة إكس بأنها “سجلت انتصارا جديدا على ميليشيا البرهان وكتائب النظام البائد الإرهابية بتحرير اللواء 92 (الميرم) التابع للفرقة 22 مشاة بولاية غرب كردفان”.

◙ الجيش يعمد إلى إلقاء براميل متفجرة للتخلص من عناصر الدعم السريع في مناطق المواجهات، لكنها في النهاية تقتل مواطنين غير قادرين على حماية أنفسهم

وتابعت “وبسطت قواتنا سيطرتها الكاملة على المنطقة”. والشهر الماضي شنّت قوات الدعم السريع هجوما على مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان والقريبة من حقول إنتاج النفط، وأعلنت سيطرتها على مقر اللواء 91 التابع للجيش بغرب كردفان. وبهذا الإعلان أصبحت قوات الدعم السريع تسيطر على إقليم دارفور الشاسع غربي البلاد وأجزاء من المناطق الجنوبية، خصوصا بعدما سيطرت خلال الأيام الماضية على معظم أنحاء ولاية سنّار في جنوب شرق السودان.

وكشف المحلل السياسي السوداني سليمان سري عن وجود شعور سلبي حيال الجيش لدى قطاع كبير من المواطنين كانوا نزحوا من مناطق القتال، ويتهم هؤلاء الجيش بالتقاعس عن تقديم الدعم وأنه تخلى عنهم وسط معركة ضارية، بعد أن قال إنه يستطيع الانتصار فيها سريعا.

وذكر سري في تصريح لـ”العرب” أن الجيش يعمد إلى إلقاء براميل متفجرة للتخلص من عناصر الدعم السريع في مناطق المواجهات، لكنها في النهاية تقتل مواطنين غير قادرين على حماية أنفسهم داخل بيوتهم، وهو ما أفضى إلى غضب مضاعف على الجيش الذي فوت فرصة الحرب ضد الدعم السريع في أماكن نائية وانتظر دخول عناصره للمدن ليقصفها، ما أسهم في زعزعة الثقة فيه.

وأكد أن الجيش يقاتل في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بالتعاون مع بعض الحركات المسلحة، حيث لا يستطيع القتال بمفرده، ويدرك أن قتاله وحده عملية صعبة، وتؤدي إلى انسحاب نهائي وغير تكتيكي، كما حدث في واد مدني وجبل موية وسنجة.

ورأى سليمان سري أن الحركة الإسلامية تفكر في القيام بانقلاب عسكري جديد، وتشكيل مجلس أعلى لقيادة هذه المرحلة، وهو اقتراح قد يرفع الحرج عن البرهان وعدد من رفاقه الذين يريدون التفاوض مع الدعم السريع.

2