انقلاب السحر على الساحر في أفلام الخيال العلمي

لندن- ساهمت قصص وروايات الخيال العلمي في تلبية بعض الاحتياجات البشرية في ما يخص طبيعة الحياة على الكواكب والمجرات الكونية الأخرى. وربما تكون رواية “كوكب القردة” للكاتب الفرنسي بيير بول هي خير أنموذج لما نذهب إليه بصدد المخيلة العلمية التي يمتلكها الكائن البشري.
تقوم رواية “كوكب القردة” في جوهرها على بعثة علمية تتكون من ثلاثة أشخاص وهم عالم الفضاء المرموق، والصحفي التوّاق لمعرفة كل شيء، والطبيب المنهمك في تخصصه العلمي.
وما إن يشرع هؤلاء الثلاثة في رحلتهم إلى “منكب الجوزاء” الذي يبعد عن الأرض قرابة 300 سنة ضوئية، ويصلوا إلى هدفهم حتى يكتشفوا أن هذا الكوكب يشبه كوكبنا الأرضي تماما، ففيه أشجار ونباتات وحيوانات لكنهم انتبهوا إلى أن سكانه من القردة المتحضرة التي تحكم ذلك الكوكب، وتهيمن فيه على الإنسان الذي أصبح بدائيا، ولا يمتلك قابلية التواصل مع الآخرين أو القدرة على الكلام.
تتمثل المفارقة الرئيسة في هذا العمل الروائي الفذ أن بطل الرواية الصحفي ميرو الذي ينجح في الهروب مع زوجته، التي أنجبت له ابنا سيكتشف أن هذا الكوكب الذي هو فيه هو الأرض!
فبعد أن أمضت سفينتهم أشهرا عديدة من السفر بين المجرات كانت قد مرّت مئات السنوات على الأرض، لكنهم ما إن حطوا عليها حتى اكتشفوا أن القردة هي التي تحكم هذا الكوكب وأن الإنسان هو مجرد عبد للقردة التي ورثت حضارته، لكنها لم تستطع تطويرها. أما على الصعيد السينمائي فقد تمّ اللعب على هذه الفكرة والتنويع على أصدائها.
ففي عام 2007 تمّ إنتاج فيلم سينمائي تقوم فيه القوات الأميركية بتدريب عدد من القردة على مهام رجال الفضاء، لكن أحدهم يُفقد في عاصفة كهرومغناطيسية، الأمر الذي يدفع رائد الفضاء بهذه المركبة على ملاحقته وإنقاذه، وحينما يهبط على هذا الكوكب يكتشف أن القردة هي صاحبة اليد الطولى، وأن البشر ما هم إلاّ عبيد ودمى بيد صغار القردة وليس كبارهم، فيعمد إلى الهروب لكن البشر ينظرون إليه كمخلص لهم من عبودية القردة واستبدادها.
وعلى الرغم من أن هذه الرواية قد صدرت عام 1963، إلاّ أن الأفلام التي استوحت قصتها كثيرة من بينها فيلم المخرج الأميركي تيم بيرتون الذي عُرض في 27 سبتمبر 2001، ونال عددا من الجوائز لأنه ينطوي على تشويق، ودراما، ومغامرة، وخيال علمي، وسفر عبر ماكينة الزمن.
لم تكن القردة الذكية هي الكائنات الوحيدة التي فرضت سيطرتها على الإنسان فهناك “الطيور”، وهو الفيلم الذي يعتبره الكثير من نقاد السينما رائعة ألفريد هتشكوك الذي أنتجها عام 1963، حيث حدث تطوّر غريب لدى بعض أنواع الطيور التي قامت بشن هجمات وحشية على البشر، وبأعداد هائلة غير مسبوقة، الأمر الذي أثار الرعب في نفوس المواطنين. وهذا الفيلم مستوحى أيضا من عمل أدبي كتبه دافني دي مورييه، بينما ساهم في تجسيد أدواره بحرفية عالية رود تايلور، تيبي هيدرن وجاسيكا تاندي.
لم تكتف المخيلة السينمائية خلال العقود الماضية باستلهام أبطالها من صور وأشكال الحيوانات المألوفة التي نعرفها، وإنما أخذت تقدّم لنا، في بعض الأحايين، صورا لمسوخ أو حيوانات غريبة جدا لم نألفها من قبل كما هو الحال في فيلم “وحوش” لغاريث إدواردز، حيث نشاهد حيوانات غامضة ترعب الصحفي الذي يقرر مصاحبة سائحة أميركية في المكسيك، بعد أن تتعرض الأرض لغزو من قبل وحوش عملاقة فيلاقيان شتى أنواع المصاعب قبل وصولهما إلى الأراضي الأميركية.
ربما يكون فيلم “حافة المحيط الهادئ” للمخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو هو الذي يجمع بين الحركة والخيال العلمي، حيث تتعرض البشرية فيه إلى غزو من قبل وحوش بحرية غريبة وغامضة الأمر الذي يستدعي بعض الجنود لقيادة “ميكا” عملاقة ضدّ الوحوش الضخمة التي ظهرت من أعماق المحيط.
لا بدّ للفنتازيا أن تأخذ دورا مهمّا في أفلام الخيال العلمي. ففي فيلم “سِبْلايس″ يقوم مهندسان في علم الوراثة بتصميم كائن غريب من الشفرات الوراثية لحيوانات مختلفة بغية استعمالها في أغراض علمية، لكن السحر ينقلب على الساحر، فيجدان صعوبة شديدة في التعامل مع هذا الكائن المتوحش الذي خرج عن إطار السيطرة.
السؤال المهم الذي يجب أن نطرحه هنا: لماذا تتوقع المخيلة البشرية غزو الأرض وتدميرها من قِبل كائنات عملاقة قادمة من الفضاء الخارجي، أو حيوانات مخيفة منبجسة من أعماق البحار والمحيطات؟ يا ترى، هل حدثت كوارث من هذا النوع لكوكبنا الأرضي من قبل؟ وهل ننتظر تلك الكائنات الفضائية وهي تهبط علينا ذات يوم من مجرات نائية؟ أم أن الخطر جاثم فعلا في أعماق البحار والمحيطات التي تسوّرنا من الجهات الأربع؟