انقطع الدعم الأميركي فجفت المساعدات في كل مكان

نيروبي/لاغوس/كابول/بورت أو برانس – عملت سمية طبيبة نفسية في عيادة تديرها مؤسسة خيرية في شمال غرب سوريا لحوالي خمس سنوات، حيث قدمت دعما حاسما للمتضررين من الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاما.
وساعدت المرضى الذين يعانون من الاكتئاب والأفكار الانتحارية بعد سنوات قضوها في مخيمات النزوح والصدمات النفسية الناجمة عن الصراع.
لكن كل شيء تغير في 20 يناير، عندما قطع الرئيس الأميركي دونالد ترامب فجأة المساعدات لتمويل العيادة في بلدة سرمدا بريف إدلب.
وأغلقت العيادة، التي تديرها منظمة أطباء العالم الخيرية الفرنسية، أبوابها في غضون أيام. وأصبحت سمية (التي طلبت أن نحجب لقبها) وزملاؤها التسعة عشر عاطلين عن العمل.
وكانت سمية المعيلة الوحيدة لأطفالها الثلاثة ووالديها المسنين. وقالت لرويترز عبر الهاتف “صدمني هذا. لم أكن أعرف كيف أخبر عائلتي عندما وصلت إلى المنزل.”
العديد من عمال الإغاثة اضطروا إلى إجراء تخفيضات حادة في إنفاقهم لإدارة مواردهم المالية
وأضافت الأرملة البالغة من العمر 40 عاما، التي كانت تجني 700 دولار شهريا، “أبحث عن وظيفة أخرى، لكن معي الآلاف مثلي في الوضع نفسه، ولا توجد فرص. لن أتمكن قريبا من توفير الأساسيات أو أدوية والدي.”
وخلق تعليق ترامب للمساعدات الخارجية لمدة 90 يوما صدمات عالمية، حيث قُطعت المساعدات المنقذة للحياة عن الملايين وترك مئات الآلاف من الأشخاص دون عمل.
وتحدثت رويترز مع إداريين ومستشارين وقابلات وقائمين بالتطعيم وخبراء في مجال النوع الاجتماعي والهجرة من هايتي والسلفادور ونيجيريا وكينيا وسوريا وأفغانستان. ووجدت أن جميعهم تأثروا سلبا بخسارة وظائفهم بسبب تجميد التمويل.
وأشار هاكان بيلجين، رئيس منظمة أطباء العالم في تركيا، إلى أن المؤسسة الخيرية تعتمد على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بنسبة 60 في المئة من تمويلها.
وأوضح أن تجميد المساعدات أجبر المنظمة على إغلاق 12 من أصل 17 عيادة للرعاية الصحية الأولية في سوريا وإنهاء عقود 280 من أصل 350 موظفا.
وقال “جميع موظفينا مواطنون سوريون، نزح معظمهم منذ سنوات؛ أي منذ اندلاع الحرب. وستتفاقم الأزمة بسبب غياب الرواتب.” وتعد الولايات المتحدة أكبر جهة عالمية مانحة للمساعدات الخارجية.
وخصصت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية 42 مليار دولار خلال 2023 لتمويل برامج في 157 دولة. وكانت تشمل الوقاية من الملاريا وفايروس نقص المناعة البشرية ومكافحة الجوع وتوفير المأوى لنازحي الحرب.
وبدأ ترامب خلال الشهر الماضي تفكيك الوكالة واصفا إياها بأنها إهدار لأموال دافعي الضرائب ويديرها “مجانين يساريون متطرفون.”
كما تجاوزت إدارة الكفاءة الحكومية التابعة للملياردير إيلون ماسك الدعاوى النقابية القضائية بإيقاف الآلاف من موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عن العمل مؤقتا.
وكانت جيني عاملة إغاثة في مجموعة للدفاع عن حقوق المرأة في عاصمة هايتي، بورت أو برانس. وخسرت وظيفتها الشهر الماضي وتخشى ألا يستأنف البرنامج نشاطه بعد المراجعة التي تستغرق 90 يوما.
وقد ترك البرنامج، الذي يهدف إلى النهوض بالمرأة، أكثر من عشرة أشخاص عاطلين عن العمل. وقالت جيني، التي طلبت عدم الكشف عن لقبها أيضا، “نشهد قلق العاملين في المنظمة بشأن قدرتهم على إطعام أسرهم.”
وأفاد الكثير من عمال الإغاثة بأنهم اضطروا إلى إجراء تخفيضات حادة في إنفاقهم لإدارة مواردهم المالية.
وقال بعضهم إنه تلقى قروضا، وتوقف عن شراء سلع مثل الفاكهة واللحوم التي لم تعد أسعارها في متناوله، أو حتى أخرج أطفاله من المدارس بسبب الرسوم غير المدفوعة.
وتساءلت عاملة رعاية صحية اجتماعية تبلغ من العمر 37 عاما في نيروبي، طلبت منا حجب هويتها بالكامل،”هل من العدل أن يخرج موظفو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في إجازة يتقاضون رواتبهم خلالها، بينما يُطلب منا ببساطة العودة إلى منازلنا والانتظار لمدة 90 يوما؟” وأضافت “هذا الوضع برمته غير عادل. لدينا عائلات يجب إطعامها وأطفال يجب تعليمهم.”
ولاحظ عمال الإغاثة في العديد من البلدان أن فرص العمل كانت محدودة حتى للمهنيين من ذوي المهارات العالية.
وقالت مريم، وهي قابلة تبلغ من العمر 27 عاما وتعمل في مؤسسة خيرية صحية في مقاطعة باكتيكا جنوب شرق أفغانستان، “خسر جل المهنيين الشباب وظائفهم. وعندما يُعلن عن مقعد شاغر لوظيفة ما، يتقدم المئات من الأشخاص ليشغلوه.” وذكرت أنها تعيل أسرة مكونة من 12 فردا.
وتسبب تجميد التمويل في عمليات تسريح واسعة النطاق للاستشاريين وموظفي المنظمات غير الحكومية في نيجيريا، ما أثر بشدة على خدمات مكافحة فايروس نقص المناعة البشرية التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بنسبة 90 في المئة.
وتعهدت الحكومة النيجيرية بتقديم 200 مليون دولار لسد فجوات العلاج ورسم خطط لإعادة توظيف 28 ألف عامل صحي تقرر تسريحهم بسبب تجميد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وقال نيكسون أيوبا، مدير مشروع مبادرة التحالف من أجل الصحة والنهوض بالحقوق الخيرية في ولاية آدماوة، إن 10 مستشارين في مجال الصحة العقلية، بمن فيهم هو نفسه، خسروا وظائفهم.
ويتخوّف أيوبا من إمكانية أن يعود مدمنو المخدرات، الذين يخضعون لإعادة التأهيل، إلى عالمهم المظلم من جديد، ما من شأنه أن يزيد في احتداد أزمة الصحة العقلية بمنطقة تعاني فعلا من المتمردين الإسلاميين.
وقال “لا أفكر في نفسي فحسب، بل أفكر أيضا في الشباب النيجيريين الذين سيعانون دون خدماتنا. وآمل أن تأخذهم الحكومة الأميركية في الاعتبار عند اتخاذ قرارها النهائي.”