انقسام هوياتي يصعّد السجال السياسي في الجزائر

توسع الغضب البرلماني من تصريحات وزير الاتصال.
الأحد 2025/05/25
انتقادات لاذعة

الجزائر - تبادل وزير الاتصال الجزائري محمد مزيان والنائب البرلماني عبدالسلام باشاغا خطاب لهجة تصعيدية على خلفية الموقف من أطوار حادثة التصريح الذي أدلى به المؤرخ محمد الأمين بلغيث، لقناة عربية، حول البعد الأمازيغي في الهوية الوطنية، ففيما اعتبر النائب بيان التلفزيون الحكومي محاكمة للرجل، شدد الوزير على أن النائب يفتقد لثقافة المؤسسات، الأمر الذي يترجم هشاشة القناعات المتصلة بتعايش المكونات الهوياتية في البلاد، رغم مزاعم التسوية السياسية والاستعراضية. 

وعبّر نواب برلمانيون يمثلون محافظة سطيف شرق البلاد، عن احتجاجهم على خطاب وزير الاتصال محمد مزيان، أثناء زيارته إلى المحافظة، بمغادرة القاعة التي حضرها عشرات المدعوين، وهو ما يؤشر على تضامنهم مع زميلهم عبدالسلام بشاغا الذي انتقد القطاع في مداخلة له داخل مبنى البرلمان بالعاصمة، على خلفية البيان الناري الذي تلاه التلفزيون الحكومي، بشأن ما بات يعرف بـ”حادثة المؤرخ محمد الأمين بلغيث”.

ويبدو أن القبضة الحديدية مع العضو الحكومي لم تعد تقتصر على النواب المنتمين إلى حركة مجتمع السلم، بل إن حالة التضامن امتدت إلى باقي النواب من القوى الحزبية الأخرى، ولا يستبعد أن تمتد بشكل رسمي إلى الكتل النيابية، ويصبح رأس الوزير مطلوبا بشدة لدى هؤلاء، بسبب اللهجة المتصاعدة بين الطرفين.

وصرح وزير الاتصال، من محافظة سطيف، بأن “النائب اتّهم ظلما وعدوانا التلفزيون الوطني، لأنه لا يمتلك الثقافة المؤسساتية ولا يمتلك الحقيقة ولا المعلومات الدقيقة، لأن التلفزيون لا ينتج بيانات المؤسسات الوطنية، بل في الكثير من الأحيان يكون أداة لنشر الخطاب الرسمي في إطار ما يعرف بالخدمة العمومية.”

القضاء الجزائري قرر تأييد حكم الإحالة على السجن المؤقت للمؤرخ محمد الأمين بلغيث على خلفية تصريحه

وأضاف المتحدث “لو اتصل النائب المحترم بمصالح الوزارة لاتضح له أن البيان صادر عن وزارة العدل، عملا بقانون الإجراءات الجزائية، الذي يخوّل لوكيل الجمهورية إصدار بيانات لتفادي التأويلات، وهو ما غاب عن النائب.”

وكان التلفزيون الحكومي، قد بث تقريرا لا يؤطر في الأغراض الصحفية المعهودة في وسائل الإعلام المرئية، خاصة إذا كانت مملوكة للدولة، قياسا باللهجة الحادة ودرجة الهجوم على الخصم، وذلك عقب التصريح الذي أدلى به المؤرخ والباحث محمد الأمين بلغيث، لقناة “سكاي نيوز عربية”، حول البعد الأمازيغي في الهوية الوطنية، حيث ضمنه لغة غير معهودة في الخطاب الإعلامي والدبلوماسي.

وقال تقرير التلفزيون الحكومي إن “الإمارات، استغلت، وككل مرة، صاحب نفس مريضة، وتاجر أيديولوجيا في سوق التاريخ،” وذلك كرد على ما وصفه بـ “الاستدراج المتعمد من الإعلام الإماراتي،” للرجل، الذي لم يتوان، في القول “لا شيء يعرف تاريخيا باللغة أو الثقافة الأمازيغية، كل ما في الأمر عمل استخباراتي للقوى الصهيونية – الفرنسية.”

وحظي البيان، الذي وصف بـ “الناري”، بردود فعل ومواقف مستهجنة، لجهة الهجوم على دولة ومقومات شعب، أو لجهة الأوصاف التي قدمها لشخصية أكاديمية، وشدد هؤلاء على أن تسوية الخلافات الدبلوماسية تتم في القنوات الدبلوماسية المعهودة وليس بالتشهير أو الإساءة للدول أو الكيانات أو الأشخاص عبر وسائل الإعلام.

وفيما كان تنتظر تلك الردود خطوة من السلطة لتدارك الخطأ، عبر إبعاد أو إقالة المسؤولين المحتملين عن البيان المذكور، شكل الصمت الرسمي، رسالة عن تبني ذلك الموقف، خاصة وأن وسائل إعلامية تواصل حملة مناهضة للدور الإماراتي، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، وانفتاحها على ما تصفه بـ “الأنظمة الانقلابية” المعادية للمصالح الجزائرية.

حالة التضامن امتدت إلى باقي النواب من القوى الحزبية الأخرى، ولا يستبعد أن تمتد بشكل رسمي إلى الكتل النيابية

ووسط صمت يخيم على المشهد الجزائري المنقسم حول تداعيات تصريح محمد الأمين بلغيث، لقناة “سكاي نيوز عربية”، قرر القضاء الجزائري تأييد حكم الإحالة على السجن المؤقت للباحث والمؤرخ، وهو ما شكل صدمة لدى أنصار التيار العروبي المحافظ، المتململون ممّا يصفونه في صفحاتهم الاجتماعية، بـ”هيمنة أذرع التيار التقليدي البربري على مصادر القرار في البلاد،” في تلميح لانحياز السلطة له.

واعتبر النائب عبدالسلام بشاغا،”تدخل السيد الوزير في هذا السياق يُعد تجاوزا للصلاحيات المؤسساتية، وهو الذي تحدث بنفسه عن أهمية احترام الثقافة المؤسساتية، لأن الردود على مداخلات نواب الشعب، خاصة تلك التي تتم في إطار ممارسة دورهم الرقابي والتشريعي، ليست من مهام وزير الاتصال، ما لم يتعلق الأمر بتوضيحات رسمية عبر قنواتها المناسبة.”

وأوضح النائب في منشور له على صفحته الرسمية بأنه “تطرق في مداخلته إلى التقرير التلفزيوني الذي بث في نشرة الثامنة على القناة العمومية في الثاني  من مايو الجاري، والذي تضمن تشهيرا واضحا ومساسا بكرامة البروفيسور بلغيث، وإدانة إعلامية مسبقة قبل أن تتدخل الجهات القضائية.”

ولفت إلى أن قصده لم يكن بأيّ حال من الأحوال التعليق على البيان الرسمي الصادر عن وكيل الجمهورية يوم الثالث من مايو الجاري، وأنه كان عليه تدارك الخلل الحاصل في أداء مؤسسته الإعلامية، بدل الانخراط في مغالطات متعمدة ومزايدات لفظية تبتعد كل البعد عن الرصانة التي تفرضها المسؤولية، وتُسيء إلى هيبة الخطاب الرسمي للدولة.

وكان النائب المذكور، قد أثار قضية المؤرخ محمد الأمين بلغيث، من الناحية الاتصالية، على هامش مناقشة مشروع قانون التعبئة العامة، بالمجلس الشعبي الوطني، لما تساءل أمام وزير العدل بالقول “هل أعطيتم شيئا من صلاحيات وزارة العدل لوزارة الاتصال؟”

وصرّح “هل تم تنصيب محاكم إعلامية على شاشات التلفزيون، ومنذ متى يحاكم الجزائري على نشرة الثامنة. لا بد من مراجعة السياسة الإعلامية للدولة وآليات الاتصال وأدوات خطابها.” وعمد وزير العدل إلى عدم التعليق على مداخلة النائب، واكتفى بالقول “الإعلام مسألة منظمة، ولديها إدارتها وقانونها.”

2