انقسام داخل النخب الفرنسية حول التقارب مع الجزائر

رئيس مجلس الأمة الجزائري: جزائر اليوم ليست جزائر الأمس.
الأربعاء 2023/01/11
دوائر فرنسية ممتعضة من التقارب مع الجزائر

الجزائر - قدم دبلوماسي وسفير فرنسي سابق صورة قاتمة عن الوضع السياسي في الجزائر ولمستقبل التقارب بينها وبين بلاده.

وحمل مقال كزافييه دريانكور الذي نشر في صحيفة لوفيغارو الفرنسية بعنوان "الجزائر تنهار.. هل ستجر معها فرنسا"، مقاربة تشاؤمية كرست الانقسام داخل النخب الفرنسية حول علاقات البلدين، وأثار موجة انتقادات شديدة في الجزائر حول ما يعرف بورثة الاستعمار.

واستغل الرجل الثاني في الدولة صالح قوجيل فرصة انعقاد جلسة مجلس الأمة، الغرفة الثانية للبرلمان، الثلاثاء، للرد على مضمون المقال للسفير الفرنسي السابق بالجزائر، والذي وصفه بـ”الافتراءات والأكاذيب التي قدمها حول الوضع في الجزائر”.

كزافييه دريانكور: النظام الجزائري مدرب على أساليب الاتحاد السوفييتي
كزافييه دريانكور: النظام الجزائري مدرب على أساليب الاتحاد السوفييتي

وقال قوجيل “إن الجزائر التي حافظت على استقلال القرار السياسي واستعادت مكانتها في المحافل الدولية أقلقت الأعداء وامتداداتهم في الخارج”، مضيفا “لا يمكن قراءة التصريحات الصادرة عن البعض وخصوصا الذين مارسوا مسؤوليات تخص بلادهم بمعزل عن مخلفات الاستعمار التي مازالت موجودة”.

ولفت رئيس مجلس الأمة إلى أن “تصريحات السفير تدفعنا للحيطة والحذر والتجند لمواجهة الاستعمار الجديد، وأن مساهمة الجزائر في تحرير الشعوب الأخرى المستعمرة دون مقابل، وبقائها على نفس المبدأ في مساندة الشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي، مازالت غصة في حلق هؤلاء”.

وشدد قوجيل على أنه “يجب أن يفهموا أننا تجاوزنا هذه المرحلة وأن جزائر اليوم ليست جزائر الأمس”، في إشارة إلى المقاربة التي تبناها الرئيس عبدالمجيد تبون، حول علاقات بلاده مع فرنسا في عهدها الجديد.

وكان الدبلوماسي والسفير الفرنسي السابق في الجزائر على مرحلتين، قد رسم مشهدا قاتما حول الوضع في الجزائر، بسبب ما أسماه بهيمنة النخبة العسكرية على السلطة، وعدم تجاوبها مع مطالب التغيير والحرية التي رفعتها احتجاجات الحراك الشعبي.

وحذر دريانكور من إمكانية انهيار فرنسا بسبب انهيار النظام السياسي في الجزائر، في تلميح إلى اجتياح الجزائريين لبلاده إذا انهارت بلادهم، بحكم الرواسب التاريخية والاجتماعية بين الشعبين.

وذكر بأن “45 مليون جزائري وهو التعداد السكاني للجزائر يحلمون بالهجرة من بلادهم بسبب انسداد الأفق وسياسة الانغلاق والقمع، وإذا حدث ذلك فإن فرنسا هي التي تدفع الثمن، لأنه لا يوجد أي جزائري لا يملك عائلة أو قريبا في فرنسا، سيستنجد به إذا ضاقت الأوضاع في بلاده”.

وخلف محتوى مقال السفير السابق، الذي مثل بلاده في العاصمة الجزائرية خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ردود فعل قوية وناقدة من طرف دوائر سياسية وإعلامية في الجزائر، وصفته بـ”الدبلوماسي الحالم بانهيار الجزائر من أجل استعمارها مجددا من طرف بلاده”.

محتوى مقال دريانكور خلّف ردود فعل قوية وناقدة من طرف دوائر سياسية وإعلامية في الجزائر

ويبدو أن صحيفة لوفيغارون اليمينية، التي كانت أجرت الأسبوع الماضي حوارا مع الرئيس الجزائري، تريد خلق توازن بين النخب الفرنسية المنقسمة حول طبيعة ومستقبل العلاقات الجزائرية – الفرنسية، ولذلك فتحت المجال أمام الدبلوماسي الضليع في الشأن الجزائري.

وذكر دريانكور في مقاله أن جميع المراقبين الموضوعيين يلاحظون أنه منذ عام 2020، ربما بعد أسابيع قليلة من الأمل، أظهر النظام الجزائري وجهه الحقيقي، فهو، بحسبه، نظام عسكري، مدرب على أساليب الاتحاد السوفييتي السابق، بواجهة مدنية فاسدة، مثل سابقه الذي أسقطه الحراك، مهووس بالحفاظ على امتيازاته، وريعها، وغير مبال بمحنة الشعب الجزائري.

وأضاف “جائحة كوفيد ثم الحرب في أوكرانيا سمحتا للنظام ببدء التطهير السياسي، إذ كممت أفواه الصحافيين، واعتقلوا، أو حرموا من جوازات سفرهم، كما أغلقت صحف، مثل ليبرتي ووضعت  ‘الوطن’ تحت الوصاية، وفي الأيام الأخيرة أتى الدور على راديو أم الذي اعتقل مديره إحسان القاضي، ثم موقع ألجيري بارت لاتهامه بتلقي أموال من الخارج لنشر أخبار كاذبة من أجل زعزعة استقرار البلاد، علاوة على ذلك، تم حل جمعيات مثل كاريتاس، التي أسستها الكنيسة الكاثوليكية قبل عام 1962، واتهم البعض الآخر بتلقي أموال من الخارج”.

وتابع “الخطاب المناهض للفرنسيين، الذي كان انتهازيا، وأحيانا ساذجا، في عهد بوتفليقة، هو اليوم في صلب النظام في عهد تبون، والذي تكمن قوته في جعل العالم يعتقد أن الجزائر ربما ليست ديمقراطية على النمط الغربي، لكنها تتحرك، وفقا لوسائلها الخاصة، نحو نظام استبدادي قليلا، وبوليسي بشكل لطيف، ولكن دون أن يكون دكتاتوريا على الإطلاق”.

واستغرب السفير الفرنسي السابق غض بلاده البصر عن الواقع الجزائري عن قصد أو انتهازية وعمى، إذ يتم في باريس التظاهر بالاعتقاد بأن السلطة الجزائرية شرعية، إن لم تكن ديمقراطية، وأن الخطاب المعادي للفرنسيين شر ضروري ولكنه عابر، وأن الديمقراطية هي تدريب يستغرق وقتا، بينما هذا العمى الفرنسي هو خطأ تاريخي، فالاعتقاد أنه بالذهاب إلى الجزائر والرضوخ للجزائريين في ما يتعلق بملفات كالذاكرة والتأشيرات، ستكسب فرنسا نقاطا دبلوماسية، وتجر الجزائر نحو المزيد من التعاون، هو مجرد وهم وأكذوبة.

4