انقسامات آل الطالباني تضعف كردستان العراق

لا تخفي الأزمة المحتدمة على القيادة داخل الحزب الوطني الكردستاني إمكانية انتقال العدوى إلى حزب أسرة آل البارزاني المؤثرة والمسيطرة على القرار في الإقليم الواقع تحت العديد من الضغوطات السياسية والاقتصادية.
بغداد - تؤشر حالة الانقسام الحاد بين قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي قاده لأربعة عقود الرئيس الراحل جلال الطالباني إلى وجود تحولات عميقة في سياسة إقليم كردستان الواقع تحت أزمات متعددة على أكثر من صعيد.
ويشهد الحزب الثاني والمنافس الأهم لحزب عائلة البارزاني في الإقليم حالة من التشظي على وقع الصراع المحتدم بين زعيمه بافل الطالباني وابن عمه لاهور شيخ جنكي.
وتكشف تلك الخلافات والانقسامات مدى الاضطراب السياسي الذي يعيشه الحزب، بالإضافة إلى تأثيرات تلك الانشقاقات داخل أسرة آل الطالباني على الإقليم ككل في ظل ما يشهده من تحديات أمنية واقتصادية.
ولم يستطع الحزب بعد تجاوز مسألة الخلاف بين بافل ولاهور على الزعامة منذ وفاة الطالباني قبل نحو أربع سنوات. وعلى الرغم من اتفاقهما على الزعامة المشتركة للحزب في بداية الأمر إلا أن اين الرئيس العراقي الراحل باشر جهوده للإطاحة بابن عمه.
وتشير التقارير إلى أن المنافسة المحتدمة بين بافل ولاهور احتدمت في الشهر الماضي بعد اتخاذ زعيم الحزب بافل مجموعة من الخطوات الرامية إلى إزاحة لاهور عن موقع السلطة.

الاقتتال داخل حزب الطالباني يعقد الوضع السياسي في كردستان
ويرى الباحثان بكير أيدوغان ومحمد آلاجا، وهما مختصان في شؤون كردستان العراق، أن “الأزمة الحالية على مستوى القيادة تظهر أن الحزب فقد قدرته على حل المسائل الداخلية”.ويرفض لاهور مغادرة السليمانية ورد على طلب ذلك بالقول “لن أغادر شعبي حتى نفسي الأخير”. ورسمت صورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي للاهور وهو جالس إلى جانب رجال مسلحين احتمال نشوب نزاع مسلح بين الرجال الموالين لزعيمي الحزب.
وقالا في تحليل نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إنه “حتى لو توصل الاتحاد الوطني الكردستاني إلى التوحد خلف بافل في نزاعه مع ابن عمه فإنه يلزمه الكثير من الوقت والجهد لمنافسة الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
ويؤثر الصراع المحتدم داخل أسرة آل الطالباني على ميزان القوى داخل الإقليم، حيث يتوقع أن يميل أكثر نحو حزب أسرة البارزاني المسيطرة عمليا على أهم المراكز القيادة في حكومة إقليم كردستان.
ويتوقع الباحثان أنه في حال لم يتراض بافل ولاهور بشكل مفاجئ فإن “من المحتمل أن تزيد حملة التطهير التي يقودها بافل ضد الموالين للاهور في زعزعة الاستقرار في الحزب من حيث الانضباط والوحدة والثقة”، ولا يستبعدان حدوث نزاع مسلح بين قوات الأمن والاستخبارات والبيشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني والموالية للطرف الآخر.
وتثير الأزمة الحالية المتفاقمة بين بافل ولاهور الشكوك بين أعضاء الحزب فيما يتعلق بنظام القيادة الذي تقوده عائلة الطالباني. ويتوقع أن يتزاحم أعضاء الحزب للحلول مكان أفراد العائلة كزعماء مشاركين لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني أو قد يغادرون هذا الحزب ويشكلون أحزابا جديدة على غرار ما جرى مع “حركة كوران” في عام 2009.
ويقول أيدوغان وآلاجا إن الاقتتال الداخلي ضمن الاتحاد الوطني الكردستاني “لا يؤدي سوى إلى زيادة تعقيد الوضع السياسي المتزعزع أصلا في إقليم كردستان”. ولطالما أدى الشقاق والاقتتال الداخلي واتهامات الخيانة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني إلى عدم الاستقرار وسط الأكراد العراقيين.
ويرتبط الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان بحالة عداء علنية منذ انسحاب قوات البيشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني من كركوك في أكتوبر عام 2017 وفشل محاولة الإقليم الاستقلال عن العراق. واتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني منافسه الأبرز بالتعاون مع إيران والحكومة المركزية في بغداد.
وينظر إلى حزب أسرة البارزاني على أنه يعمل للانتقام من قيادة عائلة الطالباني حيث يعتبر الحزب أن الانشقاق هو فرصة للتركيز على مأسسة السيطرة في أربيل التي تعد القاعدة التقليدية للحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى جانب عاصمة قضاء دهوك في ظل تلهي خصمه ووهنه.
ويرى كل من بكير أيدوغان ومحمد آلاجا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد ينظر إلى صعود بافل من زاوية إيجابية، خاصة أنه التقى بمسؤولين من حزب أسرة البارزاني في العديد من المناسبات. وقالا “يبدو أنه أصلح علاقاته مع قيادة حزب البارزاني، حيث يتمتع قباد الطالباني وكوستر رسول علي المناصران لبافل بعلاقات طيبة مع مسؤولي الحزب”.

الصراع المحتدم داخل أسرة آل الطالباني يؤثر على ميزان القوى داخل الإقليم
وأضافا “في المقابل تمسك لاهور بموقفه المعادي لحزب أسرة البارزاني دافعا الاتحاد الوطني الكردستاني إلى تنفيذ سياسات مناهضة للحزب الديمقراطي الكردستاني” بما فيها زيادة الاستقلالية عن أربيل وإعطاء الأولوية لبغداد بدلا منها. كما أن لاهور اتهم حزب أسرة البارزاني بالتدخل في حملة التطهير التي يشنها بافل ضده.
وينظر إلى تولي بافل وحده القيادة على أنها بداية حقبة انفراج في العلاقات المستقبلية بين الحزبين الرئيسيين في كردستان.
ولم يستبعد لاهور وجود جهات خارجية في خلفية الصراعات داخل الحزب وأسرة الطالباني. واعتبر في بيان نشر مؤخرا أن “المؤامرة التي تجري حاليا أخطر ممّا يشاع. لقد حاولنا خلال الأعوام الماضية أن يكون الاتحاد الوطني الكردستاني صاحب قرار مستقل وألاّ تقع قراراته تحت تأثير أيّ حزب سياسي آخر أو مؤثرات إقليمية أخرى”.
ويرى الباحثان أن النزاع الحالي “لا يشكل بحد ذاته سوى أحد الأمثلة عن التحدي المستمر الذي لا يفارق إقليم كردستان العراق”.
ويؤكدان أن “المشكلة الأساسية بالنسبة إلى الإقليم هي الازدواج الحزبي داخل النظام السياسي الذي تخضع بموجبه مختلف وحدات البيشمركة والاستخبارات والأمن والحكم لسيطرة فصائل متنوعة تابعة لحزب مّا أو عائلة مّا”.
ولا يستبعد الباحثان الاستمرار في تعريض النظام السياسي القائم في إقليم كردستان إلى الخطر وتعزيز عدم الاستقرار طالما بقي الوضع الحالي على ما هو عليه، والذي يتضح بصورة كاملة من خلال الانشقاق الراهن داخل عائلة الطالباني.
ويتوقع أن يواجه الحزب الديمقراطي الكردستاني قريبا أزمة مشابهة ضمن العائلة على صعيد القيادة ما بعد الحقبة الطولية التي تولى فيها زعيمه المؤثر مسعود البارزاني قيادته. وتعتبر العلاقات العائلية عنصرا أساسيا في سياسات إقليم كردستان العراق، حيث يؤكد الباحثان أن “هذه المسائل ستستمر في التسبب في انقسام السياسة داخل الإقليم وتعقيدها أكثر فأكثر”.