انفلات سعر صرف الدولار مقابل الليرة يزيد معاناة اللبنانيين

بيروت - تظاهر المئات من العسكريين المتقاعدين وموظفي القطاع العام، الخميس، في ساحة رياض الصلح أمام مقر الحكومة وسط العاصمة بيروت، للمطالبة بثبيت سعر صرف لرواتبهم. وتلك الوقفة دعا إليها حراك العسكريين المتقاعدين، وشارك فيها عدد من الضباط والعناصر المتقاعدة من كل المناطق اللبنانية، وسط استنفار أمني مكثف.
وندد المحتجون بتدنّي قيمة رواتبهم في ظل الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وطالبوا بتحسين أوضاعهم المعيشية من خلال تثبيت سعر صرف الدولار عند 28 ألفا و500 ليرة بدلا من 45 ألفا و200 ليرة لرواتب المتقاعدين. ويأتي الاحتجاج على وقع تفلت وتلاعب في سعر صرف الدولار الذي بلغ الثلاثاء 145 ألف ليرة نهارا، قبل أن يتهاوى ليستقرّ مساء عند 110 آلاف ليرة للدولار الواحد.
ورفع المتظاهرون أعلام لبنان ولافتات مكتوبا على بعضها "لبنان وشعبه في خطر الزوال"، وذلك وسط حالة من الغضب الشديد تجاه ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.
ويعاني لبنان من أزمة مالية واقتصادية منذ أكتوبر عام 2019 كانت لها تداعياتها على مختلف القطاعات، حيث تفاقم التدهور في الأوضاع المعيشية للبنانيين، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية المأزومة الناتجة عن عدم انتظام عمل المؤسسات الدستورية، بما في ذلك شغور سدة الرئاسة ووجود حكومة تصريف أعمال. ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تنفيذ خطة اقتصادية إنقاذية لمعالجة الأزمة.
◙ الاحتجاج يأتي على وقع تلاعب في سعر صرف الدولار الذي بلغ 145 ألف ليرة نهارا قبل أن يتهاوى ليستقر مساء عند 110 آلاف ليرة للدولار الواحد
وخلال احتجاجهم، حاول العسكريون المتقاعدون تجاوز الأسلاك الشائكة مقابل السراي الحكومي (مقر الحكومة)، وسكب أحدهم مادة البنزين تمهيدا على ما يبدو لإشعال النار في جسده، لكن تم احتواء الوضع.
وقال رئيس رابطة قدامى القوى المسلحة وعضو مجلس تنسيقي لرابطة موظفي القطاع العام اللواء المتقاعد نقولا مزهر "راتبي كان قبل الأزمة 4 آلاف دولار، واليوم أستحي أن أقول كم أصبح، فهو لا يكفي لدفع فاتورة الكهرباء". وبنبرة غضب وحزن، تابع مزهر "بعد أربعين سنة خدمة في الجيش، اليوم أولادي يرسلون لي المال لمساعدتي في المصاريف بدل أن أعطيهم أنا".
وقال المتحدث باسم العسكريين المتقاعدين العميد المتقاعد جورج نادر "نحن هنا للمطالبة بحقوق العسكريين وكل القطاع العام ليتقاضوا رواتبهم على سعر صيرفة 28500 كما كان عند إصدار الموازنة في سبتمبر 2022". وأردف “اليوم سعر صيرفة 90 ألف ليرة، مما يعني أن رواتبنا تبخرت وكل المساعدات المالية الأخرى التي نأخذها من الدولة لم تعد لها قيمة".
وأضاف نادر "لعسكريون المتقاعدون يتبنون جميع مطالب فئات الموظفين الآخرين التي باتت ترزح تحت خط الفقر بسبب الغلاء وفقدان العملة قيمتها.. خسرنا 96 في المئة من قيمة رواتبنا ونعيش الآن بـ4 في المئة فقط".
وأما الشرطي عاطف الحاج شحادة، والذي خدم 30 عاما في قوى الأمن الداخلي، فقال "السياسيون سلبوا حقوقنا لأنهم ليسوا وطنيين ولديهم أجندة خارجية ليقتلوا شعبهم ويدمروا بلدنا الجميل". وتابع "سلبوا حقنا في الطبابة، فلم يعد لدنيا ضمان صحي، وربطة الخبز أصبحت بمئة ألف (ليرة)، ومازالوا يجلسون على الكرسي.. فليرحلوا".
وشدد على أنهم لا يستطيعون شراء خبز، “وخاصة أننا في شهر رمضان المبارك”، واستطرد شحادة قائلا إنه خسر 90 في المئة من راتبه الذي أصبح 30 دولارا فقط بعد أن كان 1500 قبل الأزمة.
وقال زكي غصمان "خدمت 26 سنة في الجيش وجئنا اليوم للمطالبة بكرامتنا.. حقنا نريده سواء وافقوا أم لا. انخفضت قيمة راتبي إلى 40 دولارا بعد أن كان 1500 دولار قبل الأزمة".
◙ تزايد الاحتجاجات المطلبية في لبنان يؤشر على المزيد من تعقيد أوضاع البلد الغارق في أزمة اقتصادية طاحنة وسط تحذيرات من اتجاه الأوضاع نحو الأسوأ
وسيرا على الأقدم، توجّه العسكريون المتقاعدون لاحقا إلى محيط مصرف لبنان المركزي في شارع الحمرا وسط تعزيزات أمنية، ثم حاولوا دون جدوى تجاوز حاجز بشري شكله الجيش للحيلولة دون وصولهم إلى البوابة الرئيسية للمصرف.
ويتقاضى موظفو القطاع العام في لبنان رواتبهم بالدولار على سعر صرف يحدده المصرف المركزي بناء على العرض والطلب، والذي حدده الثلاثاء حاكم المصرف رياض سلامة بـ90 ألف ليرة للدولار الواحد.
وصباح الخميس، بلغت الليرة في تعاملات الأسواق الموازية (السوداء) نحو 107 آلاف ليرة للدولار، بينما تعدّى سعر صفيحة البنزين مليوني ليرة (نحو 18 دولارا حسب دولار السوق الموازية). ويؤشر تزايد الاحتجاجات الشعبية والمطلبية في لبنان على المزيد من تعقيد أوضاع البلد الغارق في أزمة اقتصادية طاحنة، وسط تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من أن الأوضاع تتجه نحو الأسوأ ما لم تحصل انفراجة سياسية سريعة.
وأفادت مصادر اقتصادية لبنانية بأنّ لبنان على المفترق بين أن يسارع السياسيون فيه إلى توفير العلاجات الفورية لأزمته، دخولا إليها من باب إعادة تكوين سلطاته الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة إصلاحات، أو أن يبقى في قعر أزمة سياسية واقتصادية ومالية تهدّده بأن يزول من الوجود.
وقالت المصادر "صحيح أنّ الوضع الاقتصادي والمالي سيء جدا، لكنه ما زال ضمن الحدود الممكن علاجها إذا ما تمّ تصويب المسار السياسي بدءا بانتخاب رئيس للجمهورية".
وأضافت "جنون الدولار، سواء لناحية صعوده بآلاف الليرات على نحو غير مسبوق، أو لناحية انخفاضه، ليس له ما يبرّره على الإطلاق، حيث لم يبرز أيّ طارئ دراماتيكي مالي أو اقتصادي يدفع إلى هذا الانهيار الذي لا شك أنّه بفعل فاعل". ويؤكد متابعون أن الحكومة اللبنانية ينبغي عليها أن تنفذ خطة إصلاح تعالج المجالات الرئيسية ذات الأولوية لاستعادة الثقة وإنقاذ البلاد.