انفلات أسعار الغذاء يضغط بشدة على فقراء اليمن

تتسع مخاوف الخبراء والمنظمات الدولية من أن تُفاقم الأزمة في شرق أوروبا من الضغوط المعيشية على سكان اليمن في ظل ما يعانونه من مشاكل في توفير الغذاء جراء التدمير الذي لحق بقطاع الزراعة واعتماد البلد على الواردات خاصة مع ارتفاع تكاليف الشحن التي قفزت بالأسعار إلى مستوى لا يطاق.
عدن - أدى ضعف دور الحكومة اليمينة الشرعية لضبط الأسعار في الأسواق الخاضعة لسيطرتها في ظل ارتدادات الأزمة في شرق أوروبا إلى الضغط بشدة على فقراء البلد الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة لم يشهدها من قبل.
ومنذ نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية قبل شهر تصاعدت حدة المخاوف بالمنطقة العربية من تأثيرات تلك الحرب خاصة على الوضع المعيشي للناس نتيجة اضطراب الإمدادات من الغذاء ناهيك عن تكاليف الشحن نتيجة ما يحدث في سوق الطاقة العالمية.
لكن قلق اليمنيين يبدو أكبر ممّا تشكله الحرب في أوكرانيا والتي تنضاف إلى أزمتهم الداخلية من تهديد على الأمن الغذائي المهدد أصلا نتيجة حرب سبع سنوات متواصلة بين الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي وجماعة الحوثي المدعومة من إيران.
ويشكو السكان من انقطاع الكهرباء المتكرر ونقص في الوقود وعدم توفر الخدمات الأساسية وارتفاع جنوني للأسعار خاصة بعدما شهدت العملة المحلية انهيارا حادا بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة خلال الأشهر الماضية حيث يتداول الدولار عند 1230 ريالا.
مصطفى نصر: التأثيرات الاقتصادية كبيرة أبرزها حجم استيراد القمح
ومنذ أشهر طويلة تشهد الأسواق في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية، ومحافظات الجنوب موجة غير مسبوقة من الغلاء في كافة السلع الغذائية، مما أثر على القدرة الشرائية للسكان الذين يعانون أصلا.
ويعتمد اليمن بشكل كبير على الواردات التجارية لتلبية متطلبات الاستهلاك المحلي كالقمح الذي يعتبر عنصر الغذاء الأساسي للسكان، في حين أن المساعدات الغذائية هي مصدر غذائي رئيسي لأكثر من ثلث الأسر.
وكان برنامج الأغذية العالمي ومنظمة أوكسفام الدولية قد حذرا مؤخرا من أن الحرب في أوكرانيا “ستؤدي على الأرجح إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء في اليمن” الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد.
وجاء هذا التنبيه بعد أن اضطر البرنامج إلى خفض الحصص الغذائية لثمانية ملايين شخص في بلد يقف على حافة المجاعة.
وأشار البرنامج إلى أن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية ارتفع بمقدار 1.2 مليون العام الماضي إلى 17.4 مليون، ومن المتوقع أن يبلغ 19 مليونا في النصف الثاني من العام 2022.
ووفق الأمم المتحدة فمن أصل 31.9 مليون نسمة هم تعداد سكان اليمن، يحتاج 23.4 مليون لمساعدات إنسانية، ويعد نحو 12.9 مليون منهم في حاجة ماسة إليها.
وتلقي الأزمة على الأطراف اليمنية التي ترتبط بأطراف خارجية مؤثرة هي الأخرى وخاصة في ما يتعلق بالطاقة، وإن بتأثيرات أقل من تأثر الأمن الغذائي.
ومع أن معظم المتابعين للشأن الاقتصادي اليمين يتفقون على أن حجم التداعيات التي سيتعرض لها السكان لاحقا ستكون كارثية، لكنّ آخرين يرون أن ثمة بعض التفاؤل وإن كان مقرونا بالمساعدات الدولية.
وحيد الفودعي: المضاربة في سوق الصرف زادت من تعقيد أزمات الناس
ويؤكد رئيس مركز الاعلام الاقتصادي في اليمن مصطفى نصر أن التأثيرات الاقتصادية كبيرة، أبرزها تأثر حجم استيراد القمح إلى البلد بشكل مباشر من روسيا وأوكرانيا.
ونسبت وكالة الأناضول إلى نصر قوله إن “حوالي ثلث الكميات المستوردة من القمح إلى السوق اليمنية يأتي من هذين الدولتين”.
وأوضح أن الكمية المستوردة من القمح التي تشكل 90 في المئة من واردات البلاد ستتأثر بشكل كبير وستدفع المستوردين للبحث عن مصادر بديلة التي عادة ما تكون أعلى كلفة.
ولا تتوفر أرقام رسمية حول حجم استهلاك اليمنيين من القمح بسبب الانقسامات السياسية والجغرافية وأثرها على صعوبة إحصاء البيانات.
ووسط ذلك تبرز مشكلة أخرى ستفاقم من مشكلات عمليات التوريد وهي تأثير الأزمة في أوكرانيا على أسواق النفط وما يلحقه من تأثير على أسعار الشحن والنقل التي تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي اليمني.
ويعتقد نصر أن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يكون مكسبا، هو أن هذه التأثيرات قد تدفع الناس للاهتمام بالزراعة وإنتاج الحبوب على المستوى المحلي.
وتقول مؤسسات مالية دولية إن الزراعة دُمّرت بشكل بالغ بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، وكبدت البلاد خسائر لا حصر لها.
كما أن تراجع عمليات الإنتاج أثّر على تحقيق الأمن الغذائي، خاصة وأن القطاع كان يساهم سنويا بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لليمن.
وحاليا، لا توفر الزراعة سوى حوالي 15 إلى 20 في المئة من الاحتياجات الغذائية بسبب محدودية الأراضي الزراعية وشح موارد المياه واتباع الممارسات الزراعية السيئة التي تفاقمت بسبب سنوات الحرب وارتفاع أسعار الوقود.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة أدت الحرب إلى خسارة الاقتصاد اليمني نحو 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم، حيث يعتمد معظم السكان على المساعدات.
ويرى المحلل الاقتصادي اليمني وحيد الفودعي أن المشكلة الاقتصادية في اليمن معقدة ومتداخلة إذ تلقي المضاربة في أسعار الصرف، وعدم قدرة البنك المركزي على التحكم بها بظلال أكثر قتامة على الوضع العام.
ويقول الفودعي إن التذبذبات في أسعار صرف الريال ستصبح أكثر تأثيرا بسبب الأزمة في أوكرانيا التي أثرت على الاقتصاد العالمي، مما سيؤثر بالضرورة على الاقتصاد اليمني.
وتسببت الأزمة الأوكرانية في ارتفاع سعر الدولار أمام سلة العملات الأخرى ما دفع أسعار السلع المقومة بالعملة الأميركية للصعود.
وأمام هذه الصعوبات اعتبر الفودعي أن الحكومة اليمنية اليوم أمام مهمة البحث عن بدائل لاستيراد الحبوب التي كان يتم استيرادها من أوكرانيا وروسيا.
لكن وفرة السلع الرئيسة تواجه تذبذبا أيضا في ظل ارتفاع الطلب العالمي على تخزين السلع الاستراتيجية وبناء احتياطات من القمح والحبوب والمعادن، تجنبا لمستقبل أكثر ضبابية ما يعني زيادة الصعوبات على الاقتصاد المحلي.