انفتاح مصري على السياحة الإيرانية: أهداف اقتصادية وأخرى سياسية

القاهرة- أجبرت الضغوط الاقتصادية الحكومة المصرية على تقديم تسهيلات كبيرة في مجال السياحة لجذب أعداد كبيرة من دول مختلفة الفترة الماضية، ومحاولة سد جانب من شُح العملات الأجنبية من خلال توسيع المروحة السياحية لتشمل إيران.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن إدراج السياحة الإيرانية خطوة سياسية أكثر منها اقتصادية، وتنطوي على تناغم مع تطورات إقليمية أدت إلى تحسن ملحوظ في علاقات طهران مع الرياض، حيث تريد القاهرة عدم التخلف عمّا يجري في المنطقة من تحولات سريعة، وألا تبدو ملكية أكثر من الملكيين.
وأكدت المصادر أن مبادرة مصر لاستقبال السياحة الإيرانية بعد نحو عشر سنوات من تجميدها يمكن أن تمهّد لعودة العلاقات السياسية تدريجيا في مرحلة لاحقة، حيث تحتاج القاهرة إلى التأكد من حُسن نوايا طهران وتبديد المخاوف الأمنية التقليدية من مغبة تردد الإيرانيين على المقاصد المصرية الدينية المنتشرة في مصر.
وجاء قصر دخول السياح الإيرانيين على مدينة شرم الشيخ في جنوب سيناء على البحر الأحمر كخطوة رمزية لتأكيد استعداد مصر لتحسين العلاقات قريبا، واختبار التوجهات الحقيقية لطهران، فمعروف عن الإيرانيين أن السياحة الترفيهية لا تستهويهم كثيرا، ويميل معظمهم إلى السياحة الدينية، خاصة أن مصر تضم عددا كبيرا من مزارات آل بيت النبي محمد (ص) ومساجدهم ومقاماته، والتي تحظى بتعظيم لدى الشيعة عموما.
وقال الخبير في الشؤون الإيرانية محمد محسن أبوالنور لـ”العرب” إن تسهيل دخول السياح الإيرانيين حاليا، وإن كان مقتصرا على شرم الشيخ، له دلالات ورسائل يصعب تجاهل معانيها البعيدة، وهو أحد المؤشرات التي تثبت وجود تقارب بين البلدين وتفاهم في قضايا أمنية وسياسية متباينة وشائكة، ويعني أن الملفات الخلافية بينهما بدأت تأخذ طريقها نحو الذوبان، بما يمهد إلى عودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية.
وأضاف أبوالنور أن الملفات الخلافية في الجانب السياحي التي كانت موجودة بسبب تخوف القاهرة من استخدام طهران السياحة كمدخل لنشر التشيع في مصر يبدو أنها في سبيلها إلى التلاشي، ويمكن قراءة قرار السماح للسياح بالذهاب إلى شرم الشيخ وليس القاهرة حيث مراقد آل البيت، أن مصر تريد في هذه المرحلة المبدئية اختبار جدية إيران عبر إجراءات عملية على الأرض، ثم يتم التفكير في فتح المجال أمامهم للذهاب إلى مدن أخرى، ومنها القاهرة، في مراحل تالية.
وأقرت الحكومة المصرية مجموعة من الإجراءات لتسهيل حركة السياحة الأجنبية الوافدة، تضمنت قراراً بتسهيل دخول السياحة الإيرانية والتركية إلى البلاد.
وقال وزير السياحة والآثار أحمد عيسى في مؤتمر صحفي الاثنين إن السياح الإيرانيين الوافدين سيحصلون على تأشيرات عند وصولهم إلى المطارات جنوبي سيناء، ضمن ضوابط وشروط معينة، بينها حصول السائح الإيراني القادم إلى مصر على تأشيرة إذا كان قادما ضمن مجموعات سياحية قادمة من نفس البلد.
وأوضح أبوالنور أن المكاسب الاقتصادية من وراء السياحة الإيرانية تتوقف على نوعية السائح القادم إلى مصر، هل هو من إيرانيي الداخل أم من المقيمين في أوروبا وأميركا؟ فالأول ليس في أفضل حالاته الآن بسبب المشاكل الاقتصادية التي تمر بها إيران على خلفية التأثيرات الكبيرة للعقوبات الأميركية المفروضة عليها وتضرر سعر صرف التومان مقابل سلة العملات الغربية.
ولفت إلى أن فتح طهران المجال تماما أمام السائح المقيم في الخارج سوف يكون له مردود إيجابي على المستوى الاقتصادي لمصر، لأن الخبرة السابقة عند عودة السياحة عقب وصول الإخوان للحكم عام 2012 أشارت إلى أنه سائح جيد في عملية الإنفاق في المقاصد السياحية، ومعتاد على النمط الأوروبي في الجولات السياحية.
وكشف وزير السياحة المصري عن إصدار تأشيرة لمدة خمس سنوات متعددة الاستخدام، تم الاتفاق على أن تكون قيمتها 700 دولار، سيتم الإعلان عن بدء تفعيلها قريبا، مشيرا إلى تحسن في حركة السياحة الوافدة إلى مصر خلال شهري يناير وفبراير من العام الجاري بنسبة 30 في المئة على أساس سنوي.
ويعتقد بعض الخبراء أن هذا المبلغ الكبير يدل على رهان القاهرة تحصيل عوائد مالية جيدة في ظل أزمة الدولار التي تواجهها، لكن قد لا تجد من يقبلون على هذه التأشيرة، فهناك دول تقدم تسهيلات أكبر بمبالغ مالية أقل، ما يجعل فئة معينة يمكنها القبول بذلك، وجزء منها ربما يستخدمها في تجارة غير مشروعة، مثل غسيل الأموال.
وشهدت بعض الدول في أميركا اللاتينية حالات اختراق متعددة لشخصيات إيرانية أو متعاونة معها تورطت في عمليات غسيل أموال، ما يفسر قصر مصر دخول السياح الإيرانيين على شرم الشيخ في هذه المرحلة، والتي تتوافر داخلها ترتيبات أمنية صارمة ورقابة شديدة على السياحة التي تأتي من دول عديدة، منها إسرائيل.
وتشمل التيسيرات المصرية الجديدة، فضلا عن إيران وتركيا، مواطني الصين والهند وإسرائيل وتركيا والمغرب والجزائر وتونس والعراق، وهي خطوة توحي بأن السياحة مقبلة على انتعاش في مصر التي تعمل حكومتها على إعادة الاعتبار لها.
وعلى الرغم من انخفاض أعداد السياح القادمين من روسيا وأوكرانيا مؤخرا بسبب الحرب، إلا أن هذه الأعداد شهدت زيادة كبيرة من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا.
وجمدت القاهرة في أكتوبر 2013 السياحة مع إيران لأسباب تتعلق بالأمن القومي، عقب فتح سوق السياحة المصرية معها خلال فترة حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي.
وقبلت طهران وقتها بشروط وضعتها مصر لاستقدام السياح إلى أراضيها، أبرزها قصر زياراتهم ووجودهم على الأماكن التاريخية في الأقصر وأسوان وأهرامات الجيزة القريبة من القاهرة وقيام شركات مصرية بنقلهم وإعادتهم وعبر أفواج جماعية.
وصادقت طهران في أبريل من نفس العام على مشروع إلغاء تأشيرات الدخول بالنسبة إلى السياح المصريين القادمين إلى إيران، إلا أن سقوط نظام الإخوان وتورط طهران في أزمات أمنية مع مصر أعاد السياحة والسياسة إلى المربع الأول.