انفتاح جزائري على الإعلام الأميركي لتحسين الصورة الخارجية

الجزائر تعرض على سي.إن.إن فرصا استثمارية.
الخميس 2025/04/10
بحث عن إشعاع إعلامي

تحاول الجزائر الانفتاح على الإعلام العالمي وتعزيز الحضور الرسمي فيه واستقطاب وسائل إعلام ذات ثقل مثل شبكة سي.إن.إن الأميركية والتعاون معها لإنشاء أكاديمية في محاولة للنهوض بمستوى الإعلام في الجزائر وجعله تنافسيا.

الجزائر - احتفت وسائل الإعلام الجزائرية بخبر استقبال وزير الاتصال الجزائري محمد مزيان، وفدا عن شبكة “سي.إن.إن إنترناشيونال” الأميركية، على رأسه وليد شماق المدير المكلف بالشراكات الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ونائب الرئيس المكلف بالشراكات الإستراتيجية في الشبكة أوكونومو كونستوتينوس. فيما يبدو الاهتمام الرسمي بهذه الخطوة بهدف منح الجزائر نافذة نحو وسائل إعلامية كبرى في ظل الانغلاق الحالي الذي لا يخدم مصالح السلطة التي تواجه بانتقادات متزايدة في العديد من الملفات الداخلية والخارجية.

وتحاول الجزائر استقطاب سي.إن.إن إنترناشونال لإنشاء أكاديمية لصالح الطلبة والإعلاميين واقتراح توطين لفرع الأكاديمية بالمدينة الإعلامية الجديدة مستقبلا في محاولة للنهوض بمستوى الإعلام في الجزائر وجعله تنافسيا.

وقالت وزارة الاتصال في بيان “شكل اللقاء فرصة لبحث آفاق الشراكة في مجال الإعلام، حيث أبدى الوفد الإعلامي نيته في إقامة شراكة مع بلادنا في مجال الإعلام والعلاقات العامة، مع إمكانية فتح مكتب لقناة سي.ان.ان بالجزائر، وإنشاء فرع للمنصة الرقمية للقناة بالجزائر يختص بالشأن الجهوي.”

وأضاف البيان إن اللقاء يسعى إلى توسيع آفاق التعاون إعلاميا بين المؤسسات الإعلامية الجزائرية والمجموعة الإعلامية سي.إن.إن من خلال إقامة شراكة مع المؤسسة العمومية للتلفزيون، والانفتاح على العالم الخارجي بالتعاون الدائم مع الجامعة الجزائرية.

الجزائر تسعى إلى توسيع آفاق التعاون الإعلامي مع شبكة سي.إن.إن من خلال إقامة شراكة مع المؤسسة العمومية للتلفزيون

واستعرض الوفد الإعلامي آفاق التكوين والتدريب بين الجزائر مع شبكة سي.إن.إن من خلال فتح أكاديمية لتكوين الصحافيين ومهنيي قطاع الإعلام.

ويشير هذا التوجه من قبل وزارة الاتصال الجزائرية إلى أن السلطات تنوي الانفتاح على منابر غربية جديدة للخروج من الإطار المحلي والوصول إلى قاعدة جماهيرية أوسع، خصوصا في ظل محدودية الإنتاج الجزائري.

ويسود الجمود الإعلام الجزائري، ما يعكس ضعف التأثير داخليا وخارجيا بسبب الطريقة التي تتم إدارته بها والتركيز على تحسين صورة النظام ومهاجمة كل منبر يخالف سياسته.

ويرى متابعون أنه من المرجح أن تمنح السلطات تسهيلات للشبكة الأميركية لفتح قنوات تواصل وايصال الرسائل التي تريدها السلطة إلى المتلقي الخارجي خصوصا المعنيين في السياسة الخارجية الأميركية إذ لا يمكن التعويل على الإعلام المحلي في هذه المهمة مع ما يعانيه من قصور وضعف.

ويبدو الاستياء واضحا في الفترة الأخيرة مما اعتبره وزير الاتصال محمد مزيان “حملات مغرضة “تستهدف بلاده، وهي التصريحات التي كررها مرارات في عدة نشاطات وفعاليات ومناسبة محلية.

وقال مزيان في مقابلة مع الإذاعة العمومية مؤخرا إن وسائل الإعلام الدولية “تحولت إلى أدوات دعاية تخدم أجندات معينة،” من دون أن يوضح المقصود بهذه الكلمات، ودعا إلى “تأسيس جبهة وطنية إعلامية للدفاع عن صورة الجزائر والقضايا العادلة،” مشيراً إلى أن الجزائر “تعرضت في السنوات الأخيرة لخطط مغرضة،” ومؤكداً أن وسائل الإعلام الوطنية وقفت بحزم ضد هذه الخطط، وساهمت في الدفاع عن الوطن ووحدته ومصالحه.

ومن خلال هذه التصريحات يمكن فهم توجه السلطة نحو الانفتاح على الاعلام الخارجي لتحسين صورة البلاد وإمكانية ظهور المسؤولين المحليين عبر المحطات الغربية لشرح وجهة نظرهم في القضايا المختلفة، والدفاع عن الرواية الرسمية.

وسبق أن وقّعت قناتا “الجزائر الدولية” و”روسيا اليوم” بالعربية مذكّرة التعاون والمساعدة المتبادلة في مجال البث التلفزيوني في ديسمبر 2023 من “أجل بنية تنمية علاقات الصداقة والتعاون بين المؤسستين الإعلاميتين.”

وحسب البيان الذي توج المراسم، فإن الاتفاقية “أخذت بعين الاعتبار الاهتمام المتبادل الذي يوليه مشاهدو التلفزيون في الاتحاد الروسي والجمهورية الجزائرية إلى البرامج التلفزيونية التي يبثها الطرفان.”

وتضمنت بنود الاتفاقية “تبادل المعلومات وتطوير العلاقات في مجال تقديم خدمات تلفزيونية بالإضافة إلى تبادل مواضيع ومحتويات البرامج التلفزيونية والمشاريع الصوتية والبصرية، وذلك بناء على مبدأ المنفعة المتبادلة والتقديم المتبادل للبرامج الإعلامية والمعلومات والبرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية وما شابه ذلك.”

ويتوافق هذا “الانفتاح الإعلامي الخارجي” مع التوجهات السياسية للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون للتقارب مع روسيا تحت غطاء إعلامي، لاسيما أن روسيا سبق أن أعلنت عن إنشاء مكتب تمثيلي في الجزائر، وهو ما يعني أن موسكو ممثلة بكل إداراتها في البلاد، وأن المكتب بمثابة إدارة روسية في العاصمة الجزائرية تمر من خلالها العلاقات بين الطرفين بسرية.

وبما أن المكتب يعتبر أشبه بقاعدة عمل إدارية متكاملة توفر السرية، والتجهيز المشترك للملفات والصفقات والعمل الاستخباراتي وتنسيق السياسات الاقتصادية المتعلقة بالنفط والغاز وأسعارهما، فإنه يحتاج إلى داعم إعلامي وهو ما وفرته الاتفاقية بين قناتي الجزائر الدولية وروسيا اليوم بالعربية التي تشير إلى تنسيق مشترك بشأن التغطية الإعلامية للقضايا التي تهم البلدين، لاسيما مع ضعف ثقة الرأي العام الجزائري بإعلام بلاده.

ورغم أن الإعلام الروسي يسير أيضا في فلك الكرملين إلا أنه يعتبر أكثر مهنية من نظيره الجزائري وقدرة على الإقناع.

من غير المعروف أفق التعاون مع الشبكة الأميركية التي تتبنى نهجا يختلف عن التوجهات الجزائرية الأقرب الى الروس منها الى الاميركيين

وبحسب البيان الرسمي حول اتفاقية التعاون، فإن القائمين على المحطتين يعملون على تكريس مبدأ “التعاون في مجال التغطية الإخبارية للأحداث الجارية في العالم، بما فيها تبادل المعلومات الخبرية والدعم التقني في بلدي الطرفين وفي جميع أنحاء العالم بناء على مبدأ المنفعة المتبادلة ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.”

ويبدو لافتا أن التعاون الإعلامي بين البلدين تم عبر قناة “الجزائر الدولية” التي أطلقتها الجزائر رسميا مطلع نوفمبر 2021 بهدف “إسماع صوت” البلاد في الخارج ولكي “تكون واجهتها في العالم.”

وعبر التعاون مع الإعلام الدولي الروسي وحاليا الاميركي تريد الجزائر مواجهة التحديات والعودة إلى المسارح الدولية بعد سنوات من انكماش السياسة الخارجية ورغم أن القائمين عليها كانوا يأملون في أن تنافس هذه القناة قنوات إخبارية عربية كبرى تملك إمكانيات مالية لا حدود لها على غرار الجزيرة والعربية وروسيا اليوم، إلا أن تأثيرها بقي محدودا بسبب النهج الذي تتبناه الملتزم بتعليمات السلطة دون هوامش حريات.

ومن غير المعروف أفق التعاون مع الشبكة الأميركية التي تتبنى نهجا يختلف عن التوجهات الجزائرية الأقرب الى الروس منها الى الاميركيين إذ سبق أن عملت السلطات على التفاهم مع مجموعة إم.بي.سي الإعلامية السعودية لافتتاح مكتب لها في الجزائر، قبل أن تنتكس العلاقات وتعلن تعليق ترخيص تشغيل قناة العربية الإخبارية التابعة لمجموعة أم.بي.سي، بسبب اتهامات بالتحيز في تغطيتها للحرب في غزة ولبنان وفق المزاعم الجزائرية.

وأعلنت وزارة الاتصال سحب ترخيص قناة العربية في 2023 ولم يتم الكشف عن تفاصيل رسمية بشأن سبب التعليق، لكن وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية ذكرت أن قناة العربية تم تعليقها بسبب تصويرها للحروب بطريقة تضعف معنويات الشعبين الفلسطيني واللبناني.

وهذه ليست المرة الأولى التي تصطدم فيها الجزائر مع الشبكة. ففي يوليو 2021، سحبت الجزائر اعتماد قناة العربية “لعدم احترامها لقواعد الأخلاق المهنية وممارسة التضليل الإعلامي والتلاعب،” حسبما قالت وزارة الاتصال الجزائرية في بيان في ذلك الوقت، دون تقديم تفاصيل محددة.

5