انفتاح جزائري على الإعلام الأجنبي لتحسين صورة النظام قبل الانتخابات

أعلنت الحكومة الجزائرية عن انفتاح إعلامي خارجي مع توقيع اتفاق تعاون مع قناة “روسيا اليوم” بالعربية وهو يعتبر متماشيا مع التوجهات السياسية للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون للتقارب مع روسيا، وبالتوازي مع التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة.
الجزائر - أكد وزير الاتصال الجزائري محمد لعقاب استعداد بلاده للانفتاح على وسائل الإعلام الدولية، وذلك مع سعي حثيث للجزائر لتحسين صورتها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصا مع سيل التقارير الدولية التي تتحدث عن صورة قاتمة للحريات وحرية التعبير في البلاد.
وقال لعقاب، خلال تصريح صحفي على هامش توقيع مذكرة تعاون بين قناتي الجزائر الدولية وروسيا اليوم، إن “الجزائر مُستعدة لاحتضان العديد من المكاتب والبداية كانت مع قناة روسيا اليوم، وهذا يعكس عمق التعاون الإعلامي بين الجزائر وروسيا فهو يمتد لسنوات الاتحاد السوفيتي”.
ووقّعت قناتا “الجزائر الدولية” و”روسيا اليوم” بالعربية مذكّرة التعاون والمساعدة المتبادلة في مجال البث التلفزيوني من “أجل بنية تنمية علاقات الصداقة والتعاون بين المؤسستين الإعلاميتين”.
وحسب البيان الذي توج المراسم، فإن الاتفاقية “تأخذ بعين الاعتبار الاهتمام المتبادل الذي يوليه مشاهدو التلفزيون في الاتحاد الروسي والجمهورية الجزائرية إلى البرامج التلفزيونية التي يبثها الطرفان”.
الإعلام الروسي يسير أيضا في فلك الكرملين إلا أنه يعتبر أكثر مهنية من نظيره الجزائري وأكثر قدرة على التأثير في الرأي العام
وتضمنت بنود الاتفاقية “تبادل المعلومات وتطوير العلاقات في مجال تقديم خدمات تلفزيونية بالإضافة إلى تبادل مواضيع ومحتويات البرامج التلفزيونية والمشاريع الصوتية والبصرية، وذلك بناء على مبدأ المنفعة المتبادلة والتقديم المتبادل للبرامج الإعلامية والمعلومات والبرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية وما شابه ذلك”.
ويتوافق هذا “الانفتاح الإعلامي الخارجي” مع التوجهات السياسية للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون للتقارب مع روسيا تحت غطاء إعلامي، لاسيما أن روسيا أعلنت مؤخرا عن إنشاء مكتب تمثيلي في الجزائر، وهو ما يعني أن موسكو ستكون ممثلة بكل إداراتها في البلاد، وأن المكتب سيكون بمثابة إدارة روسية في العاصمة الجزائرية تمر من خلالها العلاقات بين الطرفين بسرية.
وبما أن المكتب سيكون بمثابة قاعدة عمل إدارية متكاملة توفر السرية والتجهيز المشترك للملفات والصفقات والعمل الاستخباراتي وتنسيق السياسات الاقتصادية المتعلقة بالنفط والغاز وأسعارهما، فإنه يحتاج إلى داعم إعلامي وهو ما توفره الاتفاقية الجديدة بين قناتي الجزائر الدولية وروسيا اليوم بالعربية التي تشير إلى تنسيق مشترك بشأن التغطية الإعلامية للقضايا التي تهم البلدين، لاسيما مع ضعف ثقة الرأي العام الجزائري بإعلام بلاده.
ورغم أن الإعلام الروسي يسير أيضا في فلك الكرملين إلا أنه يعتبر أكثر مهنية من نظيره الجزائري وقدرة على الإقناع.
ويشكل الاتفاق الجديد خطوة لافتة في تاريخ العلاقات بين البلدين، لأن الجزائر تعد بمثابة المركز المتقدم للروس في شمال أفريقيا وعموم القارة السمراء، فبواسطة مكتب “البيت الروسي” تتم رعاية وتأطير التمدد الروسي الإستراتيجي والاستخباراتي في المنطقة، الأمر الذي يعتبر إعلانا عن مرحلة جديدة من التغلغل الروسي، يحتاج إلى دعاية وتعاون بين الآلة الإعلامية للبلدين.
وبحسب البيان الرسمي حول اتفاقية التعاون، فإن القائمين على المحطتين يعملون على تكريس مبدأ “التعاون في مجال التغطية الإخبارية للأحداث الجارية في العالم، بما فيها تبادل المعلومات الخبرية والدعم التقني في بلدي الطرفين وفي جميع أنحاء العالم بناء على مبدأ المنفعة المتبادلة ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك”.
إلى جانب مناقشة إمكانيات تنفيذ برامج لتبادل الخبرات لتحقيق المصالح المشتركة للطرفين، قبل بدء المشاريع ذات الصلة، ومناقشة الشروط ووضع آليات لتنفيذ هذه البرامج والاتفاق على التفاصيل في كل حالة على حدة من أجل ضمان تنفيذ برامج تدريبية قصيرة الأجل. وأضاف لعقاب أن “العلاقات الإعلامية الجزائرية – الروسية قديمة وضاربة في التاريخ ونتمنى أن تتعزز أكثر”، كاشفا أن الجزائر تُحصي حاليا أزيد من 30 مراسلا أجنبيا لمختلف القنوات الأوروبية والعربية.
ويبدو لافتا أن التعاون الإعلامي بين البلدين تم عبر قناة “الجزائر الدولية” التي أطلقتها الجزائر رسميا مطلع نوفمبر 2021 بهدف “إسماع صوت” البلاد في الخارج ولكي “تكون واجهتها في العالم”.
وعبر هذه القناة تريد الجزائر مواجهة التحديات الدولية والعودة إلى المسارح الدولية بعد سنوات من انكماش السياسة الخارجية في ظل حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة. ورغم أن القائمين عليها كانوا يأملون في أن تنافس هذه القناة قنوات إخبارية عربية كبرى تملك إمكانيات مالية لا حدود لها على غرار الجزيرة والعربية وروسيا اليوم، إلا أن تأثيرها بقي محدودا بسبب النهج الذي تتبناه الملتزم بتعليمات السلطة دون هوامش حريات.
وأظهرت القناة أنها تحمل توجها دوليا وإقليميا يهدف إلى الترويج للمواقف الدبلوماسية والرسمية للبلاد وتسويقها إلى الرأي العام الدولي، ووضع التطورات الإقليمية والعالمية في متناول الجمهور الجزائري وفق الرؤية التي تريدها.
ويأتي التعاون بين القناة مع قناة روسيا اليوم نظرا لأنها تمتلك إمكانيات أكبر من نظيراتها المحلية حيث سخرت السلطات المختصة إمكانيات مادية ولوجستية ضخمة من أجل ضمان انطلاقة قوية قادرة على منافسة الفضائيات العربية والدولية التي ظلت مهيمنة على الجمهور الجزائري طيلة العقود الماضية، كما أن القناة مستقلة ماليا وتحريريا عن القنوات التلفزيونية الحكومية الأخرى.
وواجهت القناة انتقادات واسعة لأنها لا تخرج عن الخط المرسوم للإعلام الجزائري الذي يروج لأطروحة بوليساريو بأن قضية الصحراء المغربية قضية “تصفية استعمار” وتسوق لـ”حق تقرير المصير”.
ومؤخرا كشفت مصادر أن السلطات تصرف أموالا طائلة على الدعاية الإعلامية الموجهة ضد المغرب بهدف صرف الرأي العام الجزائري عن المشاكل الداخلية، من خلال الدعاية بأن المغرب عدو للجزائر ويشكل خطرا عليها.
وأضافت المصادر أن النظام الـجزائري يبحث عن تسويق دولي لأطروحته بالانفتاح على وسائل الإعلام الأجنبية، لتوجيه الرأي العام الجزائري والعالمي إضافة إلى الترويج والدعاية لصورة النظام المنفتح على الحريات والمراسلين الأجانب لاسيما قبل الانتخابات الرئاسية القادمة.
وتمتلك الجزائر ثماني قنوات تلفزيونية هي القناة الأولى العامة وقناة إخبارية وقناة القرآن الكريم وقناتان باللغتين الفرنسية والأمازيغية، إلى جانب ثلاث قنوات أخرى متخصصة هي “المعرفة” و”الشبابية” و”الذاكرة”.