انعدام الثقة وغياب الأجندة يقلصان فرص نجاح حوار السودان

قوى إعلان الحرية والتغيير/الميثاق الوطني تعلن استعدادها للمشاركة في الحوار الوطني، لكنها تعتبره غير مرتب بالشكل المطلوب.
الثلاثاء 2022/05/10
جدول تصعيدي رفضا للحوار مع العسكر

الخرطوم - يواجه الحوار الوطني الذي تتبناه الآلية الثلاثية من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية "إيغاد"، لحل الأزمة السياسية في السودان والذي تفصل عن موعده أيام قليلة، عقبات كثيرة أبرزها انعدام الثقة بين المكونين المدني والعسكري وغياب الأجندة الواضحة.

وترتفع آمال البعض بأن يفضي الحوار إلى حل أزمة البلاد، باعتبار أنه سيجمع الأطراف السودانية من مدنيين وعسكريين للعمل على إيجاد حلول للفترة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات.

ولن يكون الحل يسيرا وسهلا، في ظل دعاوى إسقاط النظام واستمرار الاحتجاجات في معظم المدن للمطالبة بالحكم المدني الكامل وتحقيق أهداف الثورة، المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.

ففي السابع والعشرين من أبريل الماضي، أعلنت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا "إيغاد"، عن حوار سوداني في الأسبوع الثاني من مايو الجاري، دون الإشارة إلى موعد محدد لانطلاقه.

ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، يشهد السودان احتجاجات رفضا لإجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.

ومقابل اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، قال البرهان إنه اتخذ هذه الإجراءات لـ"تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، متعهدا بتسليم السلطة إما عبر انتخابات أو توافق وطني.

وتجد الدعوة إلى الحوار تأييدا ودعما دوليين وإقليميين كبيرين بهدف عودة السودان إلى المسار الديمقراطي، خاصة من دول "الترويكا" (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج)، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا وألمانيا.

كما تجد دعوة الحوار دعما أفريقيا وجهودا يقودها الاتحاد الأفريقي وهيئة "إيغاد"، باعتبار أنه يمثل حلا لاستقرار السودان، البلد المهم في القرن الأفريقي.

وداخليا يرمي مجلس السيادة الانتقالي برئاسة البرهان، كل ثقله على أهمية الحوار بين المكونات السياسية لتحقيق توافق لإكمال الفترة الانتقالية.

ويؤكد قادة المجلس أن البلاد "تحتاج إلى التوافق للخروج من حالة الاحتقان واللا دولة"، التي يعيشها السودانيون مع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

ودعا البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" مرارا القوى السياسية والمدنية إلى الحوار، وصولا إلى توافق وطني لإدارة الفترة الانتقالية في البلاد.

وفي الثالث من مايو الجاري، كشف عضو مجلس السيادة ياسر العطا، لقناة "سودانية 24" المحلية، عن حوار يجريه قادة الجيش مع القوى السياسية المختلفة لتهيئة الأجواء والاتفاق على حد أدنى من النقاط التي تكفل الشروع في عملية الحوار الوطني.

وأعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير/الميثاق الوطني، مساء الاثنين استعدادها للمشاركة في الحوار الوطني، لكنها انتقدت في الوقت نفسه سوء التنظيم.

وقال أمين عام الميثاق الوطني مبارك أردول خلال مؤتمر صحافي إن "أمر الحوار غير مرتب بالشكل المطلوب، ولم تصل أي دعوة رسمية لأي من المنظومات السياسية بشأن الحوار، ولا ندري ما هي الأطراف المشاركة، كما لا نعلم كل أجندة".

وأضاف "نحن في الميثاق الوطني على استعداد كامل للمشاركة في الحوار، لأنه المخرج الوحيد والسليم للخروج بالبلاد إلى بر الأمان".

وشدد على أن "القوى السياسية في السودان تحتاج إلى النقاش بشأن قضايا الانتقال حتى تكتمل الفترة الانتقالية، وتذهب بعدها الأحزاب السياسية إلى الانتخابات".

وقوى إعلان الحرية والتغيير/الميثاق الوطني بمثابة قوى متحالفة مع العسكر وداعمة لقرارات البرهان، وتمثل كيانات سياسية تدعو إلى الحوار والوفاق حول القضايا الوطنية وتوسيع المشاركة في السلطة.

وفي المقابل، أعلنت قوى الثورة رفضها للحوار وتبنيها شعار اللاءات الثلاث "لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية"، لكن بعض القوى دفعت بمطالب لتهيئة الأجواء قبل الدخول في أي حوار.

وعلى رأس تلك القوى "إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي" (الائتلاف الحاكم سابقا)، التي اعتبرت أن تهيئة الأجواء للحوار تتطلب إلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين ووقف العنف ضد المتظاهرين.

وشرعت السلطات في إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين خلال الأسبوعين الماضيين، إلا أنها ما زالت تعتقل قيادات "لجان المقاومة" (نشطاء)، بحسب الهيئات الحقوقية.

وقتل الخميس متظاهر دهسا بسيارة شرطة خلال مشاركته في احتجاجات جديدة بالعاصمة الخرطوم، تطالب بالتحول المدني، بينما أصيب نحو 70 آخرين بحسب لجنة أطباء السودان، مما اعتبره محللون واحدة من عقبات التسوية المنتظرة، كما أنه يُظهر عدم رغبة السلطات الحاكمة في السير باتجاه التسوية عبر الحوار السياسي.

ويقول المحلل السياسي خالد الفكي إن "الحوار المزمع عقده خلال أيام يحتاج إلى معززات الثقة بين الفرقاء السودانيين، وتهيئة المناخ السياسي بإطلاق سراح المعتقلين والنشطاء ورفع حالة الطوارئ فورا ووقف العنف ضد المتظاهرين".

وأضاف "هذه الخطوات ربما تكون حافزا يشجع الجميع على الدخول تحت مظلة الحوار من قبل قوى الثورة، وتحديدا لجان المقاومة وقوى إعلان الحرية والتغيير".

وذكر أن "إزالة كافة العقبات تقع على المكون العسكري الذي عليه تقديم تنازلات لإنجاح الحوار".

ومقابل ارتفاع أسهم الحوار لأجل حل الأزمة، لا تزال القوى المحركة للشارع، الرافضة للحوار، تدفع إلى المزيد من الاحتجاجات، وعلى رأسها "تجمع المهنيين" و"الحزب الشيوعي" و"لجان المقاومة"، لاسيما الأخيرة التي أعلنت عن "جدول تصعيدي" في مايو الجاري.

ويشمل الجدول مظاهرات للمطالبة بحكم مدني ورفضا "للحكم العسكري"، خلال الثاني عشر والسادس عشر والتاسع عشر والسادس والعشرين من مايو، بمختلف مناطق البلاد.

وقالت اللجان في بيان "نعود إلى الشوارع شاهرين هتافنا (..) وتعود السلطة الانقلابية تبحث عن مخرج لتحافظ على رقابها من مشانق الثوار، وتتخبط في التصريحات وتدعو إلى العودة إلى مربع الثورة".

ويرى المحلل السياسي يوسف حمد أن "الحوار الوطني لن يحقق النتائج المرجوة منه بتحقيق الاستقرار في الفترة الانتقالية، لأنه لا يملك القوة الكافية لتوفير ضمانات لما سيسفر عنه".

وأضاف أن "الحوار الوطني للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي يغيب عنه شيء أساسي وهو الأجندة التي سيتحاور حولها الفرقاء، في ظل اختلاف جوهري بين المدنيين والعسكر".

ولفت إلى أن "الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وكذلك العسكر يصفون الوضع في السودان بالأزمة السياسية الحالية، بينما يعتبر المدنيون أنهم في حالة ثورة ضد انقلاب، وهو تباين كبير".

وأردف "القوى الإقليمية والدولية تملك فقط القدرة على الضغط لإنجاح الحوار على المكون العسكري باعتباره كتلة واحدة، ولكن لا تستطيع أن تضغط على القوى المدنية لأنها مختلفة ومتباينة".

ويرى الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر أن "الضبابية تحيط بالحوار رغم اقتراب موعد انعقاده"، مردفا أن معادلة الحوار تضم ثلاثة أطراف رئيسية من المهم أن تشارك فيه، وهي الحرية والتغيير المجلس المركزي، والحرية والتغير الميثاق الوطني، ومجموعة الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين ولجان المقاومة".

وأضاف "غياب أي طرف معناه أن الحوار لن يكون كاملا ولن تكون نتائجه مفيدة، والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين ولجان المقاومة أعلنت موقفها الرافض للحوار ولن تشارك".

وأشار إلى أنه "من المرجح أن يعقّد الحوار الوطني المشهد أكثر، باعتبار أن القوى الفاعلة في الثورة لم تتضح بعد مشاركتها في جلسات الحوار، وبذلك يكون الحوار الوطني أشبه بالحوار الداخلي بين العسكر وقوى الميثاق الوطني الداعمة له".