انطلاق الحملة الانتخابية في كردستان العراق وسط أجواء سياسية محتقنة

الظروف الحافة بانتخابات إقليم كردستان العراق وما واجهته من صعوبات في تحديد موعد لها بعد تأجيلها أكثر من مرّة، وما دار من جدل وصراعات حول تعديل قانونها، ترشّح الحملة الانتخابية لتبلغ درجة كبيرة من السخونة وهي التي كانت قد بدأت أصلا، وبشكل مقنّع، قبل أن يتحدّد الموعد الرسمي لانطلاقها، وذلك من خلال التراشق بين الحزبين الحاكمين في الإقليم وترويج كل منهما بشكل مسبق للفوز في الانتخابات.
أربيل (العراق)- حدّدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق الأربعاء الخامس والعشرين من سبتمبر موعدا لانطلاق الحملة الدعائية لانتخابات برلمان كردستان العراق على أن تنتهي في الخامس عشر من شهر أكتوبر القادم قبل خمسة أيام من إجراء الاستحقاق المقرر للعشرين من الشهر ذاته.
وعلى الرغم من التوقّعات بألاّ يفضي الاستحقاق إلى تغيير في المشهد السياسي في الإقليم والقائم على الثنائية التقليدية التي أبقت على السلطة بيد الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني في المقام الأول، وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني في المقام الثاني، إلاّ مؤشّرات تلوح على بلوغ الحملة الانتخابية درجة غير مسبوقة من الحرارة بسبب اشتداد التنافس على السلطة بين الحزبين، وبروز طموح لدى قيادة حزب الاتحاد لقلب الطاولة على الغريم الديمقراطي وتغيير معادلة الحكم في الإقليم.
ورغم جدية التوجّه نحو إجراء انتخابات الإقليم المؤجلة منذ سنة 2022 إلاّ أن سيناريو إلغاء الاستحقاق ما يزال واردا بحسب متابعين للشأن العراقي وذلك بسبب الوضع السياسي المتوتّر في الإقليم وفي عموم العراق، وبسبب الأحداث المتفجّرة في المنطقة ككل.
وأعلن رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق القاضي عمر أحمد، في مؤتمر صحفي انعقد الثلاثاء، أن مجلس المفوضين صادق على قوائم المرشحين والأحزاب والتحالفات السياسية لانتخابات برلمان كردستان العراق.
وقال إن “عدد القوائم المصادق عليها بلغ 136 قائمة، في ما بلغ عدد المرشحين في التحالفات والأحزاب السياسية والمرشحين الأفراد المصادق عليهم 1191 مرشحا”.
ودعا في كلمته إلى الالتزام بالضوابط في ممارسة الدعايات الانتخابية، منوها إلى أن المفوضية شكلت لهذا الغرض لجان رصد مركزية وفرعية تنسق عملها مع المؤسسات والأجهزة المعنية.
وأعرب عن أمله في ألاّ تتضمن الحملات “أفكارا تثير العنف والكراهية وأن تكون مخرجات هذه الانتخابات خطوة مضافة إلى مستقبل آمن وزاهر لشعب إقليم كردستان”.
كما دعا حكومة الإقليم والوزارات والمؤسسات الرسمية “لتقديم الدعم لإنجاز مهامها وتعاون شركاء العملية الانتخابية للإسهام في جهودها الرامية لإجراء انتخابات حرة وعادلة ونزيهة تحظى بثقة الجميع”.من جانبها أشارت المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي إلى عدد من التعليمات خلال الحملات الانتخابية ومنها أن الدعاية الانتخابية حرة في حدود القانون والنظام العام والآداب.
ونوهت إلى أن المفوضية تحدد مع دوائر البلدية في إقليم كردستان الأماكن التي يمنع فيها ممارسة الدعاية الانتخابية وإلصاق الإعلانات الانتخابية طيلة المدة المسموح بها في حملة الدعاية الانتخابية.
وذكّرت بأنه يمنع استغلال أيّ وسيلة من وسائل الدعاية الانتخابية الخاصة بالمفوضية من قبل الأحزاب والتحالفات السياسية والمرشحين لأغراض الدعاية الانتخابية الخاصة بهم.
وكان موعد إطلاق الحملة الانتخابية قد تأجّل لعشرة أيام وسط حالة من الشدّ والجذب بين حزبي بارزاني وطالباني ورفع لشعارات شعبوية كلاسيكية فارغة من المحتوى بحسب مواطني الإقليم الذين يتوقع المراقبون أن تكون نسبة مقاطعة الانتخابات عالية في صفوفهم في ظل نظرة سائدة للعملية الانتخابية التي لن تخرج في حال إجرائها عن كونها تجديدا لمبايعة الحزبين الرئيسيين على اعتبار أنهما لا يزالان يفرضان سيطرتهما الكاملة على جميع مفاصل الحكم والإيرادات المالية للإقليم وعلى الحياة السياسية والقطاعات العامة والخاصة وشرايين الاقتصاد.
وترافق المسير نحو انتخابات كردستان العراق مع تصاعد وتيرة الأحداث وتفجّر الأزمات في المنطقة واشتعال الجبهة اللبنانية تحديدا، ما قد يشكل فرصة، بحسب بعض المراقبين، لتعطيل المناسبة الانتخابية من قبل حزبي السلطة في الإقليم، خصوصا إذا انضمت الفصائل العراقية المسلّحة الموالية لإيران لحزب الله اللبناني في حربه ضدّ إسرائيل.
ولطالما كان إقليم كردستان العراق معنيا بشكل مباشر بالمشاكل التي تثيرها تلك الفصائل التي تعامل الإقليم في ضوء نظرة إيرانية إليه باعتباره مركزا لأنشطة استخباراتية إسرائيلية مضادة لطهران.
ودون مفاجآت منتظرة تبدو نتائج الانتخابات محسومة سلفا للحزبين اللذين يدخلان الاستحقاق مسلّحين بمئات الآلاف من الأتباع المرتبطين بهما ليس على أساس القناعة بالطروحات الفكرية والسياسية لكل منهما، ولكن على أساس المصلحة المباشرة والمنفعة المادية.
ومنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 1991 في إقليم كردستان فإن الخارطة السياسية تتمحور حول الاحتكار الثنائي للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حيث يتمتع كلاهما بنفوذ ساحق على إدارة مؤسسات الدولة والاقتصاد ووسائل الإعلام، وأن عشرات الآلاف من البيشمركة وقوات الأمن والآسايش تحت تصرفهما وخاضعة لأوامرهما ومئات الآلاف من الموظفين هم جزء من شبكات المحسوبية الخاصة بهم.
وتتحدث مصادر من داخل الإقليم عن قيام الحزبين على مدى سنوات طويلة بحشو قوائم الموظفين العموميين بأسماء أشخاص يتقاضون رواتب شهرية مغرية دون مباشرة العمل بالفعل وهم يشكلون عبئا ماليا ثقيلا على كاهل الإقليم والحكومة الاتحادية التي تدفع مستحقات موظفي الإقليم دون إعادة الايرادات النفطية والداخلية من جانب حكومة الإقليم إلى خزينة الدولة، فضلا عن استمرار عمليات تهريب النفط من قبل الحزبين الرئيسيين إلى إيران شرقا وتركيا شمالا بأقلَّ من نصف أسعار الأسواق العالمية.
وكشفت التقارير الدولية بأنه يتم تهريب حوالي 300 ألف برميل من نفط الإقليم وأن العائدات النفطية تذهب إلى خزينة أفراد عائلتي طالباني وبارزاني، ولذلك فقد المواطنون الأمل بتغيير المعادلات في نظام الإدارة والحكم في الإقليم خاصة بعد كشف الفضائح لحركة التغيير وموتها كقوة معارضة فاعلة في الساحة السياسية، حيث أن معظم كوادرها ونوابها التحقوا مقابل مكاسب مادية بصفوف حزبي الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني.
وتتحدث الأوساط السياسية والإعلامية في الإقليم عن “سوق سوداء” لبيع وشراء الولاءات السياسية لضرب الخصوم من جهة ولسحب القاعدة الجماهيرية من القوى الصاعدة.
حملة مشوبة باستخدام السلطة والمال السياسي لاستمالة ناخبين يصوتون عادة على أساس الارتباط المصلحي بالمرشحين
وكانت حركة التغيير مرشّحة لتكون قوة سياسية ثالثة في الإقليم عندما تأسست سنة 2009 من قبل نوشيروان مصطفى أمين القيادي المؤسس المنشق عن حزب طالباني، حيث كانت في بدايتها حركة جماهيرية وذات قاعدة شعبية هامّة وتسببت شعاراتها باهتزازات كبيرة في سلطة الحزبين، إلاّ أنه بعد الكشف عن توزيع نوشيروان قُبيل وفاته ممتلكات الحركة التي تمثل ثروة طائلة وتحتوي على معامل وعقارات وشركات تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار عجّل بالموت المبكر لحركة التغيير التي تهاوت مصداقيتها في عين جماهيرها.
وتشير الأرقام إلى تراجع اهتمام مواطني كردستان العراق بالانتخابات حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في آخر استحقاق جرى في 2018 نسبة 27 في المئة، ما يعني بالنتيجة أن شرعية حزبي الاتحاد والديمقراطي الكردستاني منقوصة وغير مستندة لدعم جماهيري حقيقي.
وعلى الرغم من سيطرة الحزبين على جميع مفاصل الحكم والحياة السياسية والإدارية إلا أنهما لا يحظيان بشعبية لدى قطاعات واسعة من السكان الذين ينظرون إليهما على أنهما حزبان فاسدان وغير كفؤين يستخدمان أساليب القمع والترهيب ضد مواطني إقليم كردستان.
ووجد استطلاع للباروميتر العربي صدر في عام 2022 أن 63 في المئة من المستطلعة آراؤهم في الإقليم “لا يثقون على الإطلاق” بحكومة إقليم كردستان والنظام السياسي القائم هناك.