انطلاق التسجيل للأطفال في مدارس المغرب يفتح النقاش حول التعليم المبكر

عاد الجدل إلى المغرب بشأن جدوى دخول الأطفال الى المدرسة في سن مبكرة وإمكانية استيعابهم في العملية التعليمية، إذ يرتبط الأمر بعدة عوامل لا تتعلق فقط بالسن بل تشمل طريقة الدراسة والبيئة والخلفية التي جاء منها الطفل.
الرباط - أعلنت وزارة التربية والتعليم الأولي والرياضة في المغرب عن تخصيص شهر أبريل الجاري لانطلاق عملية تسجيل الأطفال في سن الدراسة للموسم الدراسي 2025-2026 ما أعاد إلى الواجهة النقاش حول مدى ملاءمة التحاق الأطفال بالمدارس في سن الخامسة والنصف.
وتباينت مواقف الاختصاصيين بهذا الشأن بالإضافة إلى الجمعيات المهتمة بالطفولة وأولياء التلاميذ، بشأن التسجيل المبكر، بين من يؤكد على إيجابياته في دعم النمو المعرفي والاجتماعي للأطفال، وبين من ينبه إلى مخاطره المحتملة على التوازن النفسي والاستعداد الفعلي للتعلم.
ويجادل البعض بأن هناك صعوبات في إدماج الأطفال بسن مبكرة في الالتحاق بالفصول الدراسية، وتمكينهم من الآليات التعليمية الأساسية بالنجاعة المطلوبة.
ويُعتبر عامل سن التلاميذ الجدد بالتعليم الابتدائي، الذين لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات ونصف أحد الإشكاليات التي يُواجهها المدرّسون، إذ يقول البعض من المدرسين بناء على تجربتهم في هذا المجال أن الأطفال ما دون ست سنوات يجدون صعوبات كبيرة في مسايرة وتيرة التعلم، نظرا لاهتمامهم في تلك المرحلة العمرية باللعب، في حين لا تُوفر مناهج المستوى الأول نمط التعلم عبر اللعب.
ويرى أصحاب هذا التيار أن السن الذي تعتمده وزارة التربية الوطنية للالتحاق بالمدرسة غير مناسب في أغلب مناطق البلاد، إذ يكون الطفل في سنته الخامسة والنصف غير مستعد تماما للانتزاع من حضن اللعب. غير أن مجموعة من الدراسات أجريت حول الموضوع، أثبتت أن تدريب الأطفال على أعمال معينة في سن مبكرة يُعطي نتائج مهمة، نظرا لارتفاع تركيز الطفل ودافعيته إلى التعلم في تلك الفترة العمرية.
ويؤكد قسم آخر من الخبراء أن عدم اندماج المتعلمين الجدد مع الدراسة لا يرجع إلى أعمارهم، بل يرتبط إما بعدم استفادتهم من التعليم الأولي مطلقا، أو نفورهم من الفصول الدراسية نتيجة ممارسات طالتهم، سواء كانت ترهيبا أو نظامية حادّة أو غير ذلك.
وقال إسماعيل العشيري رئيس جمعة “طفلي”، “كلما تلقى الطفل تعليماً مبكراً ازدادت فرصه في اكتساب المهارات الضرورية للنجاح على المستويات الاجتماعية والأكاديمية والمهنية،” مشدداً على أن “توفر تعليم وتكوين جيد في سن مبكرة يُحدث فرقاً واضحاً بين الطفل الذي بدأ تعليمه مبكراً وآخر التحق بالمدرسة في وقت متأخر.”
وأوضح أن “هذه النقطة تفتح الباب للحديث عن المدرسة باعتبارها الفضاء الذي سيتلقى فيه الطفل قدراً كبيراً من المعارف والتكوين، ما يفرض التطرق أولاً إلى مسألة المناخ والمكان الملائمين لضمان تعليم جيد قبل الدخول في نقاش مسألة خفض سن التمدرس.”
◙ خبراء يعتبرون أن عدم اندماج المتعلمين الجدد مع الدراسة لا يرجع إلى أعمارهم، بل نتيجة ممارسات طالتهم
وأكّد العشيري، في تصريح لموقع هسبريس المحلي، أن “مسألة خفض السن قد تكون إيجابية بالنسبة للأطفال في الحواضر والمدن الكبرى، لكنها قد تكون سلبية بالنسبة لأقرانهم في القرى والمناطق الريفية، حيث الفوارق كبيرة على مستوى بنية الاستقبال وظروف العيش اليومية.”
وأكدت الدراسات والبحوث العلمية أن هناك ترابطا ونفعا بين القدرة على القراءة والتقدم الدراسي، لأن القراءة تساعد على تقوية رغبة الطفل في التعلُّم، وتساعده على تنمية قدراته الدراسية وتوسيع مفاهيمه الإدراكية وإطلاق العنان لخياله، وإذا أردنا لأطفالنا أن يجنوا عظيم الفائدة من القراءة، علينا اختيار الكتاب الذي يناسب مرحلتهم العمرية، وهناك عدة نصائح مهمة للأطفال من أجل حب القراءة.
وأفاد تقرير نشره موقع “فوكس” الأميركي أن هناك العديد من الفوائد الكبرى للتعليم المبكر للأطفال منذ سن الثالثة، حيث يساعدهم ذلك، على سبيل المثال في تقوية روابطهم الاجتماعية وبناء علاقات صحية أكثر في المستقبل البعيد.
وأضاف إن هناك تباينا في الآراء بين الباحثين حول التعليم المبكر للأطفال، فمن جهة، تشير مجموعة كبيرة من الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يتلقون تعليما مكثفا في سن الثالثة والرابعة لا يحرزون تقدما كبيرا من حيث القدرات الأكاديمية.
ومن جهة أخرى، تحيل مجموعة من الأبحاث إلى أن التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة له فوائد جمة، فعلى سبيل المثال، يعد الأطفال الذين تلقوا تعليما مبكرا أقل عرضة للاعتقال والسجن وتعاطي المخدرات، فضلا عن أن فرص إكمالهم لتعليمهم تكون مرتفعة.
في الواقع، لا تتجسد فوائد التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة في المهارات الأكاديمية التي يدرسها الطلاب، وإنما لأن الأطفال يمضون كامل اليوم تحت رعاية أشخاص موثوق بهم.
ويرى جبير مجاهد أستاذ باحث في الشأن التربوي، إن “التسجيل في المستوى الأول في سن مبكرة موضوع يحمل إيجابيات وسلبيات، وهو ما يتطلب نقاشا تربويا معمقا حول مصلحة الطفل في هذه المرحلة الحساسة من عمره.”
وأشار مجاهد، إلى أن “من بين الجوانب الإيجابية أن التسجيل المبكر يساهم في تنمية المهارات المعرفية والقدرات الاجتماعية، كما يمكن أن يساعد الأطفال على تطوير قدراتهم في وقت أسرع والانخراط في البيئة التعليمية بشكل مبكر.”
وأكد أن “هذا الانخراط المبكر يمكن أن يحفز الطفل على الاستقلالية والاعتماد على الذات، ما يسهم في تعزيز شخصيته وقدرته على التفاعل مع المواقف الجديدة داخل وخارج الفصل الدراسي.”