انطلاق الامتحانات وسط إجراء حجب الأعداد يربك العائلات التونسية

تتمسك نقابتا التعليم الأساسي والثانوي بقرار حجب الأعداد كإجراء يتخذانه من أجل تحقيق مطالب المدرسين العالقة، وهي مطالب مالية بالأساس تعجز وزارة الإشراف عن تحقيقها في الوقت الراهن، ما يشير إلى استمرار الأزمة بين الطرفين. وأمام هذه الوضعية الصعبة تفقد الأسر التونسية نكهة نجاح أبنائها، خصوصا وأن الامتحانات لن ترفق بوثيقة أعداد تبرز العلامات وملاحظات المدرسين.
تونس - يجتاز تلاميذ المراحل الابتدائية والإعدادية امتحانات الثلاثية الثانية وسط إجراء حجب الأعداد، وهو إجراء لم تستسغه العائلات التونسية، خصوصا وأنه كان قد رافق إجراء امتحان الثلاثية الأولى.
وقالت سلوى بن زايد، وهي أربعينية وأم لطالبين يدرسان بالسنة الثالثة من التعليم الابتدائي والثامنة من التعليم الإعدادي، إنها كانت تنتظر بلهفة حصول ابنيها على نتائج الثلاثية الأولى بعد جهود مضنية بذلتها لأجل مساعدتهما على التفوق.
لكن إجراء حجب الأعداد عكر عليها فرحتها بهذا التميز، خصوصا وأنها هي من قامت باحتساب المعدلات، وليست الإدارة كما جرت العادة.
مشيرة إلى خوفها من تكرار نفس السيناريو إذا لم تتراجع نقابتا التعليم الثانوي والأساسي عن قرارهما.
وكان كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي قد شدد على مواصلة قرار حجب الأعداد للثلاثية الثانية من العام الدراسي الجاري، إلى حين التوصل إلى اتفاق.
واعتبر اليعقوبي، في تدوينة على صفحته على فيسبوك، أن خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيّد مساء الجمعة الفارط “فيه تهديد واتهامات غير مقبولة”، مشددا على أن “لا تنازل عن حقوق المدرسين والمدرسات”، وأن “الحل يكمن في طاولة المفاوضات لا الاتهامات والتهديدات”، وفق تعبيره.
ويذكر أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال لقاء جمعه بوزير التربية محمد علي البوغديري، مؤخرا، كان قد شدد على أن “حجب الأعداد في كل سنة أمر غير مقبول، وأنه لا سبيل لأن يكون التلاميذ رهائن”.
كما أكد أنه سيتم في القريب العاجل إدخال إصلاح جذري على المنظومة التربوية بكافة مراحلها.
كما كانت نقابة التعليم الأساسي قد هددت بمقاطعة الامتحانات في الثلاثية الثانية بعد قرارها حجب الأعداد في الثلاثية الأولى.
وقال خالد بن منصور، والد التلميذة لجين التي تدرس بالسنة الثالثة ابتدائي، إن قرار حجب الأعداد فيه ظلم للتلميذ ولولي أمره على حد سواء، حيث إن الأولياء يرافقون أبناءهم في كل تفاصيل الإعداد للامتحانات ولا يدخرون جهدا من أجل نجاحهم، ومن غير المنطقي أن تذهب جهودهم سدى.
وناشد بن منصور عبر “العرب” سلطة الإشراف ونقابة التعليم الأساسي الوصول إلى اتفاق من أجل إلغاء قرار حجب الأعداد خلال هذه الثلاثية.
وكانت الجامعة العامة للتّعليم الأساسي، قد عبرت عن رفضها لتصريح رئيس الجمهورية قيس سعيّد بشأن عملية حجب الأعداد، مؤكدة مضيها في تنفيذ قرار حجب أعداد الثلاثي الثاني عن الإدارة.
وأفادت الجامعة في بيان لها بأن المدرسين سيواصلون الدفاع عن مطالبهم بكل الوسائل، ومنها حجب أعداد الثلاثي الثاني عن الإدارة، مع إقرار حق التلميذ وولي أمره في الاطلاع على ورقة الاختبار ومعرفة أعداده.
واعتبرت الجامعة أن تصريح الرئيس سعيّد جاء بنبرة تفوح منها رائحة التهديد وتأليب الرأي العام على المدرسين، مستهجنة وصفه للتلميذ بالرهينة، في محاولة للإساءة إلى المدرسين معنويا والتحريض عليهم، وفق نص البيان.
وأضافت أن اتهامها بممارسة السياسة بديلا عن دورها في الدفاع عن حقوق منظوريها “مجانب للصواب”، مشددة على أن كل فعل نقابي هو فعل سياسي باعتباره يهدف إلى رفع تداعيات وآثار السياسات المتبعة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي للمدرسين.
واعتبرت أن السلطة التنفيذية كان حريا بها أن تبادر بالاهتمام بوضعية المدرسة الابتدائية التي اهترأت بنيتها التحتية، وبمناهجها التربوية والعمل على حل مشاكل المدرسين الذين تدهورت قدرتهم الشرائية وتراجعت مكانتهم الاجتماعية.
وخلال أشغال الهيئة الإدارية للتعليم الأساسي المنعقدة في السابع والعشرين من فبراير الماضي، تم اتّخاذ قرار إلغاء مقاطعة الثلاثي الثاني والتمسّك بمواصلة حجب الأعداد للثلاثي الثاني، وفق ما أكّده توفيق الشابي الكاتب العام المساعد بالجامعة العامة للتعليم الأساسي.
وقال الشابي “لم نرد أن تكون المعركة مع أبنائنا التلاميذ، وحتّى لا نحرمهم من حقّهم في التمدرس والتقييم قررت الهيئة الإدارية إلغاء مقاطعة امتحانات الثلاثي الثاني ومواصلة حجب الأعداد بالنسبة للثلاثي الثاني، حتى نمكّن التلاميذ من حقّهم في التقييم والاطّلاع على أعدادهم، لأنّ معركتنا في نهاية الأمر مع وزراة التربية لا مع التلاميذ والأولياء”.
وكانت الجامعة العامة للتعليم الثانوي قد أصدرت بيانا فسرت فيه أسباب قرار حجب الأعداد خلال الثلاثية الأولى.
وأكدت الجامعة تمسكها ومختلف هياكلها النقابية بتنفيذ قرار حجب الأعداد عن الإدارة، الذي اتخذته الهيئة الإدارية القطاعية المنعقدة بتاريخ الأول من سبتمبر 2022، ودعت جميع المدرسات والمدرسين إلى التجند الجماعي لإنجاحه.
الجامعة العامة للتّعليم الأساسي عبرت عن رفضها لتصريح رئيس الجمهورية قيس سعيّد بشأن عملية حجب الأعداد وتؤكد مضيها في تنفيذ شروطها
وبخصوص أسباب هذا القرار، بينت أنه اتخذ نظرا لإصرار وزارتي التربية والشباب والرياضة على غلق باب التفاوض وتماديهما في تجاهل مطالب المدرسات والمدرسين، وفي التنكر لحقوقهم والالتفاف على مكاسبهم الشرعية والقانونية.
وطالبت النقابة بتنفيذ وزارة التربية الفوري لما بقي عالقا من بنود اتفاق التاسع من فيفري 2019 مثل التقاعد الاستثنائي لأسباب صحية، والتكليف بعمل تربوي أو بيداغوجي، والترقية الاستثنائية الخاصة بأساتذة السلك المشترك دفعة 2015، والتزام وزارتي التربية والشباب والرياضة بصرف المتخلدات المالية العالقة واحترام قيمتها وأجلها.
وطالبت الجامعة بالإسراع بفتح تفاوض جدي ومسؤول حول كل الملفات المطروحة بينها ووزارتي التربية والشباب والرياضة، سواء ما تعلق منها بتحسين واقع المدرسات والمدرسين المادي أو بتطوير ظروف العمل داخل المؤسسات التربوية، والتصدي لاستشراء ظاهرة العنف داخلها. والتحسين الفوري لمقدرة المدرسات والمدرسين الشرائية عبر مجمل النقاط التي تضمنتها لوائح القطاع المهنية، وعلى رأسها مضاعفة قيمة المنحة الخصوصية المالية، ومضاعفة قيمة مستلزمات العودة المدرسية وتعميمها على المديرين والنظار، ومضاعفة قيمة الترقيات المهنية.
والتسوية الشاملة لملف الأساتذة النواب والقطع مع جميع أشكال هشاشة التشغيل. وكان وزير التربية المقال فتحي السلاوتي قد أكد قبل مغادرته الوزارة أنّ “وضعية المالية العمومية في تونس تمنعهم لسوء الحظ من الإيفاء ببعض التعهدات التي حصلت، وخاصة من تلبية العديد من المطالب المالية للمربّين”.
وتابع السلاوتي أنّ “الهبة المقدّمة من القطاع البنكي لفائدة وزارة التربية السنة الفارطة وقيمتها 50 مليون دينار، مكّنت الوزارة من تهيئة 393 مؤسسة تربوية”، مضيفا أنّ “مشروع الرقمنة مستمر عبر مشروع ممول من البنك الدولي، يقضي بمدّ شبكة الإنترنت لكل المؤسسات التربوية بلا استثناء”.