انشغال إيران والتراجع شمالا يحرجان موقف الجيش السوداني

المحسوبون على التيار الإسلامي يرفضون وقف الحرب رضائيا.
الخميس 2025/06/19
تعقيدات غير منتظرة

يواجه الجيش السوداني وضعا ميدانيا معقدا، بعد أن فقد الرهان على دعم إيران، الذي كان مهما في إحدى الفترات وساهم بحسب تقارير استخبارية في استعادة الجيش لتوازنه نسبيا أمام قوات الدعم السريع.

الخرطوم - وضعت الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران المزيد من الصعوبات أمام رغبة قادة الجيش السوداني في الحسم العسكري للصراع الدائر مع قوات الدعم السريع، إذ أن مسار المساعدات الذي تحدثت عنه تقارير استخباراتية والذي يأتي من طهران إلى الجيش توقف، ونتائجه قد تظهر في تراجع فعالية سلاح الجو والمسيرات، كأسلحة تتحكم بشكل كبير في مسار الحرب حاليا.

ويتزامن ذلك مع ضغوط تمارسها قوات الدعم السريع على الجيش، حيث حققت تقدما مهم في بعض المناطق شمال السودان، وقد تظهر أهميتها في الحرب الفترة المقبلة.

ورغم أن موقف السودان من الحرب بين تل أبيب وطهران جاء متشابها إلى حد كبير لمواقف غالبية الدول العربية والإسلامية التي أدانت الضربات الإسرائيلية على إيران، غير أن قوى متحالفة مع الجيش عبرت عن استعدادها للذهاب بعيدا في دعم طهران، ودعت الحركة الإسلامية إلى تشكيل جبهة موحدة في مواجهة إسرائيل، وقالت إنها “ترفع راية المقاومة إلى جانب إيران.”

عادل سيد أحمد: سيطرة فلول البشير على المشهد خلقت تضاربا في المواقف
عادل سيد أحمد: سيطرة فلول البشير على المشهد خلقت تضاربا في المواقف

ومنذ أن أعلنت الخارجية السودانية التابعة للحكومة الموالية للجيش استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران في أكتوبر 2023، توسعت مجالات التعاون بين الجانبين، وتحدثت تقارير إعلامية واستخباراتية عن إبرام المؤسسة العسكرية في السودان صفقات أسلحة وطائرات مسيرة مع طهران.

ويرى متابعون أن تأثيرات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية على السودان أبعد من مسألة الدعم العسكري الذي قيل إن طهران تقدمه للجيش، ويرتبط باعتماده على دول مثل روسيا وإيران طيلة السنوات الماضية وأن انشغال الأولى بحربها مع أوكرانيا، والثانية بحربها مع إسرائيل، يجعل التعاون معهما صعبا إن لم يكن مستحيلا.

وقد يكون تعيين رئيس الوزراء كامل إدريس محاولة لتصحيح علاقات مع الدول الغربية، حيث يملك الرجل روابط مع عواصم أوروبية عديدة، في رسالة بأن الجيش السوداني ليس خاضعا بشكل كامل لكل من روسيا وإيران، وأنه قد يبدي مرونة للعودة إلى مفاوضات قد تنهي الحرب، فالحرب بين إسرائيل وإيران تفرض على قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان إعادة حساباته، مع ضغوط خارجية يمكن أن تمارس عليه لوقفها.

وقام وزير الخارجية السوداني المقال علي يوسف الشريف في فبراير الماضي بزيارة إلى طهران بعد أسبوع واحد من زيارة قام بها لموسكو، شهدتا حديثا عن دعم عسكري للجيش السوداني سوف تقدمه روسيا وإيران، وأعقب ذلك حصول قوات الدعم السريع على مسيرات متطورة لعبت دورا مهما في مسار الحرب الفترة الماضية.

ويبدو أن مشكلة السودان تكمن في أن محسوبين على التيار الإسلامي لن يستسلموا لوقف الحرب رضائيا، كما ترفض قوات الدعم السريع وقفها، مؤكدة أنها ماضية في المسار العسكري، مستفيدة من رؤيتها واحتمال تراجع قدرات الجيش ميدانيا.

وقال المحلل السياسي عادل سيد أحمد إن السودان في فترات الحكم الشمولي، لاسيما في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، والبرهان حاليا، لطالما كان تائها بين المحاور المختلفة، ولا يتعامل مع العلاقات الدولية بوعي المصالح المحصنة إنما بفهم تكتيكي ضيق يقوم على الارتكان إلى أكثر دول العالم عزلة. وقد دفع الحصار الاقتصادي والسياسي للسودان قبل عقود، البشير للبحث عن تحالف ذي سمة عسكرية وأمنية في المقام الأول، وهرع إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل سقوط حكمه.

وأضاف سيد أحمد في تصريح لـ”العرب” أن هذا النوع من التحالفات قام على أساس إيجاد موطئ قدم لروسيا في البحر الأحمر، مقابل أن توفر لنظام البشير الحماية، والمحطة الأخيرة كانت الأولى للمكون العسكري في السودان بعد الثورة، وتعزز ذلك بعد أن حاول البرهان كسر عزلته الدولية مع انقلابه على السلطة المدنية في أكتوبر 2021 واندلاع الحرب، واتجه نحو ما يوصف بـ”دول العكننة”، وهي إيران وروسيا.

وأشار إلى أن اندلاع صراع بين طهران وتل أبيب ستكون له ظلال سلبية على معسكر الجيش، رغم أن حكومة بورتسودان تتعامل مع هذا الملف بشكل تكتيكي ولم تبد وجهة نظر صريحة وواضحة، ويضع هذا الموقف في الحسبان التحرك المنفرد للبرهان حينما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو في عنتيبي قبل خمس سنوات، وأن سيطرة فلول البشير على المشهد خلق تضاربا في مواقف السودان الرسمية.

ولفت إلى أن انقطاع مسار الدعم من إيران يجعل الجيش أمام دعم عسكري تركي وحيد، وأن غالبية المسيرات التي حصل عليها الجيش جاءت بتسهيلات من إيران أو تركيا، وفي الوقت ذاته يواجه البرهان ضغوطا حثيثة ومحفزات خليجية من خلال السعودية التي وعدت بالمساعدة في إعادة الإعمار، شريطة توقف الحرب، وهو موقف تتبناه قوى إقليمية أخرى، ما يدعم إمكانية إبعاد تنظيم الإخوان من المشهد السياسي وفتح أفق لتعاون دولي مع الحكومة الجديدة التي يجري تشكيلها.

قوات الدعم السريع حققت تقدما مهما في بعض المناطق شمال السودان، وقد تظهر أهميتها في الحرب الفترة المقبلة

ويواجه البرهان ضغطا موازيا بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على منطقة جبل كرب التوم، التي تتمتع بموقع إستراتيجي على الحدود بين الولاية الشمالية وإقليم دارفور، وتُعد ممرا حيويا للإمدادات بين دارفور وكردفان، وجزء من المناطق الصحراوية السودانية المحاذية لمواقع مثل “الراهب” و”النخيل”، وقبلها سيطرت الدعم السريع على المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، بعد انسحاب الجيش من المنطقة.

وأوضح مصدر عسكري، تحدث مع “العرب” شريطة عدم ذكر اسمه، أن المنطقة التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في عمق الصحراء شمال غرب ولاية شمال دارفور، وتبعد 500 كيلومتر عن مدينة دنقلا في شمال السودان، لافتا إلى أن الولاية الشمالية محصنة ومن المستحيل اختراقها وتوجد حشود كثيفة وطيران يؤمن المنطقة، وأن منطقة المثلث الحدودي ليست مؤثرة على المستوى العسكري، ويبقى تأثيرها من حيث وصول الإمدادات، نافيا أن تكون لتلك التطورات تأثيرات على مسار الحرب.

وأكد أن الحرب بين إسرائيل وإيران لن تؤثر بصورة كبيرة، وإن كانت سوف تخفف الدعم المقدم إلى الجيش، وأن تطورات الصراع قد تؤدي إلى اتجاه طهران نحو استهداف المصالح الأميركية في المنطقة، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من الحرب في السودان انتهى، ولا يتبقى أمام الجيش سوى السيطرة على كردفان ودارفور.

ويخلط تواجد قوت الدعم السريع في هاتين المنطقتين، وتوسيع نطاق سيطرتها على مناطق في الولاية الشمالية، أوراق الجيش الفترة المقبلة، حيث لا يستطيع تحديد توجهاته الميدانية، بسبب ظهور مفاجآت خارج التوقعات من وقت لآخر.

 

اقرأ أيضا:

        • الجيش والحركة الإسلامية في السودان: ارتباط عضوي لا فكاك منه

2