انسحاب فرنسا يمهد الطريق لأفغانستان ثانية في الساحل والصحراء

طولون (فرنسا) – اعتبر خبراء في الحرب على الإرهاب أن قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنهاء مهمة قوة برخان المكلفة في مكافحة الجهاديين بمثابة إطلاق لأيدي المسلحين المتشددين في منطقة الساحل والصحراء، تماما مثل الانسحاب الأميركي من أفغانستان الذي مكّن طالبان من استلام الحكم.
وقال الخبراء إن فرنسا، التي سعت لخوض الحرب على الإرهاب بمفردها في الساحل والصحراء، تريد أن تنسحب الآن وتكلف القوات المحلية بخوض الحرب على أن تكتفي هي بالدعم الاستخباري والتدريب، أي القيادة من الخلف بدل المواجهة الميدانية، وهو ما يعني أن الحركات الجهادية ستعود بقوة لأن الجيوش المحلية محدودة التسليح والخبرة في الحرب على الإرهاب، وأن دول المنطقة ستجد نفسها في مواجهة أفغانستان ثانية في الساحل والصحراء.
وحاول الرئيس الفرنسي الإعلان عن قرار الانسحاب دون إثارة غضب الفرنسيين أو شركائه الأفارقة، من خلال الحديث عن الإستراتيجية الفرنسية الجديدة في أفريقيا التي قال إنها ستكون جاهزة في غضون ستة أشهر بعد مشاورات باريس مع شركائها في القارة، في إشارة إلى الخطوات التي ستتخذها فرنسا بعد الانسحاب وكيفية تهيئة جيوش المنطقة لهذه الحرب الصعبة.
الحركات الجهادية ستعود بقوة لأن الجيوش المحلية محدودة التسليح والخبرة في الحرب على الإرهاب
وقال ماكرون خلال عرضه الإستراتيجية الفرنسية الدفاعية الجديدة “سنطلق في الأيام المقبلة مرحلة مشاورات مع شركائنا الأفارقة وحلفائنا والمنظمات الإقليمية لكي نطور معًا وضع وشكل ومهمات القواعد العسكرية الفرنسية الحالية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا”.
وأضاف “ستكون هذه الإستراتيجية جاهزة خلال ستة أشهر (…)، إن هذا الأمر أساسي وهو أحد تداعيات ما عشناه في السنوات الأخيرة في كلّ منطقة الساحل”.
ولا تترتب على إعلان انتهاء عملية قوة برخان تبعات فورية تطال الجهاز العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، والذي يضم نحو ثلاثة آلاف جندي في النيجر وتشاد وبوركينا فاسو، بعد أن ضمّ ما يصل إلى 5500 جندي في ذروة انتشاره.
وقال ماكرون “يجب أن تكون تدخّلاتنا محدودة زمنيّا (…)، لا نعتزم أن نبقى ملتزمين دون حدود زمنية في عمليات في الخارج”.
وأضاف “سيتواصل دعمنا العسكري للدول الأفريقية في المنطقة، لكن وفق الأسس الجديدة التي حددناها مع هذه الدول”، متابعًا “سيتكيّف دعمنا مع مستوى كل دولة حسب الحاجات التي سيعبّر عنها شركاؤنا”.
ويتعين على باريس أن تتعامل مع رأي عام أفريقي معادٍ لها بشكل متزايد؛ حيث ينمو تأثير القوى المنافسة، التي على رأسها موسكو، عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرسمية.

وغادر الجيش الفرنسي مالي في أغسطس الماضي بعد تسع سنوات من الوجود تحت ضغط المجلس العسكري الحاكم الذي يعمل الآن -وإن أنكر ذلك- مع مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية.
وتابع ماكرون الأربعاء “لن نكون متفرجين صبورين” يشهدون انتشار أخبار زائفة أو سرديات معادية لفرنسا، مشيرًا إلى أن “تأثير” فرنسا سيرقى إلى مستوى “الوظيفة الإستراتيجية” التي ستعمل عليها وزارة الدفاع الفرنسية.
وقبل كلمة ماكرون قال قصر الإليزيه إن خطاب الرئيس “فرصة للاحتفال رسميّا بانتهاء عملية برخان والإعلان عن عملية تكييف كبيرة لقواعدنا في أفريقيا”.
الدول الخمس لا تخفي ترددها في قبول مهمة خوض الحرب ضد الجهاديين، فهي لا تمتلك التسليح الكافي ولا الخبرات في حرب العصابات
وذكر الإليزيه أن المبدأ هو “الحد من انكشاف قواتنا العسكرية وظهورها في أفريقيا والتركيز على التعاون والدعم (…) وأساسا من ناحية المعدات والتدريب والاستخبارات والشراكة إذا رغبت الدول في ذلك”.
وفور وصوله إلى السلطة راهن ماكرون على إنشاء قوة لمكافحة الجهاديين من قبل الدول الخمس في مجموعة الساحل لتمهيد الطريق أمام مهمة إنهاء عملية برخان، لكن ذلك لم يكن ممكنا.
وزار ماكرون باماكو في الثاني من يوليو 2017 لحضور قمة أطلقت خلالها مجموعة دول الساحل الخمس رسميا قوتها المشتركة، لاستعادة الأرض التي خسرتها من الجماعات الجهادية، ولاسيما في منطقة الحدود الثلاثة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الدول الأعضاء في هذه المنظمة الإقليمية إلى جانب موريتانيا وتشاد.
ولا تخفي الدول الخمس ترددها في قبول مهمة خوض الحرب ضد الجهاديين، فهي لا تمتلك التسليح الكافي ولا الخبرات في حرب العصابات ومعارك الاستنزاف، وترى أن على فرنسا أن تستمر في تحمل المسؤولية. والآن، بعد أن حسم ماكرون الأمر بالانسحاب، لا يبدو أن أي دولة من الدول المعنية، جماعيا أو فرديا، قد استعدت لهذه اللحظة.
وعبّرت الأمم المتحدة ضمن تقرير في مايو 2021 عن أسفها لأنه “بسبب محدودية قدراتها التشغيلية واللوجستية، مازالت القوة المشتركة (الخاصة بالدول الخمس) تواجه صعوبة كبيرة في إمداد قواتها”. وأضافت أن “عدم كفاية المعدات ظل شاغلا يوميا يعيق كفاءة وعمليات الجنود المنتشرين في المعسكرات ويقوض معنوياتهم”.

