انسحاب تشاد من مكافحة الإرهاب في الساحل يقوي شوكة الجهاديين

نجامينا – يثير إعلان الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو انسحاب بلاده من عمليات مكافحة الجماعات الجهادية في دول الساحل تساؤلات بشأن تداعيات ذلك على الحرب التي تخوضها قوات مشتركة وتقودها فرنسا في المنطقة.
وكان الرئيس التشادي قد أعلن وقف مشاركة بلاده في عمليات مكافحة الجهاديين خارج حدودها، متعهدا مساء الجمعة بأن بلاده ستتفرد في القتال ضد تنظيم بوكو حرام في وقت كان يتفاخر به جيشه بأنه رأس حربة في القتال ضد المتمردين في المنطقة.
ولوقت قريب كان الجيش التشادي يعقد تحالفات إقليمية وثنائية من الحدود مع السودان وأفريقيا الوسطى وصولا إلى مالي وهي منطقة ترزح تحت وطأة الحرب منذ أعوام بسبب تمرد بعض الجماعات المعارضة أو نشأة حركات جهادية على غرار بوكو حرام.
وأدى انخراط التشاد في الحرب على الجماعات الجهادية في الساحل إلى تكبدها خسائر فادحة في عناصر قواتها المسلحة.
ويقول الرئيس ديبي إن الهدف من هذا الانخراط هو حماية الحدود مع الدول المجاورة التي تواجه عدم استقرار، لكن هذه التعليقات تمثل كذلك تبريرا لشرعيته كعسكري وصل إلى السلطة بقوة السلاح قبل 29 عاما.
وفي السنوات الأخيرة، كرر رجل تشاد القوي أكثر من مرة علنا القول “إن جيش بلاده يقاتل وحيدا” في الساحل ومنطقة بحيرة التشاد التي كانت تسيطر عليها بوكو حرام المتطرفة وجماعات مسلحة أخرى.
ويشير دبلوماسي من الساحل في واغادوغو إلى أن “الحقيقة هي أن الجيش التشادي هو من أفضل جيوش المنطقة. وديبي يقول ذلك ويتلاعب بشركائه انطلاقا من ذلك”.
ويشارك هذا الجيش في القوة المختلطة متعددة الجنسيات التي تقاتل منذ عام 2015 بوكو حرام الجهادية. وظهرت الجماعة في شمال شرق نيجيريا لكنها وسعت نشاطها إلى منطقة حوض بحيرة تشاد على الحدود مع النيجر والكاميرون.
ولكن هذا البلد يساهم كذلك بقوات في مهمة الأمم المتحدة في مالي وهو أيضا جزء من منظمة جي.5 لدول الساحل الخمس التي تضم كلاّ من موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، التي أطلقت رسميا في عام 2017 قوتها المشتركة للقتال ضد المجموعات الجهادية.
وفي يناير، وافق الرئيس التشادي خلال قمة في بو (جنوب غرب فرنسا)، على إرسال كتيبة إضافية من 480 عنصرا إلى منطقة “الحدود الثلاثية” بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في إطار القوة المشتركة لدول الساحل الخمس.
وتقدم تشاد الدعم بعيدا عن حدودها لكن ليس دون مقابل. فهذا البلد رغم موارده النفطية المتواضعة، يستفيد من “مبالغ مالية مرتبطة بالعمليات الخارجية” لدى شركائه خصوصا فرنسا، وهو أمر شديد الأهمية بالنسبة للسلطة، كما يشرح إبراهيم مايغا الباحث في معهد دراسات الأمن.
وفرنسا انخرطت في الحرب ضد الجهاديين في منطقة الساحل في 2013 لكنها باتت تتكبد بدورها خسائر كبيرة، لكن هذه الخسائر لا تضاهي خسائر دول المنطقة وتشاد على وجه الخصوص.
وفي 23 مارس على سبيل المثال أدى هجوم لبوكو حرام على شبه جزيرة بوهوما في تشاد إلى مقتل نحو مئة عسكري تشادي، في أكبر حصيلة حتى اليوم يتكبدها هذا الجيش.
ووفق عدد من المسؤولين العسكريين الذين طلبوا عدم كشف هوياتهم، كانت القاعدة الواقعة على بعد ساعات من نجامينا، تشهد نقصا في العناصر لأن بعضهم كان يجري إعادة نقله لخارج البلاد في إطار مجموعة دول الساحل الخمس.
وكان ديبي قد هدد سابقا بسحب الجيش التشادي من العمليات الإقليمية دون أن ينفذ تهديده.
ولكن “ما حصل على ضفاف بحيرة تشاد كان القشة التي قسمت ظهر البعير”، كما يوضح الأمين العام السابق للرئاسة التشادية والمتحدث باسم الحزب الحاكم جان برنارد باداريه.
وأضاف باداريه “كنا نأمل الحصول على مساعدة ودعم من الدول المعنية خصوصا النيجر ونيجيريا لكننا للأسف رأينا أنها لم تتحرك”.
ومن جانبه أعلن المتحدث باسم الحكومة التشادية عمر يحيا حسين “ما لم يلتزم رؤساء الدول بمبدأ التضامن، سيكون صعبا حاليا لنا الانخراط وحيدين (في القتال)، في إطار مجموعة دول الساحل الخمس والمنطقة بشكل عام”.
ولكنه قال إن العسكريين المنتشرين “في مالي في إطار مهمة الأمم المتحدة لن يطالهم الإجراء”.
ويتعلق إعلان الرئيس ديبي، حسب ما أكده باداريه بدوره خصوصا “بالكتائب التشادية في مجموعة دول الساحل الخمس فقط”.
وستكون لهذا القرار نتائج ثقيلة على قوة دول الساحل الخمس، حيث الكتيبة التشادية هي الأولى التي كانت منتشرة بشكل دائم خارج حدود بلدها.
ومهمة هذه الكتيبة مد يد المساعدة للقوات الموجودة أصلا في المنطقة “ضمنها قوات برخان” الفرنسية، كما أكد مسؤول في هذه العملية الفرنسية مطلع عام 2020.
ولم تعلق وزارة الجيوش الفرنسية ولا رئاسة الأركان لقوة دول الساحل الخمس المشتركة على مسألة انسحاب تشاد. ونقل جزء من الكتيبة التشادية السبت إلى وسط النيجر بانتظار التعليمات، وفق مصدر في مجموعة دول الساحل الخمس.
والقوة المشتركة التي تواجه انتقادات أصلا بسبب عدم تحقيقها نتائج، تلقت “الآن ضربة رمزية”، وفق مراقب من باماكو، معتبرا أنها “باتت أكثر فأكثر عبارة عن هيكل فارغ”.