انحياز محمد المنفي لموقف حكومة الدبيبة يعكس فشل الرهان المصري

ارتياح أميركي لدور المجلس الرئاسي في ليبيا.
الأربعاء 2023/01/25
رئيس المجلس الرئاسي يشيد بدعم تونس لجهود حكومة الوحدة

أكد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي رفضه لما حصل في الاجتماع التشاوري لمجلس وزراء الخارجية العرب في طرابلس، والذي شهد مقاطعة واسعة للعديد من الدول العربية، وبدا موقف المنفي متناغما إلى حد بعيد مع موقف حكومة الوحدة.

طرابلس - يعكس انحياز رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى موقف حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، بشأن اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي عقد مؤخرا في العاصمة طرابلس وشهد مقاطعة واسعة، فشل الجهود المصرية في كسب دعم المجلس الرئاسي لفرض مسار جديد في ليبيا يقضي بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة.

ويرى مراقبون أن المنفي يدرك تعقيدات السير في هذا المسار، خصوصا في ظل المواقف الغربية، ولاسيما الأميركية المتحفظة عليه، والتي تميل إلى الإبقاء على حكومة الوحدة بقيادة الدبيبة، إلى حين إجراء الانتخابات العامة في هذا البلد. وأكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي تمسك بلاده بـ”ممارسة حقوقها الكاملة” في جامعة الدول العربية، رافضا ما اعتبره “انحياز الجامعة لطرف أو جهة ما”.

وجاء حديث المنفي غداة غياب دول عربية عديدة عن المشاركة في اجتماع وزاري تشاوري للجامعة العربية استضافته طرابلس التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة، التي تضم 22 دولة ويوجد مقرها في العاصمة المصرية القاهرة. ووفق بيان صادر عن الخارجية الليبية، فقد اجتمع المنفي في العاصمة طرابلس الاثنين مع كل من وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة نجلاء المنقوش ونظيرها التونسي عثمان الجرندي ووفد مرافق له.

ريتشارد نورلاند: الولايات المتحدة تدعم المجلس الرئاسي في مشروع المصالحة
ريتشارد نورلاند: الولايات المتحدة تدعم المجلس الرئاسي في مشروع المصالحة

وأعرب رئيس المجلس الرئاسي عن “شكره وتقديره لتونس لدعمها جهود حكومة الوحدة الليبية بتولي رئاسة جامعة الدول العربية”، مشيرا إلى رفضه "أي تمييز تجاه حقوقها وواجباتها (بلاده)"، ومؤكدا "إصرار ليبيا على ممارسة حقوقها الكاملة بالجامعة". وشدد على “رفضه انحياز الجامعة لطرف أو جهة ما”، لافتا إلى ضرورة أن تقوم الجامعة بـ"لعب دور يعزز التماسك والوحدة بين الدول الأعضاء".

وكانت حكومة الوحدة لمحت في وقت سابق إلى دور مصري خلف المقاطعة التي شهدها الاجتماع التشاوري، وقالت الحكومة ممثلة في وزيرة الخارجية إن "الجامعة العربية أقحمت نفسها في الانحياز الواضح لأحد الدول (لم تسمها)، وهو ما تمنينا تجنبه حرصا على وحدة الصف العربي".

ويرى المراقبون أن مقاطعة دول عربية وازنة الاجتماع كانت بمثابة نزع أي "شرعية" عن حكومة الدبيبة المفترض أنها انتهت ولايتها في يونيو الماضي، ولا يستبعد هؤلاء أن تكون التحركات المصرية خلف هذا الموقف.

ومنذ مارس الماضي تتصارع في ليبيا حكومتان، إحداهما برئاسة فتحي باشاغا وكلفها مجلس النواب بطبرق (شرق) والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب. وقد فشلت حكومة باشاغا في فرض سلطتها، وقد بان بالواضح أنها لا تملك آليات الاستمرار، في المقابل تنازع حكومة الدبيبة لفرض وجودها، مستندة في ذلك إلى دعم أميركي وتركي.

ويرى متابعون أن موقف المنفي الذي سبق وأن زار القاهرة قبل نحو أسبوعين حيث التقى هناك بقائد الجيش المشير خليفة حفتر، يبدو متأثرا بأجواء الرفض الأميركية لمسار تشكيل حكومة جديدة. ويشير المتابعون إلى أن المنفي يبدو أنه لا يرغب في أن يصبح ضمن المعسكر الذي تدعمه مصر، مع السعي في الآن ذاته للحفاظ على علاقات جيدة مع القاهرة.

ويقول المتابعون إن رئيس المجلس الرئاسي يتعاطى ببراغماتية شديدة، جعلته في الفترة الأخيرة محل اهتمام وتركيز القوى المتدخلة في الشأن الليبي، لاسيما بعد إطلاقه مبادرة المصالحة، ويلفت هؤلاء إلى أن الأخير بالتأكيد سيحاول استثمار الوضع لصالحه، لاسيما مع تراجع الثقة الدولية في المؤسسات الليبية الأخرى المتمثلة أساسا في مجلسي النواب والأعلى للدولة.

وتلقى رئيس المجلس الرئاسي مساء الاثنين اتصالا هاتفيا من المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند. وحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، "تم التطرق خلال الاتصال إلى الخطوات التي يقوم بها رئيس المجلس، لكسر الجمود السياسي والدفع بالعملية السياسية من خلال لقاءاته الأخيرة، لتحقيق آمال الليبيين بالوصول إلى الانتخابات في أقرب الآجال".

◙ المنفي يبدو أنه لا يرغب في أن يصبح ضمن المعسكر الذي تدعمه مصر مع السعي في الآن ذاته للحفاظ على علاقات جيدة مع القاهرة

وأكد السفير الأميركي دعم الولايات المتحدة للمجلس في مشروع المصالحة الوطنية، والتقدم الذي أحرزه من خلال الملتقى التحضيري الذي عقد خلال الفترة القليلة الماضية. وسجلت في الفترة الأخيرة عودة لافتة للاهتمام الأميركي بالساحة الليبية، وسط حديث متزايد عن أن واشنطن تقود مسارا يقوم على توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، مع الدفع باتجاه انتخابات تحت إشراف حكومة الدبيبة.

ويربط البعض هذا الاهتمام برغبة واشنطن في سد المنفذ الليبي أمام روسيا وطرد عناصر فاغنر، التي تقول تقارير إنها منتشرة في المواقع والموانئ النفطية.

وقال المحلل العسكري شريف عريقيب إنه لأول مرة نجد مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى يجرون لقاءات مكثفة مع كل الأطراف الليبية منذ عام 2021. ورأى عريقيب، في تصريحات لوسائل إعلام محلية الثلاثاء، أن هذه التحركات تشير إلى صراع سياسي كبير قد يطرأ في ليبيا على خلفية الصراع الأميركي - الروسي الذي يشهده العالم حاليا.

وأوضح عريقيب أن كل المؤشرات توضح أن محور اللقاءات كان الوجود الروسي في الأراضي الليبية، المتمثل في مقاتلي شركة فاغنر الروسية. ولفت إلى أن واشنطن تريد التخلص من هذا الصداع لأن فاغنر تتمدد من بوابة ليببا بشكل كبير داخل أفريقيا، بعد الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الفرنسي العسكري من دول مثل مالي.

4