انحياز الجزائر إلى الأزواد يوتّر علاقتها بالمجلس العسكري في مالي

الجزائر – استدعت وزارة الخارجية في مالي الخميس السفير الجزائري الحواس رياش، حيث تم إبلاغه احتجاجا وصف بـ”الشديد”، بسبب تدخل بلاده في شؤون مالي الداخلية، في حين رجح محللون أن يكون السبب استقبال الجزائر قادة أزواديين على أراضيها في الآونة الأخيرة.
وتتواجد منذ عدة أيام قيادات سياسية أزوادية في الجزائر، وقد تمت دعوتها من طرف الحكومة رسميا لبحث المسائل المستجدة في المنطقة، خاصة إقليم الأزواد الذي اجتاحته منذ عدة أشهر قوات عسكرية حكومية بدعم من عناصر مجموعة فاغنر الروسية.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد استقبل رجل الدين النافذ محمد ديكو، المعروف بمواقفه المناهضة للسلطات العسكرية في بلاده، وذلك في إطار تظاهرة نظمتها الجزائر لدور رجال الدين الأفارقة في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، الأمر الذي قد يكون أجّج غضب السلطات المالية.
وبدا من المثير للانتباه حضور المدير العام للوثائق والأمن الخارجي (مدير المخابرات الخارجية) اللواء جبار مهنا، اللقاء.
تبون استقبل رجل الدين محمد ديكو، المعروف بمواقفه المناهضة لسلطات مالي، ما قد يكون أجّج غضب باماكو
وينذر هذا التصعيد بأزمة دبلوماسية في الأفق؛ فبينما تعتبر الجزائر نفسها قوة إقليمية تضطلع بدورها في استقرار المنطقة، يتمسك القادة العسكريون الحاكمون في باماكو بما يصفونه بـ”السيادة الوطنية ولجم تدخل القوى الأجنبية في شؤونهم الداخلية”.
وردت الجزائر على تصعيد باماكو وقامت باستدعاء سفير مالي ماهامان أمادو مايغا، وتم استقباله من طرف وزير الخارجية أحمد عطاف، الذي أبلغه رؤية ومواقف بلاده الثابتة تجاه الوضع في المنطقة عموما، وفي دولة مالي تحديدا، خاصة ما تعلق باتفاق السلام المبرم في عام 2015 برعاية جزائرية، والذي تعتبره خارطة طريق لحل أزمة البلد الجار.
وكان منتدى أزواد السياسي قد وجه في التاسع من الشهر الجاري نداء استغاثة إلى الرئيس الجزائري جراء ما وصفه بتزايد الاعتداءات المسلحة التي تنفذها وحدات الجيش المالي بدعم من قوات مجموعة فاغنر، وارتكابها جرائم حرب بحق الأزواديين المدنيين، خاصة بعد خروج بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، حيث تمت مداهمة مدن الشمال على غرار كيدال وتومبكتو.
وذكر النداء أن “إثنيات الشمال المالي تعاني منذ شهر أغسطس الماضي من القتل والتشريد الممنهج من طرف القوات العسكرية المالية، التي خرقت كل الاتفاقيات الدولية والإنسانية تجاه المدنيين، وأن الكثير من الأزواديين النازحين إلى مناطق حدودية، كتيمياوين وتينزاواتين والخمسين، يعانون من ظروف إنسانية قاسية جدا”.
وتحدث موقع “تناكارا ميديا”، الداعم لحركة الأزواد، عن سقوط العشرات من المدنيين الأزواديين في عدة بلدات ومدن في شمال مالي، على غرار كيدال وتومبكتو، بسبب الهجمات العسكرية المالية وعناصر فاغنر، وأن الاجتياح تفاقم كثيرا بعد مغادرة مينوسما والقوات الفرنسية للتراب المالي، لأنهما كانتا تمثلان شاهديْن ميدانيين على الوضع.
وأفاد بيان الخارجية الجزائرية بأن “أحمد عطاف ذكّر السفير المالي بأن المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي كانت مبنية بصفة دائمة على ثلاثة مبادئ أساسية لم تَحِدْ ولن تحيد عنها بلادنا”.
وأضاف “المبادئ الثلاثة تتمثل في تمسك الجزائر الراسخ بسيادة جمهورية مالي، وبوحدتها الوطنية وسلامة أراضيها، وأن السبل السلمية، دون سواها، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام، فضلا عن أن المصالحة الوطنية، وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة والأشقاء، تظل الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لكافة أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء، وهو المسار الذي يضمن في نهاية المطاف ترسيخ سيادة جمهورية مالي ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها”.
وهو ما يلمّح إلى تمسك الجزائر بمسار المصالحة الذي ترعاه منذ عام 2015، ورفضها للحلول العسكرية التي يتبناها المجلس العسكري الحاكم تجاه الأزواد، الذين يشكلون جزءا من الاتفاق المذكور، وهو التوجه الذي تحاول القيادة القائمة التنصل منه، سواء ما تعلق باتفاق المصالحة أو بالموقف تجاه المكون الأزوادي في شمال البلاد، الأمر الذي يشكل انسدادا بين الطرفين ترجمته عملية استدعاء السفيرين لتبليغهما احتجاج كل طرف على الآخر.
ولفت بيان الخارجية الجزائرية إلى أن الاجتماعات الأخيرة، التي تمت مع قادة الحركات الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، تتوافق تماما مع نص وروح البيان. وذكر أن أحمد عطاف أعرب للسفير المالي عن أمله في أن تنضم الحكومة المالية، التي جددت تمسكها بتنفيذ الاتفاق، إلى الجهود التي تبذلها الجزائر حاليا بهدف إضفاء حركية جديدة على هذا المسار.
وأكد له أن بلاده متمسكة بمسار اتفاق السلم والمصالحة، كونه يمثل الضامن الوحيد لأمن وتنمية وازدهار مالي، وأن بيان الوزارة الصادر منتصف الشهر الجاري، غداة مغادرة مينوسما التراب المالي، حض جميع الأطراف المالية على تجديد الالتزام بتنفيذ اتفاق السلم والمصالحة.
ويبدو أن المجلس العسكري الحاكم في مالي، الذي يمثل جزءا من نخب سياسية وعسكرية في منطقة الساحل الأفريقي، مستاء كثيرا من دور ومساعي الجزائر التقليدية في التعاطي مع الأزمات المجاورة، ولذلك تضمن بيان خارجية مالي مفردات حادة.
وذكرت وزارة الخارجية المالية أنها “قدمت احتجاجا للسفير الجزائري بسبب أفعال غير ودّية من جانب بلاده، وتدخلها في الشؤون الداخلية لمالي، تحت غطاء عملية السلام”.
وأضافت “باماكو تأخذ على الجزائر خصوصا الاجتماعات المتكرّرة التي تعقد في الجزائر على أعلى المستويات ومن دون أدنى علم أو تدخل من السلطات المالية، من جهة مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقّعة على اتفاق 2015 والتي اختارت المعسكر الإرهابي”.