انحدار الخدمات يفرض إعادة هيكلة القطاع اللوجستي الجزائري

فرض تخلف الخدمات اللوجستية في الجزائر على السلطات النظر بعمق في كيفية إعادة هيكلة هذا القطاع الحيوي، الذي تراجع في السنوات الأخيرة عبر اعتماد استراتيجية جديدة تعمل على تطوير البنية التحتية ووسائل النقل من أجل تعزيز مناخ الأعمال ودفع عجلة النمو.
الجزائر – يجمع اقتصاديون وشركات المناولة ومسؤولو الموانئ الجزائرية على أن الوقت قد حان لإعادة هيكلة القطاع اللوجستي، الذي تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة.
ويعكس التأخر في تنفيذ استراتيجية واضحة المعالم لتطوير القطاع حجم العراقيل المتراكمة والتي زادتها الأزمة الاقتصادية منذ منتصف 2014، أمام تنفيذ خطط الخروج من الاقتصاد الريعي.
ومن الواضح أن توسيع الموانئ وتطوير خدماتها اللوجستية أصبحا عقدة مستعصية على المسؤولين بسبب غياب الإرادة السياسية وثقة المستثمرين المعدومة.
ويعتقد المختصون أن مواقع الموانئ الجزائرية يمكن أن يجعلها شريان حياة للاقتصاد لإخراجها من الأزمات المالية الناتجة عن تراجع أسعار النفط.
وتشير التقديرات إلى أن خزينة الدولة تتكبد خسائر سنوية بقيمة 8 مليارات دولار بسبب عدم تطبيق المعايير الدولية في القطاع اللوجستي، ما يزيد من صعوبات المنافسة.وأكد حليم قاسمي مدير المحطة البحرية في ميناء بجاية خلال ملتقى دولي حول النقل واللوجستيك والعبور وتخزين السلع (سيتام 2018) عقد مؤخرا في العاصمة الجزائرية، أنه من الضروري تحسين إجراءات العبور لتقليص الآجال، وبالتالي تقليل كلفة الخدمات اللوجستية لفائدة المتعاملين.
ونسبت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية لقاسمي قوله إن “متوسط مدة بقاء الحاوية بالميناء من وقت إنزالها حتى خروجها هو 16 يوما بينما تقدر نفس الفترة في موانئ أجنبية مثل ميناء برشلونة بيومين إلى 3 أيام”.
ولمعالجة هذا الوضع دعا قاسمي إلى تطوير الحلول المعلوماتية لتبسيط وتسهيل عمليات العبور من أجل ربح الوقت.
ولم تعد مسألة رقمنة القطاع خيارا، بل صارت خطوة ملحة خاصة بعد أن قررت السلطات إنشاء شباك موحد يتيح لجميع الأطراف المعنية بعمليات التصدير الوصول إليه.
وتؤكد مديرة مصلحة الإعلام الآلي في ميناء الجزائر سيدة براهمة أن إدارات موانئ البلاد واعية بأهمية رقمنة مصالحها وأن ميناء الجزائر قد استفاد من نظام معلوماتي يسمح برقمنة عبور السلع.
800 ألف حاوية يوميا يستقبلها 37 ميناء تجاريا، تحتاج كل حاوية في المتوسط أسبوعين لمغادرة الميناء
ومشكلة رقمنة العمليات واحدة من بين عدة مشكلات أخرى، إذ يرى خبراء أن الموانئ تنقصها مستودعات لوجستية تسهل عمليات نقل وتحميل وتخزين أكثر من 800 ألف حاوية تستقبلها الموانئ يوميا، ولذلك لا بد من إنشاء وكالة للخدمات اللوجستية قادرة على تنسيق مختلف الإجراءات والمبادرات لتسهيل العمليات في هذا المجال.
ووفق البيانات الرسمية، هناك 40 ميناء موزعة على الشريط الساحلي البالغ طوله 1650 كلم وهي تتكون بشكل عام من أحواض صغيرة ومخازن قريبة من بعضها البعض وحواجز ضيقة تفصل بين الأرصفة، ما يعيق تطوير نشاطها التجاري.
وتتصف المبادلات التجارية المعتمدة على النقل البحري بعدم التوازن بين الواردات والصادرات، التي تقتصر على تصدير النفط الذي يشكل أكثر من 95 من إيرادات الدولة، وتستأثر بها موانئ أرزيو وسكيكدة وبجاية.
أما باقي الموانئ فتنتهي عندها حمولة المواد المعدة للشحن أو التفريغ كنقطة استقبال لكل ما تستورده الجزائر من الخارج.
ويقول المدير العام لشركة بوبلنزة المختصة في تصدير مسحوق الخروب شكيب بوبلنزة، إن هناك الكثير من التحديات التي تواجه القطاع اللوجستي في الجزائر.
وأشار إلى نقص الهياكل اللوجستية العصرية وعروض الخدمات المهنية المدمجة وكذلك تجزئة سلاسل النقل الراجعة إلى غياب التواصل بين مختلف الفاعلين.
وأكد على ضرورة سد النقص في ميدان رقمنة العمليات الإدارية التجارية ومعالجة بطء إجراءات المراقبة على مستوى الحدود.
واعتبرت تقارير دولية أن الخدمات اللوجستية تتأثر بشدة بنوعية مؤسسات القطاع العام ومدى فعالية التنسيق في إجراءات التخليص الجمركي عند المنافذ الحدودية بين كافة الهيئات المعنية بإدارة الحدود.
كما لفتت إلى أن الكثير من الدول منخفضة الدخل تعاني من عراقيل شديدة في أنظمة الخدمات اللوجستية وأنظمة العبور الدولية وتحسين مرافق البنية التحتية المتعلقة بالتجارة.
وأظهر تقرير نشره البنك الدولي في يوليو الماضي بعنوان “مؤشر الأداء اللوجستي” أن الجزائر تقهقرت إلى المركز 117 عالميا من بين 168 بلدا.
وتم نشر هذه الوثيقة، التي ترتكز على تدابير نوعية وكمية لمقارنة أداء البلدان في هذا المضمار، على أساس أبحاث يجريها ألف مسؤول عن شركات دولية تعمل في القطاع اللوجستي في 132 بلدا.
ويقيم خبراء البنك مدى فعالية مسلسل عملية التخليص الجمركي من قبل هيئات مراقبة الحدود، بما فيها مصالح الجمارك، وكذلك جودة البنيات التحتية المرتبطة بالتجارة والنقل وسهولة تنظيم إرساليات بأسعار تنافسية وكفاءة وجودة الخدمات اللوجستية والقدرة على تتبع الإرساليات وأخيرا سرعة التسليم في الآجال المتوقعة.
وتقول شركات القطاع اللوجستي في الجزائر إن الاستثمارات المتعلقة بالاتفاقيات التجارية الثنائية بين الجزائر والعديد من الدول، إذا ما تم تطبيقها، ستحدث المزيد من المرونة في حركة البضائع خاصة لأسواق الدول المجاورة والتي تعتمد بشكل كبير على النقل البري.