انحباس الأمطار ينذر بموسم إنتاج حبوب كارثي في تونس

يدب القلق بين الأوساط الزراعية في تونس من الآثار الكارثية التي سيخلفها انحباس الأمطار على محاصيل الحبوب هذا الموسم، والذي يبدو أنه سيكون الأسوأ على الإطلاق منذ سنوات، مما يعمق مشكلة الأمن الغذائي للبلد الباحث عن مخرج من مشاكله المالية.
مجاز الباب (تونس)- يجزم منتجو الحبوب في تونس أنهم لم يشهدوا موسما أشد جفافا من هذا العام طيلة عقود قضوها في هذا النشاط الإستراتيجي في ظل تأخر الأمطار التي كان ينتظرها المزارعون بفارغ الصبر هذا العام.
ولطالما يردد التونسيون المثل الشعبي “مطر مارس ذهب خالص”، لكن انحباس الأمطار هذا العام ينذر بموسم إنتاج حبوب “كارثي” في بلد يمر بأزمة جفاف وشح غير مسبوق في المياه.
وتختزل المزارع في منطقة مجاز الباب التابعة لولاية (محافظة) باجة في شمال غرب البلاد مدى السوء الذي باتت تعانيه الأراضي الفلاحية نتيجة قلة الأمطار.
وتنتشر في تلك الجهة زراعة القمح بنوعيه الصلب واللّين إلى جانب الشعير وشعير علف الحيوانات، وبجودة عالية لأغلب هذه المنتجات من الحبوب.
وتعتبر باجة من أهم مناطق الشمال الغربي، التي تضم جندوبة والكاف وسليانة، في مجال الزراعة، وهي الأكبر إنتاجا للحبوب في البلاد.
ويقاوم مزارعو الحبوب، وهو القطاع الذي يعد أحد أهم المجالات التي تعاني من صعوبات مالية كبيرة، المنغصات في طريق تحقيق بعض الإيرادات لتغطية مصاريفهم في ظل التكاليف المرتفعة.
ويمشي المزارع والمستثمر الطاهر الشواشي 65 عاما متثاقل الخطى في أحد حقوله البالغة مساحته 31 هكتارا في منطقة مجاز الباب، بينما شرع العمّال في حرثه ذهابا وإيّابا وقطيع الأغنام يرعى بعض السنابل التي تمكنت من النمو سنتيمترات قليلة.
ويقول الشواشي لوكالة الصحافة الفرنسية بينما يقطف سنبلة خالية من الحبوب “لم نشهد جفافا بهذه الحدة من قبل، خلال السنوات الأربع السابقة كان هناك جفاف وانتظرنا أن تنزل الأمطار هذا الموسم، لكن فوجئنا بجفاف أشد لم نشهد هذا منذ ثلاثين عاما”. ويتابع “بذور القمح ظلت تحت التراب وهلكت بسبب الجفاف”.
وتشهد تونس ذات المناخ شبه الجاف تراجعا كبيرا في تساقطات الأمطار وشح في الموارد المائية ما أثر بشكل مباشر على الزراعة وخصوصا قطاع الحبوب.
وزرع الشواشي حوالى 600 هكتار قمحا وشعيرا وبقوليات وكان يعوّل على الأمطار لريّها، لكن بسبب شح المياه، سيعطي 70 هكتارا فقط بعض الحبوب تصلح خصوصا علفا للمواشي.
ولم يتجاوز معدل سقوط الأمطار في منطقته خلال فصل الخريف والشتاء المئة مليمتر لذلك قرّر كما العديد من المزارعين في منطقته حرث ما نبت من المحصول أو تخصيصه مرعى لقطعان الأبقار والأغنام.
وتعتبر منطقة مجاز الباب وكامل باجة “مطمورا” (مزودا) أساسيا لكامل أنحاء البلاد بالقمح والحبوب.
2.5
مليون قنطار الإنتاج المتوقع لهذا العام مقارنة مع 7 ملايين قنطار في الموسم الماضي
وتمكن الشواشي الموسم الماضي من حصد أكثر من 10 آلاف قنطار من الحبوب (ألف طن)، لكن آماله ضعيفة في “أن يجمع ما يكفي من البذور للموسم القادم” لأن “الإنتاج صفر”.
وتكبد هذا المزارع خسائر مالية كبيرة تناهز 600 ألف دينار (181 ألف يورو). وقال “أصبح الوضع لا يحتمل خسائر في كل ما أنفقناه من بذور وأسمدة وأدوية ورواتب عمّال ولا نعرف الى ما ستؤول إليه الأمور”.
وعلى بعد حوالي عشرين كيلومترا عن أرض الشواشي، يقع سد سيدي سالم الأكبر لتجميع المياه، إلا أن معدل الامتلاء لم يتجاوز 16 في المئة.
وأمام هذا الوضع غير المسبوق، أقرت السلطات الزراعية إجراءات مستعجلة نهاية مارس الماضي من أجل التحكم في الموارد المائية.
وأقرت وزارة الفلاحة نظام حصص لتزويد المياه الصالحة للشرب، كما منعت استعمال المياه في الزراعة وريّ الحدائق وغسل السيارات حتى سبتمبر المقبل.
وتحتاج السوق الاستهلاكية التونسية إلى 34 مليون قنطار (3.4 مليون طن) من القمح والشعير سنويا، وتستورد في غالب الأحيان ما بين 60 و70 في المئة من حاجياتها من الأسواق الخارجية خصوصا أوكرانيا وروسيا.
لكن المتحدث الرسمي باسم الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنيس خرباش أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن محصول الحبوب هذا العام كارثي.
وقال “لن يتعدى الإنتاج 2.5 مليون قنطار (250 ألف طن) وسنجمع منها 1.5 مليون قنطار (150 ألف طن) فقط، مقارنة بالسنة الماضية حينما بلغ 7 ملايين قنطار (700 ألف طن)”.
وأضاف نتيجة لذلك “لن نستطيع جمع حتى البذور للموسم القادم والبلاد ستضطر لتوريد كل حاجياتها للاستهلاك الداخلي من قمح لين وصلب وشعير من الخارج” حيث قفزت الأسعار منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية ولحق توزيعها اضطرابات كبيرة.
ويدعو الاتحاد وهو أكبر نقابة مزارعين السلطات إلى “الإعلان عن حالة الطوارئ المائية وحالة الجفاف في القريب العاجل”.
وتساهم الزراعة بنحو 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، لكنها تواجه مشاكل كبيرة أخرى من أهمها أن اثنين إلى 3 في المئة من المزارعين يغادرون القطاع سنويا من مجموع 500 ألف مزارع.
وبسحب التقديرات فإن أكثر من 80 في المئة من هؤلاء المزارعين يملكون أراضي صغيرة تقل عن خمسة هكتارات.
وتشهد تونس كما باقي دول منطقة المغرب العربي تغيرات مناخية لافتة. وخلال السنوات العشر الأخيرة تساقطت أمطار منتظمة وكثيرة في سنتي 2015 و2019، أمّا بقية السنوات فكانت جافة.
وفي ديسمبر الماضي وخلال موسم البذر كانت الحرارة أعلى بثلاث درجات عن المعدلات العادية.
وتعتبر الخبيرة في الموارد المائية والتغيرات المناخية روضة قفراج أن التغيرات المناخية و”انحراف المناخ” سبب رئيسي في نقص المياه.

وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية إنه “مع تغير المناخ، من الضروري للغاية إعادة التفكير في طرق الزراعة. لم يعد من المنطقي تخصيص 80 في المئة من الموارد المائية لثمانية في المئة من الأراضي الزراعية السقوية وترك الزراعة البعلية دون ماء”.
وتطرح الخبيرة حلولا تعتمد أساسا على توظيف التكنولوجيا لتوجيه المياه النادرة بطريقة تضمن الحصول على نتائج بأقل كميات من المياه.
وتوضح الخبيرة “نتحدث اليوم عمّا يسمّى الزراعة الذكية أو الدقيقة، التي تعتمد على الذكاء الصناعي وعلى بيانات الأقمار الصناعية ومن أجل توزيع عادل للمياه في ريّ الحقل”، مضيفة “يمكن أن تكون التكنولوجيا في خدمة الزراعة وتضمن بالتالي الأمن الغذائي”.
وكذلك تدعو إلى الحد من تصدير المواد الزراعية إلى الخارج كالتمور التي تسقى في واحات بالجنوب التونسي من مصادر مياه جوفية بشكل غير قانوني.
اقرأ أيضا: