انتهى عصر المكتبات التقليدية المليئة بالرفوف

المكتبات الجامعية صانعة المعرفة تجدد نفسها عبر التكنولوجيا.
الثلاثاء 2024/08/20
التحول من الأرشفة التقليدية إلى الحفظ الإلكتروني

المكتبات الجامعية حجر أساس لا غنى عنه في مسارات المعرفة والبحث العلمي، من بين رفوفها يخرج لنا المختصون والباحثون والعلماء والقادة المستقبليون للمعرفة، وفيها يكمل الأساتذة مسارات بحوثهم وقد تكون مساحة لاكتشاف جديد. أهمية هذه الصروح تجعلها مطالبة بتحيين دائم لعناصرها، وهذا ما يفرضه خاصة التطور التكنولوجي وانعكاسه على تحصيل المعارف.

عمر الخروصي

الجزائر- قبل سنوات، كانت المكتبات عموما، والمكتبات الجامعية خصوصا، تعتمد على الكتاب الورقي حصرا في توثيق سيل هادر من المعارف التي تلفظها المطابع كل ساعة. ومع ظهور مختلف الوسائل والتكنولوجيات الحديثة، أصبح من الضروري على المكتبات أن تتكيف مع هذه التطورات الحديثة.

ويأتي كتاب “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المكتبات الجامعية”، كمساهمة من الباحث الجزائري محمد بن شهيدة، في التأكيد على دور الأوعية الإلكترونية كحل لتحديات الحفاظ على الموارد والتحديث المستمر.

الأوعية الإلكترونية

بوكس

في تقديم هذا الكتاب، الصادر عن دار ألفا دوك للنشر بالجزائر، يؤكد المؤلف أن “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي مجال يتغير بشكل سريع ومستمر، وتأثيره على المكتبات الجامعية كبير ولا يمكن إغفاله”.

ويضيف “تعد المكتبات الجامعية مركزا مهما لجمع وحفظ وتوفير المعلومات والمصادر التعليمية والبحثية للأكاديميين والطلاب، ولكن مع تغيرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يجب على المكتبات الجامعية التكيف وتحديث خدماتها للحفاظ على التنافسية وتلبية احتياجات المستخدمين”.

ويرى الأكاديمي محمد بن شهيدة أن أهم التحديات التي تواجه المكتبات الجامعية، هي الحفاظ على الموارد المعلوماتية وتحديثها بشكل مستمر، إذ تحتاج المكتبات الجامعية إلى توفير مجموعة متنوعة من الموارد المعلوماتية التي تلبي احتياجات الطلاب والأكاديميين، وفي الوقت نفسه، يجب عليها تحديث هذه الموارد للحفاظ على التحديث المستمر.

وهنا يأتي دور الأوعية الإلكترونية كحل لهذا التحدي، لأن الأوعية الإلكترونية تسمح للمكتبات الجامعية بتوفير المصادر المعلوماتية بشكل أسرع وأكثر فعالية، وتسهل عملية التحديث المستمر لهذه الموارد. كما أن الأوعية الإلكترونية تساعد في تحسين خدمات المكتبات الجامعية بشكل عام، إذ توفر للمستخدمين سهولة في الوصول إلى المصادر المعلوماتية بمجرد الاتصال بالإنترنت.

وعلاوة على ذلك، تعد التكنولوجيا المعلوماتية والاتصالية مهمة جدا في توفير خدمات التعليم عن بعد، لأن الأوعية الإلكترونية تسمح للطلاب بالوصول إلى مصادر التعليم والمواد التعليمية بشكل أسرع وأسهل، مما يساعد في تحسين جودة التعليم وتعزيز التفاعل بين الطلاب والمدرسين عبر الإنترنت.

كما يؤكد المؤلف أن “التكنولوجيا المعلوماتية والاتصالية تساعد المكتبات الجامعية في الحفاظ على سجلات المكتبة والمعلومات بشكل أفضل، لكون الأوعية الإلكترونية تسمح بتخزين البيانات بشكل آمن ودقيق، وتوفر ميزات الحفظ الآلي والنسخ الاحتياطي للمعلومات، مما يساعد على الحفاظ على السجلات بشكل دقيق وآمن”.

ويتابع بن شهيدة “يمكن التأكيد أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقوم بدور حيوي في تحسين خدمات المكتبات الجامعية وتطويرها، وتحديث الأوعية الإلكترونية يمثل الخطوة الأساسية في هذا الاتجاه، لذلك يجب على المكتبات الجامعية العمل على تطوير وتحديث الأوعية الإلكترونية بشكل مستمر، وتحسين خدماتها لتلبية احتياجات الطلاب والباحثين والعاملين في المكتبات، وتحسين جودة التعليم والبحث العلمي في المؤسسات الجامعية”.

تحديات الحفظ الإلكتروني

يناقش المؤلف إشكالية الكتاب عبر ثلاثة فصول، هي التحول من الحفظ التقليدي إلى الحفظ الإلكتروني، وتحديات ومتطلبات الحفظ الإلكتروني في المكتبات الجامعية، ودور المكتبة الجامعية في تطوير النشر الإلكتروني وتعزيز الوصول إلى المعرفة العلمية.

وجاء الفصل الأول ليناقش التحول من الأرشفة التقليدية إلى الحفظ الإلكتروني بعرض نبذة تاريخية لتطور مختلف الوسائط، من المرحلة البدائية إلى عصر التكنولوجيا والوسائط الإلكترونية الأكثر حداثة، مع طرح مميزات وسلبيات كل وسيط من هذه الوسائط، وركز المؤلف على الأقراص الليزرية باعتبارها آخر ما توصلت إليه التطورات التكنولوجية، مع تحديد عوامل ظهورها وتعريفها وكيفية الحفظ والاسترجاع.

◄ الأوعية الإلكترونية تساعد في تحسين خدمات المكتبات الجامعية بشكل عام، إذ توفر سهولة في الوصول إلى المصادر
الأوعية الإلكترونية تساعد في تحسين خدمات المكتبات الجامعية بشكل عام، إذ توفر سهولة في الوصول إلى المصادر

ويعتبر المؤلف أن التحول من الحفظ التقليدي إلى الحفظ الإلكتروني أمر ضروري في ظل التطور التكنولوجي والاعتماد المتزايد على الإنترنت في الحياة اليومية، فالحفظ التقليدي يعتمد على الوثائق والمستندات الورقية، ويتطلب تخزينها في أماكن آمنة وبعيدة عن التلف والضياع، كما تتطلب عمليات البحث والوصول إليها جهدا ووقتا طويلا.

أما الحفظ الإلكتروني فيعتمد على تقنيات حديثة في التخزين والحفظ، مثل الأقراص الصلبة والحفظ السحابي، كما يتطلب تحويل المواد الورقية إلى صيغ رقمية. ويعتبر الحفظ الإلكتروني أسرع وأكثر كفاءة في الوصول إلى المعلومات، كما يساعد على الحفاظ على الموارد الثقافية والعلمية من التلف والتآكل، ويسهل عمليات الحفظ والإدارة والاسترجاع.

وركز المؤلف في الفصل الثاني بعنوان “تحديات ومتطلبات الحفظ الإلكتروني في المكتبات الجامعية”، على إبراز دور الوسائط الإلكترونية في نشر المعلومات والتحول من المنشورات المطبوعة إلى المنشورات الإلكترونية، مشددا على دورها في إثراء البحث العلمي، وحاول الوقوف على الحواجز أو العوائق التي تواجه المكتبات الجامعية الجزائرية في تبني هذه التقنية وعدم استغلالها رغم ما تقدمه من مميزات، ليخلص إلى ضرورة الحفظ المادي لهذه الوسائط بغية ضمان استمرارها ودوامها.

وتحت عنوان “دور المكتبة الجامعية في تطوير النشر الإلكتروني وتعزيز الوصول إلى المعرفة العلمية” يبرز بن شهيدة في ثالث فصول كتابه تأثيرات هذه الوسائط داخل المكتبة الجامعية، من خلال معالجة تأثير النشر الإلكتروني على النشر المادي لهذه الوسائط، إذ تعدى هذا التأثير ليشمل المكتبة لتصبح مكتبة إلكترونية.

كما حاول إظهار مكانة الوسائط الإلكترونية وواقعها ضمن سياسة الاقتناء بالمكتبة الجامعية وحاجة الطلبة والمكتبيين إليها وكيفية معالجتها فنيا، وتناول الخدمات التي تقدمها هذه الوسائط لمختلف فئات المكتبة الجامعية، من خدمات الحفظ والاسترجاع والإحاطة الجارية إلى خدمة البث الانتقائي. وفي آخر الفصل، تطرق إلى التأثيرات الإيجابية للوسائط الإلكترونية على مختلف عناصر المكتبة وأهم التغيرات التي تحدثها.

ويشار إلى أن الأكاديمي محمد بن شهيدة، مؤلف الكتاب، حاصل على دكتوراه في علم المكتبات (2012)، ويشتغل أستاذا محاضرا بجامعة ابن خلدون بمحافظة تيارت (غرب الجزائر).

12