انتقاد مصري وصمت سوداني حول سد النهضة الإثيوبي

الشكوك تتزايد بشأن التوصل إلى تسوية مع وجود مجموعة من المتغيرات الرئيسية تحد من قدرات القاهرة.
السبت 2023/03/11
هواجس مشروعة للقاهرة

القاهرة - تظهر المناوشات بين مصر وإثيوبيا كلما تحدثت الأخيرة عن تطورات خاصة بسد النهضة أو اقتربت من موسم تدشين مرحلة جديدة لملء خزان سد يحتاج إلى نحو 74 مليار متر مكعب، فقد هدأت التراشقات بين البلدين في الفترة الماضية وكأن هناك قناعة بقبول ما وصلت إليه الأوضاع من انسداد فني وسياسي.

غير أن وزير الخارجية المصري سامح شكري عاد ونكأ جرح سد النهضة مرتين الأيام القليلة الماضية، الأولى بحديثه أمام المجلس الوزاري لوزراء خارجية الدول العربية بالقاهرة الأربعاء، والثانية خلال لقائه مع نظيره الكيني ألفريد موتوا بالقاهرة أيضا الخميس، وفي المرتين عبّر عن غضب واضح من التصرفات الإثيوبية.

ويعود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من حين إلى آخر للتشديد على أهمية حل الأزمة عن طريق التفاوض والسعي لتوقيع اتفاق مُلزم يضمن حقوق جميع الأطراف، للإيحاء بأن الملف موضوع على الطاولة ولن يطويه النسيان.

وغاب السودان تقريبا في الفترة الماضية حيث بدأت السخونة تعود إلى سد النهضة، لكن لم يبد قادته اهتماما بما يدور حياله من ناحيتي إثيوبيا أو مصر، ما جعل القاهرة تسير بمفردها في مواجهة تصورات أديس أبابا لاستكمال مشروعها.

◙ مصر تغلبت على مصاعب التنسيق مع الخرطوم ووجدت تعاونا وانسجاما لافتين مع الجيش السوداني 

وتغلبت مصر على الكثير من مصاعب التنسيق مع الخرطوم عقب سقوط نظام عمر البشير ووجدت تعاونا وانسجاما لافتين مع الجيش السوداني الذي يدير السلطة في البلاد انعكست آثارهما إيجابا في شكل تفاهم سياسي للتصدي لمشروع سد النهضة.

وأكد شكري أخيرا أن بلاده لا تعترض على استخدام نهر النيل للتنمية، مثمّنا التكامل بين الدول الأفريقية لتحقيق التنمية، ومشيرا إلى عدم وجود رغبة لدى إثيوبيا في التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، وأنها مقدمة على ملء أحادي رابع.

ومن المتوقع أن تشرع الحكومة الإثيوبية في تدشين المرحلة الرابعة للملء في يونيو المقبل وتنوي أن يصل معدل المياه في خزان السد إلى 30 مليار متر مكعب، وتصحيح بعض الأخطاء الفنية المقصودة أو غير المقصودة التي لم تساعد على أن يصل معدل التخزين في المراحل الثلاث إلى نسبة تحدث ضررا لدولتي المصب مصر والسودان.

وامتصت أديس أبابا الكثير من جرعات الغضب المصري، والتي ربطت قيادتها عملية التصدي بخشونة بمدى وقوع ضرر على البلاد، وهو ما تجنبته إثيوبيا أو امتصته بدبلوماسية، حيث فوتت الفرصة على القاهرة ونزعت حجة وقوع الضرر.

وألمح وزير الخارجية المصري إلى إمكانية القبول بضرر محدود عندما قال “على إثيوبيا أن تراعي مصلحتي دولتي المصب بألا يكون هناك أي ضرر بالغ أو جسيم.. وإذا لم يتم ذلك بدون شك سوف تدافع الدولة المصرية عن مصالح شعبها، وتتخذ من الإجراءات ما يقود إلى ذلك، لكن دائما نسعى للتوافق والتفاهم”.

وإذا كانت مصر لم تتأثر بشكل ملموس في المرات الثلاث السابقة، فإن الكثير من الخبراء يتوقعون حدوث ضرر عقب اكتمال الملء الرابع الكبير، فتخزين 30 مليار متر مكعب سيجبر القاهرة لأول مرة على السحب من المخزون الإستراتيجي خلف السد العالي في أسوان بجنوب مصر.

وتفسر هذه المسألة حجم القلق المصري وتفرض تحديد الآلية التي سيتم التعامل بها مع أديس أبابا المتمسكة بالمضي في تحركاتها من دون التوقيع على اتفاق مُلزم مع مصر والسودان، وفي ظل ضيق الخيارات الفنية والسياسية بعد فشل خطة اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي وإخفاق وساطة الاتحاد الأفريقي وتحقيق تقدم في الرؤى بين الجانبين.

وقال وزير الخارجية المصري في مؤتمر صحافي مع نظيره الكيني بالقاهرة الخميس، إن أي اتفاق حول سد النهضة يجب ألا يضر بدولتي المصب، وأن مصر مستعدة للعمل لتحقيق التفاهم بشأن أزمة سد النهضة، ولم يقترح جهة محددة دولية أو إقليمية يمكن أن تقوم بدور الوساطة في الفترة المقبلة.

وتحدث سامح شكري عن المفاوضات الطويلة أو الماراثونية مع إثيوبيا، مؤكدا أنها “لم تؤت ثمارها” ما دفع بلاده للجوء إلى مساعدة أطراف عديدة منها الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي لحل الأزمة، وهناك شكوك في وجود إرادة سياسية لدى إثيوبيا.

وتتزايد الشكوك في التوصل إلى تسوية مع وجود مجموعة من المتغيرات الرئيسية تحد من قدرات القاهرة، أبرزها أن أزمة سد النهضة لم تعد ضمن أولويات الاتحاد الأفريقي أو أي من القوى الإقليمية والدولية التي أرادت الوساطة أو أبدت استعدادا لها.

وفي الوقت الذي فقدت فيه القاهرة الكثير من الأمل للتعويل على الاتحاد الأفريقي، تتمسك أديس أبابا بتدخله وهي تعلم أنه لن يتمكن من ثنيها على تغيير رؤيتها أو الضغط عليها لتليين موقفها، لأن غالبية دول الاتحاد تبدو منحازة لمشروعها التنموي، وترى أن مصر تريد تعطيله للحفاظ على حصتها التي ورثتها منذ أيام الاستعمار.

وأخذ الحديث عن ميراث الاستعمار، السياسي والاقتصادي والجغرافي، يمثل حساسية كبيرة لدى العديد من الدول الأفريقية، وظهرت معالم ذلك في الموقف من فرنسا تحديدا.

◙ القيادات السودانية شعرت بأن سد النهضة بات واقعا حقيقيا وبدأ بعضها يفكر في ما يحمله من تصورات مفيدة للخرطوم

كما أن الصمت السوداني وتنحية الاشتباك مع أزمة سد النهضة يقللان من فرص مصر في مواجهة صارمة مع إثيوبيا، حيث نجحت أديس أبابا في العودة إلى التفاعل مع الأزمة السياسية السودانية، وبدت علاقاتها قريبة بالقوى الرئيسية، العسكرية والمدنية، تستعيد زخمها، ما جعل مواقف الجهات السلبية من مشروع سد النهضة تختفي تقريبا.

وشعرت القيادات السودانية أن سد النهضة بات واقعا ويجب التسليم به، وبدأ بعضها يفكر في ما يحمله من تصورات إيجابية مفيدة للخرطوم، والتي كانت مبررا من قبل لتأييد نظام البشير للمشروع، وهو ما تلعب أديس أبابا على استعادته الآن.

وعلاوة على أن الأوضاع السياسية القاتمة في الخرطوم والمفتوحة على احتمالات متعددة لا تساعد الكثير من القوى على تبني مواقف متشددة من سد النهضة ربما تفهم على أنها مساندة مجانية للقاهرة التي لا تزال متهمة في نظر البعض من السودانيين بأنها تريد أن تجر بلدهم إلى مواجهة ضارة مع إثيوبيا، هم في غنى عنها الآن.

ويأتي ذلك في وقت ابتعدت فيه السُحب العسكرية التي خيمت على سماء السودان وإثيوبيا بسبب منطقة الفشقة التي استردت الخرطوم الجزء الأكبر منها، وبدأت العلاقات السياسية مرحلة من الهدوء لا يريد الجانبان تعكيرها بسبب سد النهضة.

2