انتقاد المعارضة المصرية لإسرائيل: أسلوب قديم في واقع مختلف

تطورات القضية الفلسطينية لا تؤهل المعارضة المصرية للعب دور مؤثر ولو على سبيل الديكور السياسي.
الأربعاء 2021/12/29
براغماتية حكومية في التعامل مع تطورات القضية

القاهرة – يكاد يكون المصريون والفلسطينيون قد نسوا الانتقادات التي اعتادت قوى سياسية في القاهرة توجيهها إلى إسرائيل بسبب الانتهاكات التي ترتكبها بحق مواطنين عزل في الأراضي الفلسطينية، فقد أدى التضييق في الفضاء العام إلى غياب دور أحزاب المعارضة عن واحدة من القضايا المركزية التي تهم الأمن القومي المصري.

ولذلك بدا البيان -الذي أصدرته أحزاب مصرية الاثنين وأشادت فيه بمقاومة الفلسطينيين في قرية برقة بشمال غرب نابلس وتصديهم للمستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي- لافتا للانتباه لأن هذه النوعية من التصرفات ظلت مستمرة خلال الفترة الماضية، ولم تتوقف عندها كثيرا ردود الفعل المصرية تقريبا.

وربط مراقبون بين البيان والاجتماع على مستوى وزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين بالقاهرة في اليوم نفسه، والذي جاء ليوحي بأن هناك أملا في عملية المفاوضات مع إسرائيل في وقت لا توجد فيه جهات إقليمية أو دولية معنية بهذه المسألة.

وتركز الربط على مسألة أن الحكومة المصرية لم تكن بعيدة عن بيان أحزابها، وربما دفعت نحو صدوره بأدوات سرية لتؤكد أن استمرار الجمود يمكن أن يمثل إزعاجا شعبيا لإسرائيل التي قطعت شوطا في تطوير علاقاتها مع بعض الدول العربية، وأن بيان الأحزاب قد يستفز قوى شعبية في بلدان أخرى.

مصر بدأت تتعرض لاتهامات من قبل أطراف فلسطينية تعتبر وساطتها تفيد إسرائيل أكثر مما تفيد القضية الفلسطينية

وجاءت المواجهات في برقة على خلفية محاولة إعادة احتلال بؤرة استيطانية تم إخلاؤها من قبل، وأتت خطوة الأحزاب المصرية في وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تطورات إيجابية على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية.

ولا يعبر بيان القوى المصرية عن صحوة جدية لدى أحزاب لا تستطيع الفكاك من تطويق يحاصرها، إنما ينطوي على إشارة إلى أن الحكومة يمكن أن تعود إلى لعبتها السابقة عندما تركت مسرح الشؤون الخارجية لتتحرك فيه أحزاب معارضة كي تبعدها عن الأحداث الداخلية الساخنة، ما يمكن توظيفه في سياق ضبط البوصلة مع الإسرائيليين والفلسطينيين بالطريقة التي تحقق من ورائها مصالح عديدة.

كما أن الوساطة التي بدأتها مصر مع الجانبين للتوقيع على صفقة شاملة تتعثر حاليا ولم تحقق ما تريده من أهداف بشأن تعظيم دورها الإقليمي وتطوير علاقتها مع الولايات المتحدة، فلا إسرائيل قدمت تنازلات من أجل إنجاح المساعي المصرية لعقد الصفقة مع حركة حماس، ولا الأخيرة مستعدة لتغيير توجهاتها الأيديولوجية.

وزاد من حساسية الموقف أن مصر بدأت تتعرض لاتهامات من قبل أطراف فلسطينية تعتبر وساطتها تفيد إسرائيل أكثر مما تفيد القضية الفلسطينية، بما يؤثر على صورة القاهرة ويقلل من رصيدها في واحدة من القضايا القومية المهمة.

واستخدمت الأحزاب التي غالبيتها يسارية لهجة صاخبة تدغدغ المشاعر ولا تظهر عزما سياسيا حقيقيا على مواصلة هذا المشوار، وهي اللهجة التي غابت عن المصريين مؤخرا وخلا منها الخطاب السياسي المؤيد والمعارض.

والقوى الموقعة على البيان هي: الحزب الاشتراكي المصري، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الحزب الشيوعي المصري، الحزب العربي الديمقراطي الناصري، حزب الكرامة، حزب المحافظين، حزب الوفاق القومي، الجبهة الوطنية لنساء مصر، مصريات مع التغيير.

وتتراوح دواعي غياب الاشتباك مع القضية الفلسطينية بين الأسباب المصرية التي تتعلق بالأوضاع الداخلية وما مرت به البلاد من تطورات سياسية وأمنية، وبين أسباب أخرى تخص وضع القضية ذاتها في حسابات القوى الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل والمجتمع الدولي برمته في ظل التطورات المتلاحقة والصراعات والنزاعات التي تموج بها المنطقة.

وقال البيان “إن الشعب المصري والأحزاب والقوى الوطنية مدعوون لأن يدعموا فوراً وبكل قوة التوجّه النضالي الذي يؤكد صمود الشعب الفلسطيني، وأن ينهضوا بمسؤولية مساندته في معركة المصير التي تجري وقائعها على الأرض السليبة”.

وخطت هذه القوى خطوة هامة بدعوتها إلى إحياء دور اللجان الشعبية لدعم شعب فلسطين وحركات مقاطعة البضائع والشركات اليهودية وكافة أشكال التطبيع ومستوياته، ومد الشعب الفلسطيني بالاحتياجات الطبية الضرورية في هذه المعركة، وبغيرها من الوسائل والسبل المشروعة.

غياب دور أحزاب المعارضة

ويعيد هذا المضمون إلى الأذهان الصيغة الزاعقة التي درجت قوى يسارية في مصر وغيرها من الدول العربية على تبنيها في مواجهة تصرفات إسرائيل دون أن تغير من الأمر شيئا ودون أن تعود بالنفع على الشعب الفلسطيني وقضيته الرئيسية.

ويشير إلى أحد احتمالين، الأول: أن الحكومة المصرية قررت توسيع نطاق الحركة أمام القوى المعارضة ومنحها مساحة للتنفيس السياسي كي تخرج من البيات الشتوي والصيفي الذي دخلته مجبرة خلال السنوات الأخيرة.

والثاني: أن القاهرة قررت اللجوء إلى سياسة الأداتين، أي تتحاور وتتفاوض وتعقد اتفاقيات مع إسرائيل، وتترك لبعض القوى عملية إحداث التوازن مع الأداة الأولى لتضغط بها عند اللزوم، وتقنع الجانب الفلسطيني بأنها أيضا لن تتخلى عنه.

وفي الحالتين لن يجدي البيان نفعا، ولن تؤدي هذه التقديرات إلى تحقيق الغرض منها، إذا كانت مقصودة وجرى ترتيبها عمدا لتظهر في الوقت الراهن، فقد أصبحت لعبة مكشوفة ولا تحرك ساكنا، وربما تعكس فقرا في التفكير السياسي، لأن المحتوى الذي تضمنه بيان القوى المصرية انتهى زمانه وقطاعات كثيرة لا تلتفت إليه.

وقالت مصادر معارضة في القاهرة إن فقدان المصداقية في أحزاب اليسار، كما هو الحال مع أحزاب اليمين الإسلامية، جردها من أهم مزاياها الخطابية، والفرص التي أتيحت لها كبيرة والاختبارات التي خاضتها متعددة لكنها لم تترك بصمة واضحة في الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو ما يوحي بأنها تستحق فرصة جديدة.

وأشارت المصادر ذاتها لـ”العرب” إلى أن القصور الحاصل في شرايين المعارضة المصرية والمجتمع المدني والتطورات التي لحقت بالقضية الفلسطينية لا تؤهل هذه القوى للعب دور مؤثر ولو على سبيل الديكور السياسي، حيث يظل السؤال: إذا كانت قادرة على انتقاد إسرائيل فلماذا لا تجرؤ على فعل ذلك تجاه حكومة بلدها؟

ويبدو أن الإجابة العصية على هذا السؤال سوف تظل العقبة التي تقف أمام إعادة إنتاج تصرفات الماضي وإسقاطها على الحاضر؛ فالقوى السياسية في مصر تغيرت، وحسابات النظام الحاكم اختلفت، والفلسطينيون بمختلف أطيافهم طرأت على واقعهم تحولات جديرة بأن يفكر المصريون أو غيرهم في وسيلة جديدة للتعامل بها مع قضيتهم.

2