انتقادات نقابية تستبق المصادقة على قانون المالية في تونس

مطالب بمراجعة القانون تخوفا من انعكاساته على الطبقة الوسطى.
الثلاثاء 2024/11/26
إكراهات فرضها الواقع المالي للبلاد

اعتبر عدد من النقابات القطاعية في تونس أن قانون المالية الجديد في البلاد وظّف أعباء ضريبية إضافية تستهدف مكانة عمال الطبقة الوسطى، لكن مراقبين يرون أنه خطوة ضرورية فرضتها التوجهات العامة للسلطة في رؤيتها المستقبلية.

تونس - أثارت الزيادة في الضريبة على الدخل في قانون المالية الجديد في تونس استنكار عدد من الهياكل النقابية والقطاعية، وسط مخاوف من تحمّل تلك الأطراف لأعباء إضافية على الطبقة الوسطى خصوصا.

وترى أوساط سياسية أن تلك الزيادة فرضتها إكرهات الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، من بينها تزايد مستويات التضخم والبطالة، فضلا عن توجّه الدولة نحو سياسة التعويل على الذات دون الارتهان للجهات المالية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

وتضيف تلك الأوساط أن تمويل الميزانية أمر ضروري، ولكن دون خنق الاقتصاد والضغط على الطبقة الوسطى التي تلقت العديد من الضربات في السنوات الأخيرة.

واعتبرت جامعات البنوك والتعليم العالي والنفط والأطباء الجامعيين في بيان مشترك أن الفصل 31 من مشروع قانون المالية 2025 القاضي بمراجعة جدول الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين، وظّف أعباء جبائية إضافية على جزء هام من منظوري المنظمة العمّالية من الطبقة الوسطى مما سينعكس سلبا على أجورهم الصافية.

المنذر ثابت: على الدولة أن تمول الميزانية، لكن دون خنق الاقتصاد
المنذر ثابت: على الدولة أن تمول الميزانية، لكن دون خنق الاقتصاد

وطالبت الجامعات بالمراجعة الفورية لمضمون الفصل بطريقة تضمن عدم التخفيض في الأجور الصافية لكافة الأجراء في القطاعين العام والخاص، مؤكدة استعدادها لخوض كافة الأشكال النضالية المشروعة من أجل الدفاع عن حق منظوريها وعن قدرتهم الشرائية.

ونبهت الجامعات إلى أن هذا الإجراء الجبائي سيؤدي إلى المزيد من تفاقم ظاهرة هجرة الكفاءات العليا التونسية إلى الخارج في الوقت الذي بلغت فيه هذه الظاهرة أرقاما مفزعة.

كما أكدت أن الفصل تضمن تمييزا ماديا ومعنويا ضد الطبقات الوسطى العليا من الأجراء وحطّ من عزائمهم عبر استبطانه لصورة مغلوطة في كونهم من الطبقات الميسورة والمرفهة، في حين أنهم كغيرهم من الطبقات المتوسطة يشكون من تدهور قدراتهم الشرائية في ظل أجور متدنية مقارنة بنظرائهم إقليميا ودوليا وتضخم مالي مرتفع ومتواصل.

وفي سياق متصل، نفذ عدد من موردي اللوحات الشمسية التابعين لاتحاد الصناعة والتجارة ومنظمة “كوناكت” الاثنين، وقفة احتجاجية مشتركة أمام مقر البرلمان لمطالبته بإلغاء الفصل المتعلّق بالزيادة في المعاليم الجمركية على توريد اللوحات الشمسية المضمن باقتراح من النواب في قانون المالية للعام الجاري والذي يدخل حيز التطبيق بداية من الأول من يناير المقبل.

وأفاد عضو المكتب التنفيذي لغرفة موردي اللوحات الشمسية باتّحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، في تصريح لإذاعة محلية، بأنّ “الحكومة اقترحت إلغاء القرار في مشروع قانون المالية للعام المقبل إلاّ أنّ عددا من النواب تمسّكوا بالإبقاء عليه.”

واعتبر متابعون للشأن التونسي أن توجهات السلطة بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021، المؤكدة على تبني سياسة التعويل على الذات دون الالتجاء إلى الاقتراض الخارجي، حتّمت تلك الزيادة.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “في ظرف الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، من المؤكد أن هناك ضغطا إيجابيا إضافيا ستتحمل أعباءه الطبقة الوسطى لاعتبار جملة من الإكراهات تتعلق بتزايد مستويات التضخّم مع عدم توفر المواد الأساسية بالكميات اللازمة في السوق، فضلا عن تزايد نسبة البطالة نظرا لضعف مستوى الاستثمار في البلاد.”

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “من الطبيعي جدا أن يكون هناك احتراز من النقابات، وهذا ما يفرض حوارا بين الهياكل النقابية والحكومة وتتم فيه مناقشة النقاط المثيرة للجدل”، لافتا إلى أن “الطبقة الوسطى تلقت ضربات موجعة في ظلّ تراجع قيمة الدينار التونسي وتصاعد مستويات التضخّم.”

أوساط سياسية ترى أن تلك الزيادة فرضتها إكرهات الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد

وتابع ثابت “الدولة محتاجة إلى تمويل الميزانية، ولكن هذا لا يجب أن يفضي إلى خنق الاقتصاد، وهي أيضا محتاجة إلى التمويل الخارجي خصوصا في ظل قطع عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي.”

واعتبر المحلل السياسي أن “تلك الإجراءات هي إكراهات طبيعية، والإشكال يتعلق بكيفية تقاسم المتاعب والمصاعب لكي تكون عملية العبور ناجحة نحو استعادة التوازنات المالية”، مستدركا “لكن المعادلة صعبة وتحتاج إلى طمأنة في علاقة بنشاط رجال الأعمال.”

وشرع مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، الاثنين، في مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025، بعد أن انتهى من النظر في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025البالغ حجمها 78.2 مليار دينار (24.66 مليار دولار).

وحضرت الجلسة العامة المشتركة، التي تضمنت عرض تقرير لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب ولجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم حول مشروع قانون المالية لسنة 2025 ، وزيرة المالية سهام نمصية البوغديري.

وتضمن مشروع قانون المالية المعدل لسنة 2025 إجمالا 86 فصلا، بما في ذلك الفصول المتعلقة بالأحكام العامة وتاريخ تطبيق أحكام قانون المالية لسنة 2025، توزعت على عديد الأبواب ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والمالي.

متابعون يرون أن توجهات السلطة بعد 25 يوليو 2021، المؤكدة على تبني سياسة التعويل على الذات دون الالتجاء إلى الاقتراض الخارجي، حتّمت تلك الزيادة

 ويشير مشروع قانون المالية إلى أن مداخيل ميزانية الدولة لسنة 2025 تقدر بنحو 50 مليار دينار في حين تقارب النفقات 59.8 مليار دينار علما وأن الميزانية من المتوقع أن تسجل عجزا بقيمة 9.8 مليار دينار. وتخطط الحكومة لتعبئة 45.2 مليار دينار على شكل مداخيل جبائية و4.4 مليار دينار على شكل مداخيل غير جبائية الى جانب اقتراض 28.2 مليار دينار من بينها 21.8 مليار دينار من السوق الداخلية علما وأن عدد الأعوان المرخص فيهم سنة 2025 سيبلغ 663 ألف و757 عونا.

وكان رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب عصام شوشان قد أكد أنّ “العديد من الفصول ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2025، كانت محلّ خلاف مع وزارة المالية.”

وأوضح في تصريح لإذاعة محلية، خلال جلسة عامّة مشتركة لأعضاء مجلس نواب الشعب، ومجلس الجهات والأقاليم لمناقشة أحكام مشروع قانون المالية لسنة 2025، أنّ “اقتراحات وتعديلات النواب لم تكن من عدم وإنما بناء على طلبات من المنظمات التي تم الاستماع لها صلب لجنة المالية”، مشيرا إلى أنّ “بعض الفصول شهدت تعديلات بناء على اجتهادات من النواب في حين لم تستجب لها الوظيفة التنفيذية خصوصا وأنّها فصول قد تمس بموازنات المالية ولا يمكن تمريرها بالقانون الأساسي للميزانية.”

وكشف عصام شوشان عن إسقاط فصلين وإضافة 8 فصول في لجنة المالية إلى مشروع قانون المالية المعروض حاليا على البرلمان ليصبح في حدود 68 فصلا، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنّ النواب سيقدمون كذلك مقترحات فصول إضافية بهدف تضمينها في قانون المالية لسنة 2025.

وبيّن شوشان أنّ 80 في المئة من موارد الدولة متأتية من الجباية وهو ما من شأنه أن يعيق الاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد، لكن في المقابل أكّد أنّه لا وجود لحلول أخرى في الوقت الراهن خاصة في ظل توجهات الدولة الرافضة لمواصلة سياسة التداين الخارجي خاصة مع صندوق النقد الدولي.

في المقابل، اعتبر رئيس مركز علي بن غذاهم للعدالة الجبائية أمين بوزيان أنّ “الإصلاحات الجبائيّة في مشروع قانون المالية، تعكس خطوات جدّية لتكريس العدالة الجبائية واسترجاع نسق الجباية التصاعدي الذي فقدته تونس منذ أكثر من 3 عقود أيّ منذ برنامج الإصلاح الهيكلي وما رافقه من إصلاحات جبائية تؤسّس لسياسة قائمة على الحيف وعدم العدالة الجبائية.”

ويعد الضغط الجبائي في تونس الأعلى بين الدول العربية، ويعد ضعف الأجهزة الرقابية وفوضى السوق الموازية والتهريب من أهم أسباب عجز الدولة عن تحصيل أموال قد تغني عن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي في كل مرة تختنق فيها المالية العمومية.

ويتحمّل الموظفون الخصم من الموارد بقوة القانون، باعتبار أن صاحب المؤسسة يخصم آليا من الراتب الشهري لدفعه إلى خزانة الدولة. وتؤكد الإحصائيات الحكومية أن المداخيل المتأتية من الأفراد تشكل أكثر من 70 في المئة من حصيلة الضرائب السنوية الإجمالية للدولة.

4