انتقادات لموقف باريس الخجول بشأن أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر

باريس - انتقد حقوقيون في باريس الثلاثاء "خجل" الدبلوماسية الفرنسية في التنديد بحلّ السلطات الجزائرية مؤخرا منظمة حقوقية وبـ"انتهاكات" أخرى لحقوق الإنسان في هذا البلد، بعد توثيق مالا يقل عن "5500 دعوى قضائية و1200 مذكرة توقيف و12000 عملية توقيف" حصلت في الجزائر منذ بداية الحراك الاحتجاجي.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الذي تولى السلطة قبل أكثر من عامين أطلق وعودا بالإصلاح وبناء جزائر جديدة وتعزيز الحريات وحماية حقوق الإنسان، إلا أن الممارسات على الأرض كشفت أن المعلن شيء والممارسة على أرض الواقع شيئا آخر.
وخلال مؤتمر صحافي عقد في باريس حول أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر، قال رئيس "رابطة حقوق الإنسان" باتريك بودوان "نأسف لأنّ الدبلوماسية الفرنسية (...) والسلطات الفرنسية بصورة أعمّ، تكون خجولة جدا عندما يتعلّق الأمر بحلّ منظمات".
وكانت "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" أعلنت في نهاية يناير أنّ السلطات الجزائرية أصدرت قرارا بحلّها في ختام محاكمة غيابية.
وأضاف بودوان "ينبغي فعلا أن نضغط لمطالبة الحكومة الفرنسية بالتحرّك" بشأن "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان".
وبرأي الحقوقي الفرنسي فإنّ باريس "تواجه صعوبات في التحرّك لأسباب تتّصل بتاريخ العلاقات الفرنسية - الجزائرية" ولكن أيضا لأسباب جيوسياسية.
وقال "مع الأزمة الأوكرانية، فرنسا في حاجة إلى النفط الجزائري وغيره، لذا يمكننا أن نرى بوضوح حدود التحرّك الممكن".
وأعرب بودوان عن أمله في أن تتمكّن فرنسا من التحرّك "داخل أوروبا وبواسطة صوت أوروبا (...) لمحاولة مساعدة الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وبشكل أوسع المدافعين الجزائريين عن حقوق الإنسان".
وتخلّلت المؤتمر الصحافي مداخلة عبر الفيديو لزكي حنّاش، المدافع الجزائري عن حقوق الإنسان المنفي في تونس، أكّد فيها أنّه وثّق ما لا يقلّ عن "5500 دعوى قضائية و1200 مذكرة توقيف و12000 عملية توقيف" حصلت في الجزائر منذ بداية الحراك الاحتجاجي.
وفي يناير، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنّه لن يطلب "الصفح" من الجزائريين عن استعمار فرنسا لبلدهم لكنّه يأمل أن يستقبل نظيره الجزائري عبدالمجيد تبّون في باريس هذا العام لمواصلة العمل وإيّاه على ملف الذاكرة والمصالحة بين البلدين.
وخلال المؤتمر الصحافي قال الأستاذ في القانون مولود بومغر إنّ أيّ عمل في ملف الذاكرة والمصالحة "لا معنى له" إلا إذا أخذ في الحسبان الحالة الراهنة "لانتهاكات" حقوق الإنسان في الجزائر.
ويأتي إثارة الملف الحقوقي غداة مواصلة السلطات الجزائرية تضييق الخناق على المقربين من الناشطة أميرة بوراوي ضمن مساعيها الانتقامية ممن ساعدوها على الخروج من الجزائر باتجاه تونس ثم فرنسا رغم صدور قرار بمنعها من السفر على خلفية حكم يقضي بسجنها سنتين بتهمة ازدراء النبي والإساءة إلى رئيس الجمهورية.
وكان الرئيس الجزائري قد أمر باستدعاء سفير الجزائر في فرنسا، فورا للتشاور، بسبب قضية الترحيل القسري والسري للناشطة بوراوي، وهي العملية التي أدانتها بشدة الخارجية الجزائرية وتقدمت على إثرها بمذكرة احتجاج للسلطات الفرنسية.
وينذر الموقف الجزائري بعودة التوتر إلى العلاقات الجزائرية - الفرنسية، وذلك بعد أشهر على عودة الدفء إلى العلاقات عقب زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر العام الماضي ومعانقته نظيره الجزائري عناقا حارا، في رحلة بدت أنها تطوي صفحة أعوام من العلاقات الصعبة.
ويرى مراقبون أن السكوت المريب لما يحدث في الجزائر، من طرف بعض التيارات الشعبوية وأوساط حزبية أوروبية بتغاضيها عن الانتهاكات الجسيمة في حق الصحافيين والجمعيات الحقوقية في الجزائر، يتعلق بالحصول على الغاز بعد تحديد أسعار متدنية للنفط والغاز الروسيين في سياق العقوبات على موسكو.
ويشير هؤلاء إلى أن ورقة حقوق الإنسان التي ما فتئ يستخدمها الغرب للضغط على الدول العربية من بينها الجزائر وتهديدها بالعقوبات أصبحت مجرد حديث عابر لتسجيل موقف يسترضي المعارضة في أوروبا، مستبعدين أن تتحرك باريس في هذا الاتجاه خصوصا وأنها تعاني من أزمة وقود وتسعى للحصول على كميات إضافية من الغاز.