انتقادات حقوقية أممية لمصر بسبب قانون الإجراءات الجنائية

القاهرة - خرج الاعتراض على قانون الإجراءات الجنائية بمصر، والذي يخضع للنقاش حاليا داخل البرلمان من النطاق الداخلي إلى الدولي، مع تحرك مفوضية حقوق الإنسان وإرسال تعليقاتها على بعض مواد القانون إلى القاهرة، ما يثير تساؤلا حول ما إذا كان هذا الموقف يحمل خلفيات حقوقية فقط أم ينطوي على أبعاد سياسية أيضا.
وأرسل مقررون بالأمم المتحدة خطابا إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام، أعربوا فيه عن مخاوفهم من التعديلات التي شرعت الحكومة في القيام بها ضمن مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وركزت التعليقات على الصلاحيات الموسعة التي توفرها التعديلات الجديدة لموظفي إنفاذ القانون والمدعين العامين دون مراجعة قضائية، وما تضمنه مشروع القانون من صياغات غامضة لبعض الأحكام.
وحملت انتقادات مقرري الأمم المتحدة قلقا من أن بعض التعديلات تبدو كأنها “تقوض الحقوق والحريات المحمية دستوريا”، وذكّروا القاهرة أنها وقعت في يناير 1982 على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويتضمن المعايير الدولية بشأن الحق في المحاكمة العادلة واستقلال القضاء.
وحمل الخطاب الموجه للرئيس السيسي توقيع المقررين الخاصين للأمم المتحدة المعنيين بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، واستقلال القضاة والمحامين، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، علاوة على الفريق المعني بالاحتجاز التعسفي، والفريق المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي.
وغلب على التعليقات الجانب الحقوقي، ما يقلل من تأثيراتها السياسية، على مستوى التعامل مع الحكومة المصرية، خاصة أن فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات قد يمنح مصر المزيد من الارتياح في التعامل مع مثل هذه الانتقادات التي تصاعدت خلال فترة حكم الحزب الديمقراطي، كما أخذ هذا الخطاب يتراجع بعد اندلاع حرب غزة، إلى جانب خطوات جيدة قامت بها القاهرة في التعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية واستقبال اللاجئين، ويهمان غالبية دول الاتحاد الأوروبي.
وتضع دوائر مصرية الانتقادات في نطاقها المرتبط بالمراجعة الدورية الشاملة أمام مجلس حقوق الإنسان العالمي في يناير المقبل، فإقرار قانون جديد للإجراءات الجنائية كان من أبرز توصيات المجلس خلال المراجعة السابقة، وإقدام الحكومة على تحريك القانون منذ أن بدأت النقاشات حوله في أغسطس الماضي والموافقة عليه مبدئيا من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البرلمان هو استجابة لتوصيات المجلس.
ودفع الجدل الذي صاحب النقاش حول القانون والاتهامات التي لاحقت عدد من مواده لمخالفتها الدستور والتضييق على الحريات، إلى صدور التعليقات التي تتعلق بخلفية حقوقية لها علاقة بحرية الرأي من دون أن يتحول ذلك إلى ضغط سياسي مباشر.
وقال رئيس المنتدى العربي – الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف أيمن نصري إن الأحداث السياسية الكبيرة حول العالم تصاحبها مواقف حقوقية تعبّر عن التوجهات المستقبلية للتعامل مع هذا الملف، غير أن ذلك يصعب قياسه على الحالة الراهنة مع فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأن الشق السياسي مستبعد هذه المرة، والأمر يتعلق بتذكير مجلس حقوق الإنسان بتوصياته السابقة بشأن تعديل قانون الإجراءات القانونية، والمعمول به في مصر منذ 75 عامًا.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مجلس حقوق الإنسان يركز على وجود أكثر من درجة للتقاضي في القضايا الجنائية ويصل إلى درجتين وليس درجة واحدة وهو ما تم إدراجه في الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتضمينه في القانون الجديد، إلى جانب تحديد سقف زمني للحبس الاحتياطي ودراسة بدائل له، وأن الحكومة استجابت بالفعل للنقطة الأولى ولم تتوافق بعد على وضع بدائل للحبس مع وجود مقترحات.
وذكر نصري أن خروج التوصيات الأخيرة من مفوضية حقوق الإنسان التابعة للمجلس الدولي تشير إلى مطالب من القاهرة لم تتحقق بشأن التوصيات السابقة التي كان عددها 300 توصية قبل العرض الشامل مطلع العام المقبل، ويشي ذلك بأن تعديل قانون الإجراءات الجنائية مطلب على قائمة توصيات تحسين الأوضاع الحقوقية.
◙ خروج التوصيات الأخيرة من مفوضية حقوق الإنسان تؤكد أن مطالب من القاهرة لم تتحقق بشأن التوصيات السابقة
وشدد على أن خطاب المقررين الأمميين يشير إلى أن المجلس الدولي يهدف إلى تحريك توصياته وقياس ردة فعل القاهرة، وهل سوف تستجيب لذلك أم لا، وأن الأمر يرجع إلى وجود مطالب لتحسين السجل الحقوقي لم تتعامل معها القاهرة بالشكل الإيجابي، ما يعزز رؤية المنظمات الدولية لمصر كونها تُبدي استعدادا لتقديم تحسينات على مستوى القوانين والإجراءات، لكنها شكلية إلى حد كبير، وبلا آليات تنفيذ واضحة.
ويمكن ترجمة الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان على سلوك القاهرة، حيث تضمنت بنودا لتحسين أوضاع الحقوق السياسية وحرية الرأي والتعبير، وأن الاكتفاء بتوسيع دائرة العفو الرئاسي وتدشين الحوار الوطني غير كافيين للتأكيد على وجود إصلاحات شاملة، ما يخلق خلافا مستمرا بين القاهرة والمجتمع الدولي مع ارتكان الأولى على الظروف الأمنية والاقتصادية في خطة تحسين السجل الحقوقي.
وأشار أيمن نصري لـ”العرب” إلى أن مصر التزمت بما يقرب من 75 في المئة من توصيات مجلس حقوق الإنسان إليها في مراجعته الأخيرة، وثمة قناعة بأن تغير الظروف الأمنية مع تصاعد موجات الإرهاب بعد ثورة يونيو 2013 ثم استقرار الأوضاع يتطلب إدخال تعديلات على قوانين أخرى، بما يتماشى مع التطورات، وأن إلغاء العمل بقانون الطوارئ منذ ثلاث سنوات على رأس هذه التحركات.
ولفت إلى أن قوانين الممارسة السياسية بما فيها الانتخابات البرلمانية، وقوانين عمل الأحزاب، وقانون التظاهر في حاجة إلى إعادة نظر، وقد يكون ذلك ضمن توصيات المجلس في المراجعة المقبلة، والأمر ذاته ينعكس على قانون الإجراءات الجنائية الذي يحتاج مرونة أكبر في التعامل معه من قبل الحكومة، وأن وصول تقرير من مقررين أمميين يطرح تساؤلات جديدة على الحكومة المصرية حول ماهية الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أوضاع الحقوق السياسية.
وحملت تعليقات المقررين تأكيدا على أن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية تتعارض مع عدد من مواد الدستور بينها، المادة 12 الخاصة بكفالة الحق في حرية التنقل، والمادة 14 المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة، والمادة 17 المرتبطة بضمان الحق في الخصوصية، والمادة 19 الخاصة بالحق في حرية التعبير والرأي، والمادة 21 الخاصة بحرية التجمع السلمي، والمادة 22 الخاصة بحرية إنشاء الجمعيات.