انتقادات أميركية حذرة لتونس: الأصدقاء يتحدثون مع أصدقائهم بصدق

أقرت الولايات المتحدة بأن السنوات التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي لم تكن على قدر تطلعات التونسيين، لكنها أعربت عن قلقها حيال المسار الحالي، في موقف أكدت أنه نابع من منطلق الصداقة.
تونس - وجهت الولايات المتحدة انتقادات حذرة لتوجهات الرئيس التونسي قيس سعيد، معتبرة أن ذلك من منطلق “الصداقة” التي تجمع البلدين، وليس تدخلا في الشؤون الداخلية لتونس.
وتبدي واشنطن كما عدد من العواصم الغربية تحفظات على مسار الخامس والعشرين من يوليو، كما تعرب هذه العواصم عن قلقها حيال الوضع الاقتصادي في تونس لاسيما مع تعثر التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ويرى متابعون أن الحكومة التونسية تتحمل جزءا من المسؤولية لجهة فشل سياستها الاتصالية، في مقابل نجاح قوى المعارضة في التسويق لـ”مظلومية مزيفة”، حيث أن مسار الخامس والعشرين لم يكن لينشأ لولا الأخطاء والتجاوزات الخطيرة التي ارتكبتها هذه المعارضة حينما كانت في سدة الحكم.
وقالت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي الخميس إن الرئيس التونسي قيس سعيد أثار “قلقا بالغا” بشأن الاتجاه الذي تتحرك نحوه تونس باعتماد إجراءات أضعفت الضوابط والتوازنات الديمقراطية، لكنها أقرت في الآن ذاته بأن الوضع لم يكن أفضل خلال السنوات التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
الحكومة التونسية تتحمل مسؤولية فشل سياستها الاتصالية، في مقابل نجاح المعارضة في التسويق لـ"مظلومية مزيفة"
واعتبرت ليف أنه رغم أعوام من الجهود لبناء نظام ديمقراطي فإن “ما رأيناه في العام ونصف العام الماضيين هو أن الحكومة تأخذ تونس في اتجاه مختلف للغاية”.
وأضافت ليف “كانت هناك عدة إجراءات اتخذها الرئيس في العام الماضي والتي أضعفت بصراحة المبادئ الأساسية للضوابط والتوازنات”.
وأعلن الرئيس التونسي في الخامس والعشرين من يوليو 2021 عن مسار انتقالي للبلاد، بعد تعفن المشهد السياسي، وبلوغه مرحلة خطيرة من الانقسام، ومن الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد تعليق عمل البرلمان وحل حكومة هشام المشيشي.
وطرح الرئيس تونسي لاحقا خارطة طريق شملت حل البرلمان واستفتاء على دستور جديد للبلاد، يعيد النظام الرئاسي بعد أن ثبت عقم تجربة النظام المختلط الذي ساهم بشكل رئيسي في حالة الفوضى السياسية وأدى إلى استفحال الفساد.
وتلت خطوات الرئيس جملة من الإجراءات بينها إجراء انتخابات تشريعية جديدة، وقوبلت خطوات قيس سعيد بمعارضة شرسة من قبل الأطراف والقوى التي كانت في الحكم خلال السنوات الماضية وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية.
وشنت السلطات التونسية مؤخرا حملة اعتقالات في صفوف قيادات من الحركة الإسلامية ومسؤولين قريبين منها، في علاقة بتهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة بما في ذلك عبر التواصل مع جهات وأجهزة أجنبية.
وطالت الاعتقالات أيضا مسؤولين متهمين بالفساد والإثراء غير المشروع، وقد شدد الرئيس التونسي مرارا على وجوب عدم الإفلات من العقاب، وأن يقوم القضاء التونسي بدوره فيما يعتبره “معركة تحرير وطني”.
وقالت ليف إن أحدث تعليق للرئيس سعيد، والمتمثل في أن أي قاض يقرر إطلاق سراح المشتبه بهم سيعتبر متواطئا معهم، هو “بالضبط من نوع التعليقات التي أثارت قلقنا البالغ إزاء الاتجاه الذي تسير فيه تونس تحت قيادة هذا الرئيس”.
ولفتت مساعدة وزير الخارجية الأميركية إلى أن الكثير من التونسيين غير راضين عن الأعوام التي أعقبت ثورة 2011، لكنها قالت “لتصحيح أوجه القصور هذه، لا تجرد المؤسسات من سلطاتها”.
وأضافت “لا أستطيع التفكير في مؤسسة أكثر أهمية من سلطة قضائية مستقلة”.
وتعرض قيس سعيد لانتقادات بسبب تعليقات أدلى بها الشهر الماضي وتفيد بأن هناك مؤامرة إجرامية لتغيير التركيبة السكانية في تونس على خلفية تدفق لافت وغير مسبوق لمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء على البلاد، وأعلن عن حملة على المهاجرين غير القانونيين.
وقالت ليف “كانت هذه التعليقات سببا في خلق مناخ رهيب من الخوف، لكن نتج عنها ما هو أكبر من ذلك إذ تسببت في هجمات على هؤلاء الأشخاص الضعفاء وموجة عارمة من الخطاب العنصري”.
ورفض سعيد مرارا الانتقادات السابقة ووصفها بأنها تدخلات أجنبية. وقالت ليف “الأصدقاء يتحدثون مع أصدقائهم بصدق… سنوجه الانتقادات حينما تكون الانتقادات مستحقة. هذا ليس تدخلا”.
السلطات التونسية شنت مؤخرا حملة اعتقالات في صفوف قيادات من الحركة الإسلامية ومسؤولين قريبين منها، في علاقة بتهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة
وأضافت أن مصير مساعي تونس للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لدعم الإصلاحات والحيلولة دون حدوث انهيار اقتصادي في يدي الحكومة.
وتابعت “هذه حزمة تفاوضوا (الحكومة التونسية) عليها، وتوصلوا إليها، ولسبب ما لم يوقعوا على الحزمة التي تفاوضوا عليها”.
وأردفت “المجتمع الدولي مستعد لدعم تونس حينما تتخذ قيادتها قرارات جوهرية حول وجهتها”، مضيفة أنه حتى تقرر الحكومة توقيع حزمة الإصلاح الخاصة بها سنظل “مكتوفي الأيدي”.
وقالت إن قرار تونس بتنفيذ الإصلاحات التي اقترحتها على صندوق النقد الدولي “قرار سيادي… وإن قرروا ألا يفعلوا ذلك، فنحن حريصون على معرفة ما هي الخطة ‘ب’ أو الخطة ‘ج'”.
وتكافح تونس تحت وطأة ديون متزايدة وتفاقم ارتفاع الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وتوصلت إلى اتفاق مبدئي في أكتوبر للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي يبلغ نحو ملياري دولار.
وبقي الاتفاق “مجمّدا” بسبب معارضة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) لشروط الصندوق ومن ضمنها رفع الدعم والتفويت في مؤسسات عمومية، في مقابل تردد السلطة السياسية التي تخشى أن تكتوي شعبيا بنيران هذه الشروط.
وحذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء من أن تونس تحتاج بشكل طارئ إلى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد.
وقال بلينكن ردا على سؤال حول تونس خلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي “أهم ما يمكنهم فعله في تونس من الناحية الاقتصادية هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”. وأضاف “نشجّعهم بشدّة على القيام بذلك لأن الاقتصاد قد يتجه إلى المجهول”.