انتفاضة شعبية وعشائرية في غزة لإنهاء حكم حماس

عشائر وأهالي الشجاعية يؤكدون أن الوقت قد حان للوقوف في وجه سياسات حماس المدمرة، فيما تدعو حركة فتح إلى إفساح المجال للسلطة الفلسطينية.
الأربعاء 2025/03/26
شعار الانتفاضة: يا حماس برة برة

غزة – يشهد قطاع غزة تصاعدا ملحوظاً في الاحتجاجات الشعبية ضد حركة حماس، حيث خرجت مظاهرات تطالب بإنهاء الحرب وتحسين الأوضاع الإنسانية المتدهورة، ويأتي ذلك في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية، حيث يعاني سكان القطاع من نقص حاد في الخدمات الأساسية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وتدمير البنية التحتية جراء الحرب.

وتظاهر آلاف الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، في احتجاجات علنية نادرة، للمطالبة بإنهاء الحرب ودعوة حماس للتخلي عن السيطرة على القطاع.

وشمال غزة من أكثر المناطق التي تعرضت للدمار خلال الصراع الذي اندلع إثر هجوم قادته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول من عام 2023. إذ تحولت معظم المباني في هذه المنطقة المكتظة بالسكان إلى أنقاض، ونزح الكثير من السكان عدة مرات هربا من القتال.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الاحتجاجات تُظهر أن قرار إسرائيل باستئناف هجومها عاد بفائدة في غزة حيث اختفت الشرطة التابعة لحماس مجددا بعد ظهورها خلال وقف إطلاق النار.

وأظهرت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاج مئات الفلسطينيين في شمال قطاع غزة للمطالبة بإنهاء الحرب مرددين هتافات "حماس بره بره" في إظهار نادر للمعارضة ضد الحركة المسلحة.

وقال أحد الشهود، طالبا عدم ذكر اسمه خوفا من التعرض لأذى "كانت مسيرة عفوية ضد الحرب لأن الناس تعبوا وليس لديهم مكان يذهبون إليه".

وأضاف "ردد كثيرون، ولكن ليس الكل، بل كثيرون، هتافات ضد حماس، وقالوا بره يا حماس. الناس منهكون، ولا ينبغي أن يلومهم أحد".

وبدأ تداول المنشورات على نطاق واسع في وقت متأخر الثلاثاء. واستطاعت رويترز التأكد من موقع الفيديو من خلال المباني وأعمدة الكهرباء وتخطيط الطرق الذي يتطابق مع صور الأقمار الصناعية للمنطقة. إلا أن رويترز لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من تاريخ التقاط الفيديو. وتظهر العديد من مقاطع الفيديو والصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجات في المنطقة الثلاثاء.

وفي منشورات أخرى، كُتب على لافتات رفعها المحتجون "أوقفوا الحرب" و"يكفي نزوح".

وعلق باسم نعيم القيادي بحماس على الاحتجاجات بالقول "من حق الناس جميعا أن تصرخ من شدة الألم وأن ترفع صوتها عاليا ضد العدوان على شعبنا والخذلان من أمتنا".

واستدرك بالقول "لكن مرفوض ومستنكر استغلال هذه الأوضاع الإنسانية المأساوية، سواء لتمرير أجندات سياسية مشبوهة أو إسقاط المسؤولية عن المجرم المعتدي وهو الاحتلال وجيشه".

ومضى يقول "نقول لأصحاب الأجندات المشبوهة أين هم مما يحدث في الضفة الغربية من قتل وتهجير وتدمير وضم للأراضي على مدار الساعة؟ فلماذا لا يخرجوا هناك ضد العدوان أو يسمحوا للناس أن تخرج إلى الشارع للتنديد بهذا العدوان".

جاءت هذه التصريحات، التي تعكس التوتر بين الفصائل الفلسطينية حول مستقبل غزة، بعد ساعات من دعوة حركة فتح المنافسة حماس إلى "الاستجابة لنداء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة". وتقود فتح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

ودعت حركة فتح، حركة حماس إلى الاستجابة لـ"نداء الشعب الفلسطيني" في غزة، و"الانفكاك عن ارتباطاتها الإقليمية والخارجية، وإفساح المجال للسلطة الفلسطينية للاضطلاع بدورها في القطاع".

وقال الناطق باسم "فتح" ماهر النمورة، إن "الشعب الفلسطيني الذي يجابه بصموده وتشبثه بأرضه وحقوقه المشروعة لن يقبل أن يكون مصيره مرهونا بأجندة إقليمية- فصائلية لا تعبر عن هويته ومصالحه العليا".

وأكد الناطق باسم فتح، أن "الاحتجاجات التي خرجت في غزة جاءت نتيجة حتمية لعقود من تجيير حماس لقطاع غزة لصالح مشاريع إقليمية، ونتاجا لاضطهاد وقمع وتنكيل لأي حراك شعبي منذ انقلابها على الشرعية عام 2007"، لافتا إلى أن "التصريحات الصادرة عن حماس حول مستقبل غزة مقرونة بالتزامها بفك ارتباطاتها الإقليمية، والكف عن استخدام شعبنا وقضيتنا وسيلة لمآرب لا تتصل ومشروعه الوطني".

وطالب المتحدث، حركة حماس، "بالإصغاء إلى صوت الشعب الفلسطيني في غزة ومعاناته، وإفساح المجال للسلطة الفلسطينية صاحبة الولاية على قطاع غزة بالاضطلاع بدورها في تضميد جراح شعبنا، وإعادة إعمار القطاع، والتصدي لمشاريع التهجير والترحيل".

ولفت النمورة إلى أن "على حماس الإقرار والاعتراف بمآلات سياساتها وقرارتها الأحادية التي ألقت بقطاع غزة في غياهب المجهول"، مردفا أن "المكابرة والاستعلاء وتضارب التصريحات لا تدلل على استشعار بالمسؤولية في مرحلة تاريخية أحوج ما يكون فيها شعبنا إلى التوحد أمام مخططات الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس".

ومن جانبها، أصدرت عشائر وأهالي الشجاعية الثلاثاء بياناً يدعو إلى انتفاضة شعبية في غزة ضد حركة حماس، مؤكدين أن "معاناة أهالي غزة من قهر وتجويع ودمار قد بلغت ذروتها، وأن الوقت قد حان للوقوف في وجه هذه السياسات المدمرة".

ودعا البيان باسم عشائر غزة، إلى مسيرة غضب ضد من استغلوا معاناة الشعب الفلسطيني لمصالح ضيقة، لافتا إلى أن أهل غزة قد ضحوا بالغالي والنفيس، لكنهم لم يجنوا سوى مزيد من الموت والجوع والذل، مشددا على أن الشعب الفلسطيني لن يقبل أن يستمر في كونه وقوداً لهذه المعادلات السياسية الضيقة.

كما طالب البيان من حركة حماس برفع يدها عن غزة فوراً وإنهاء الحصار الظالم الذي أُفرض على القطاع بسبب قرارات لا تمثل إرادة الشعب الفلسطيني، داعيا إلى ضرورة وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات والظروف الراهنة.

وفي ختام البيان، أكد أهالي الشجاعية أن غزة ليست رهينة لأحد، وأنها ستتحرر بإرادة أهلها وبوحدتهم، داعين جميع المواطنين للنزول إلى الشوارع وإيصال صوتهم للعالم.

ويعاني سكان غزة من نقص حاد في الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فيما أدت الحرب الأخيرة إلى تدمير واسع النطاق في البنية التحتية والمنازل، مما زاد من معاناة السكان.

وفي مشهد نادر الحدوث في قطاع غزة، خرج آلاف الفلسطينيين في مسيرات احتجاجية في شوارع بلدة بيت لاهيا وجباليا شمال القطاع، مطالبين بوقف الحرب التي أرهقت المدنيين وأثقلت كاهلهم بالمآسي والدمار.

لكن اللافت في هذه المسيرات، التي بدت عفوية، أنها لم تقتصر على الدعوة لإنهاء القتال، بل حملت غضبا متزايدا تجاه حركة حماس، التي يحملها كثيرون مسؤولية الواقع المأساوي الذي يعيشونه.

ووسط الهتافات المطالبة بالحرية والسلام، رفع المتظاهرون شعارات تدين استمرار القتال وتطالب برحيل القيادات التي لم تحقق سوى المزيد من الدمار. "نريد أن نعيش"، "كفى دمارا"، و"يا حماس برة برة"، كانت بعض الشعارات التي علت في أرجاء البلدة، في تعبير عن سخط متزايد تجاه الحركة التي تسيطر على غزة منذ عام .2007

ويقول محمد الكيلاني، مدرس لغة عربية وأب لطفلين، فقد وظيفته بعد أن دمرت المدرسة التي كان يعمل بها في غارة جوية "إحنا مش أرقام في نشرات الأخبار، إحنا ناس لها بيوت وعائلات وأحلام. تعبنا من الحروب اللي كل مرة بتسرق منا حياتنا".

ويضيف "كل يوم بطلع من البيت مش متأكد إذا راح أرجع أشوف ولادي، وإذا بكرة أصلا موجود لهم. بس المشكلة مش بس بالحرب، المشكلة إنه حياتنا كلها صارت رهينة بيد ناس ما بتسأل عنا، لا حماس ولا غيرها".

ويتزايد شعور المواطنين في غزة بأنهم عالقون في صراع لا يخدم سوى المصالح السياسية، بينما هم يدفعون الثمن الأكبر.

وأبوخالد أبورياش، صاحب متجر في الخمسين من عمره، خسر كل شيء بعد أن دمر محله في القصف، ليجد نفسه مع عائلته بلا مأوى ولا مصدر رزق.

ويقول بحسرة "رزقي راح، بيتي تدمر، ولادي اتشردوا، ولسا بيحكوا لنا اصبروا. حماس بتطالبنا نصبر، بس هم عايشين بأمان وولادهم مش تحت القصف".

أما محمود الحواجري، الذي فقد عمله في البناء بسبب الدمار، فيقول "كبرنا وإحنا بنسمع عن بكرا اللي عمره ما إجى. طفولتنا راحت، شبابنا عم يضيع، وإحنا لسا بنحلم بحياة طبيعية".

ويضيف بلهجة غاضبة "إحنا مش وقود لمشاريع سياسية، مش لازم كل مرة ندفع الثمن لحسابات قادة ما بهمهم غير سلطتهم".

وعادة ما تكون التظاهرات في غزة مدفوعة بنداءات من الفصائل الفلسطينية، لكن هذه المرة جاءت من قلب الشارع، بلا توجيه أو قيادة واضحة، في مؤشر على التحول الذي يشهده المزاج الشعبي تجاه حماس وإدارتها للقطاع.

ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات قد تشكل تحديا غير مسبوق للحركة، التي اعتادت على قمع أي صوت معارض.

وقال خبراء ومحللون فلسطينيون إن على حركة حماس الانتباه إلى هذا الغضب الشعبي المتزايد، مشيرين إلى أن تجاهل أصوات السكان الذين لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد سيضع الأمور في الفترة المقبلة لنفق مظلم.

وانتشرت رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى احتجاجات ضد لـ"حماس" في أنحاء غزة، الأربعاء، حيث قال منظمو الاحتجاجات في الرسالة: "يجب أن تصل أصواتنا إلى كل الجواسيس الذين باعوا دمنا"، وتابعوا "ليسمعوا صوتكم، وليعلموا أن غزة ليست صامتة، وأن هناك شعبًا لن يقبل بالإبادة".

وتأتي الاحتجاجات بعد أن تجاوز عدد القتلى في غزة 50 ألفا، الأحد، وفقا لوزارة الصحة في القطاع، مع عدم وجود نهاية في الأفق.

ووقع القطاع، الذي يقطنه 2.1 مليون فلسطيني، تحت سيطرة حماس في 2007 بعد انتخابات 2006 وحرب أهلية قصيرة مع حركة "فتح"، الفصيل الفلسطيني المنافس الذي يُمثل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية.

وتعرض شمال غزة لضربة شديدة جراء الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل ردًا على هجوم 7 أكتوبر. وحوّلت الحرب التي استمرت 17 شهرًا معظم القطاع إلى أنقاض، مما جعل من المستحيل على وكالات الإغاثة الوصول إلى الشمال المتضرر.

وعاد مئات الآلاف من السكان، الذين فروا إلى جنوب غزة في وقت سابق من الحرب، إلى منازلهم المدمرة في الشمال عندما دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في يناير كانون الثاني.

وانتهى وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين بعد أن استأنفت إسرائيل الهجمات في 18 مارس وأصدرت أوامر للسكان بالإخلاء. وسلمت حماس خلال وقف إطلاق النار المزيد من الرهائن مقابل إطلاق سراح فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وقال الشاهد "غزة كلها حطام والاحتلال أصدر أوامر لنا بالنزوح من الشمال، وين نروح؟".

وذكر نتنياهو في تعليقاته أن الاحتجاجات تُظهر نجاح سياسات إسرائيل.

وقال خلال كلمة بالبرلمان "في الأيام القليلة الماضية شهدنا واقعة غير مسبوقة، احتجاجات علنية في غزة ضد حكم حماس. ويُظهر ذلك أن سياساتنا ناجحة. نحن عازمون على تحقيق جميع أهداف حربنا".

وقال مسؤولو الصحة الفلسطينيون إن ما يقرب من 700 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، قُتلوا منذ أن استأنفت إسرائيل غاراتها على غزة بهدف تفكيك حماس نهائيا كما تقول.

ونشرت حماس الآلاف من أفراد الشرطة وقوات الأمن في شتى أنحاء غزة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في يناير كانون الثاني، لكن وجود عناصرها المسلحة تراجع بحدة منذ 18 مارس بعد استئناف الهجمات الإسرائيلية. وكان أفراد الشرطة أقل في بعض المناطق بينما اختفى أعضاء وقيادات الجناح المسلح للحركة عن الأنظار لتجنب الغارات الجوية الإسرائيلية.

وتتواصل المحادثات الهادفة إلى استئناف وقف إطلاق النار لكنها لم تظهر أي بوادر على انفراجة بشأن تسوية خلافات تشمل مستقبل الحكم في قطاع غزة.

وسيطرت حماس على غزة في 2007 بعد انتخابات اكتسحت فيها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بزعامة الرئيس محمود عباس. وتحكم حماس القطاع منذ ذلك الحين ولا مساحة تُذكر فيه للمعارضة. ويتوخى بعض الفلسطينيين الحذر من التحدث علنا ضد الحركة خوفا من الانتقام.

وهناك خلافات ممتدة منذ سنوات بين فتح وحماس لم يتمكن الطرفان من تجازوها، ومنها مستقبل قطاع غزة الذي تتمسك السلطة الفلسطينية بحكمه.

وأبدت حماس استعدادها للتخلي عن دورها في الحكومة لكنها متمسكة بالمشاركة في اختيار الإدارة الجديدة.