انتعاش حصاد الكاكاو الأفريقي يصطدم بضبابية الأسعار

تؤدي تحديات تضرر أشجار الكاكاو في أفريقيا إلى إبقاء الأسعار أعلى بكثير من المعايير التاريخية حتى مع تحول خفوت ظاهرة النينيا، رغم التفاؤل بانتعاش حصاد هذه السنة، وسط توقعات بأن يتفوق الإنتاج العالمي على الطلب لأول مرة في أربعة مواسم.
سان بيدرو (كوت ديفوار) - تبدو التوقعات مشرقة في مزرعة موسى كوناتي الصغيرة في كوت ديفوار مع اقتراب حصاد أكتوبر بسرعة، إذ تحمل أشجاره قرونا وفيرة والأوراق خضراء، ولكنه يخفف من الأمل بالحذر بعد موسم دمر فيه المرض المحصول.
وتعكس هذه الحالة التحسن في حزام الكاكاو في غرب أفريقيا، والذي يمكن أن يساعد في تخفيف النقص الهائل في العرض الذي دفع الأسعار إلى مستويات قياسية هذا العام.
وإلى جانب تحسن الطقس، تلقى المزارع أخيرا مبيدات حشرية للمساعدة في تقليل الضرر الناجم عن مرض البراعم المتورمة، ويتوقع أن تكون الغلات أعلى بكثير من الطن الواحد الذي جمعه في الموسم الماضي.
ومع ذلك، فإن القضايا التي أعاقت الصناعة لفترة طويلة لا تزال بعيدة عن الإصلاح، مما يعني أن سعر الحبوب المستخدمة في صنع الشوكولاتة من غير المرجح أن ينخفض مرة أخرى إلى المستويات المنخفضة جدا التي كانت سائدة سابقا.
والبراعم المنتفخة غير قابلة للشفاء، مما لا يترك للمزارعين خيارا سوى قطع الأشجار المريضة، كما أن التدريب نادر بين مليون مزارع كاكاو في كوت ديفوار، والغالبية العظمى منهم من صغار المزارعين ذوي الموارد المحدودة. ومزرعة كوناتي التي تبلغ مساحتها 3.5 هكتار، وهي واحدة من ثلاث قطع أرض يزرعها، مليئة بجذوع الأشجار المقطوعة.
وقال متحدثا في مزرعته في قرية برازافيل، شمال مدينة سان بيدرو الساحلية لوكالة بلومبيرغ، "لا يعرف العديد من المزارعين أنه لمنع انتشار الفايروس، لا ينبغي للمرء أن يستخدم نفس المنجل الذي استخدم لقطع الأشجار المصابة".
ويتوقع المحللون في وحدة بي.أم.آي التابعة لشركة فيتش سوليوشنز أن يبلغ متوسط سعر العقود الآجلة للكاكاو في نيويورك 7 آلاف دولار للطن في عام 2024.
ورغم أن هذا أقل من مستويات مذهلة تجاوزت 11 ألف دولار في وقت سابق هذا العام، لكن العقود الآجلة الأكثر نشاطا كانت في المتوسط أقل من ألفي دولار لعقود من الزمن ويتم تداول عقد ديسمبر حاليا فوق سبعة آلاف دولار.
وقال ستيف واتريدج من شركة تروبيكال ريسيرش سيرفيسز "من المؤكد أننا لا نرى إمكانية تحقيق فائض كبير. لا يزال هناك الكثير مما يمكن أن يحدث في الأشهر المقبلة”. وأضاف أن السوق ستكون متوازنة على الأرجح و”هذا ليس مكانا جيدا للتواجد فيه".
وتتراوح القضايا الدائمة التي تواجه صناعة الكاكاو في المنطقة من أمراض المحاصيل إلى تغير المناخ. ويستغرق الأمر ثلاث سنوات على الأقل حتى تصل شجرة الكاكاو إلى مرحلة النضج المثمر، مما يحد من سرعة زيادة الإنتاج.
كما تحدد غانا وكوت ديفوار أسعار المزرعة مقدما، وهي ممارسة قائمة منذ فترة طويلة لحماية المزارعين من الأسعار الأقل من المتوقع، مما يقلل من الحافز لزيادة العرض استجابة لسوق مزدهرة.
وأجرت الدولتان بعض التعديلات. لكن مزارعين يقولون إنهم ما زالوا غير قادرين على تحمل تكاليف شراء ما يكفي من الأسمدة والمبيدات الحشرية، أو توظيف المزيد من العمالة للمساعدة في التقليم أو التلقيح اليدوي، مما قد يساعد في زيادة الغلة.
كما تعمل الحكومات على إحباط الاستثمار الأجنبي الذي قد يزيد الإنتاج. ويمنح الوضع الراهن كوت ديفوار وغانا، المنتجين الأول والثاني في العالم، واللذين يساهمان بأكثر من نصف العرض العالمي، نفوذا قويا على السوق وهما لا تتنازلان عنه.
ولهذا السبب فإن التعافي المتوقع في إنتاج غرب أفريقيا سيكون مدفوعا في الغالب بطقس أفضل، حيث تجلب ظاهرة النينيا ظروفا أكثر ملاءمة للمنطقة في وقت لاحق من هذا العام.
وفي كوت ديفوار أظهرت أعداد القرون المبكرة أن الإنتاج قد يرتفع بنحو 10 في المئة عن الموسم السابق إلى مليوني طن، وفقا لما أوردته بلومبيرغ مؤخرا.
ولكن الأمر ليس مضمونا، فقد أدى الطقس الأكثر جفافا الذي تم الإبلاغ عنه في شهري يوليو وأغسطس إلى رطوبة أقل من المعدل الطبيعي في التربة ويحد من نمو المحاصيل، وفقا لبراندون فوكس، عالم الأرصاد الجوية التشغيلية في شركة ماكسار تكنولوجيز.
وبالإضافة إلى ذلك، يخشى المزارعون انتشار البراعم المنتفخة، وهي عدوى فايروسية مدمرة تقلل من إنتاج الأشجار المصابة بنسبة تصل إلى 70 في المئة، وفقا للدراسات. وتكافح كوت ديفوار وغانا على وجه الخصوص مع الأشجار المتقدمة في السن والتي تكون عرضة للأمراض.
وقالت مارييت فيربروجن، نائبة الرئيس للشؤون المؤسسية في مؤسسة الكاكاو العالمية، في إشارة إلى المرض “رغم المبادرات الواعدة العديدة التي تستهدف هذه القضية، لا يزال هناك عمل كبير يتعين القيام به". وأضافت "هذه المبادرات ليست منسقة بالضرورة وبالتالي لا تصل إلى النطاق اللازم لتحقيق تأثير دائم".
وبحسب تقرير للمنظمة، نقلا عن الجهة التنظيمية المحلية، فإن جزءا كبيرا من منطقة شمال غرب غانا، مركز الكاكاو في البلاد، مصاب ببراعم منتفخة.
وقال جيريمي كان كواسي، مدير دعم التنمية الزراعية في مجلس القهوة والكاكاو، الجهة التنظيمية للصناعة في كوت ديفوار، إن "حوالي 200 ألف هكتار من المزارع تم تدميرها لوقف المرض. وهذا جزء ضئيل من 3.5 مليون هكتار من الأراضي المزروعة في البلاد". لكن واتريدج يقدر أن حوالي ربع المزارع مصابة واتفق متخصصون آخرون في الصناعة على أن المشكلة كبيرة.
◙ 7 آلاف دولار سعر الطن في 2024 وفق بي.أم.آي التابعة لشركة فيتش سوليوشنز
وقالت سانجا فابريو، مديرة تطوير الأعمال في سويس دي كود، وهي شركة تطور أدوات اختبار لمرض البراعم المنتفخة، “لسوء الحظ، ربما يكون هذا هو قمة جبل الجليد لأنك لا تملك اختبارات واسعة النطاق لجميع الأشجار غير المصحوبة بأعراض”. ويتطلب العلاج الوحيد المعروف قطع الأشجار المصابة والأشجار المحيطة بها، ولكن الصعوبة تظل قائمة في إقناع المزارعين بضرورة تدمير السيقان التي تبدو صحية.
وتعقد اللوائح الأوروبية لإزالة الغابات الوشيكة، والتي تعني أن المزارعين لا يستطيعون ببساطة قطع الغابات لبدء مزارع جديدة، محاولات الانتقال إلى مناطق غير ملوثة. وقال المزارع الإيفواري كونان كواكو في جابيادجي إن “إعادة الزراعة الجيدة تساعد في تعويض ويلات هذا الفايروس. من الصعب توسيع مزارع الكاكاو، بسبب الغابات المصنفة والمحمية”.
ومع ذلك، يتوقع المزارعون في الكاميرون ونيجيريا أيضا جمع المزيد من القرون في موسم 2024 – 2025. وعلى عكس جيرانهم في كوت ديفوار وغانا، فقد استفادوا من الارتفاع الأخير في الأسعار حيث كسبوا أكثر من ثلاثة أضعاف نظرائهم.
وقال موندا باكوا، الذي باع حبوب الكاكاو من مزرعته في ندوم، جنوب غرب الكاميرون، بأكثر من ستة آلاف فرنك أفريقي (10 دولارات) للكيلوغرام، أي ستة أضعاف الحصاد السابق، “لم نصل إلى هذا المستوى السعري من قبل”. وأضاف “إذا استمر هذا الاتجاه في موسم الحصاد الرئيسي، فسوف يصبح العديد من المزارعين أغنياء فعليا”.
وتجذب الأسعار المرتفعة العديد من الناس إلى زراعة الكاكاو، وفقا لموفوتاو أبولارينوا، رئيس جمعية الكاكاو في نيجيريا، الذي يتوقع أن يبلغ محصول الموسم المقبل 285 ألف طن مقارنة بنحو 270 ألف طن في الموسم السابق.
في المقابل، يكسب المزارعون في غانا وكوت ديفوار ما بين 2100 و2500 دولار للطن، أي أقل من ثلث الأسعار النهائية. وأكد العديد منهم لبلومبيرغ أن أسعار الإنتاج بحاجة إلى الارتفاع لدعم زراعة الكاكاو. وأدى انخفاض الأجور إلى دفع المزارعين المحبطين إلى بيع أراضيهم لتعدين الذهب غير القانوني، المعروف في غانا باسم “غالامسي”، والذي يسبب دمارا هائلا من خلال الحفر والتلوث.