انتصار قانوني للصحافيين المصريين في معركة الحريات

الاستجابة لحذف نص تشريعي حول حظر النشر يمهد لرفع قيود أخرى.
الجمعة 2024/09/06
مطالب مشروعة ومنطقية

استجاب البرلمان المصري لمطالب الصحافيين بحذف مادة خاصة بجرائم النشر في مشروع قانون الإجراءات الجنائية، لكن طموحات مجلس نقابة الصحافيين أكبر ويرى أن الأجواء العامة مهيأة إلى حد كبير أمامه لعرض مطالبه لاقتناص قدر معقول من المزايا، طالما أن هناك فرصة للنقاش والتجاوب مع الدوائر المعنية.

القاهرة - نجحت نقابة الصحافيين المصرية في انتزاع موافقة لجنة الشؤون الدستورية في مجلس النواب على حذف مادة خاصة بجرائم النشر في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي يُناقش داخل البرلمان، استجابة لمطالب الصحافيين، ما دفع النقابة إلى رفع سقف طموحاتها للمطالبة بإلغاء المزيد من النصوص التي تكبّل الحريات وتهدد باستهداف أبناء المهنة، إذا خرجوا عن النص في بعض قضايا النشر.

ونصت المادة على عدم جواز نشر أخبار أو معلومات أو إدارة حوارات أو مناقشات عن وقائع الجلسات، أو ما دار بها على نحو غير أمين، أو على نحو من شأنه التأثير على حسن سير العدالة، ويحظر تناول أيّ بيانات أو معلومات تتعلق بالقضاة، أو أعضاء النيابة العامة، أو الشهود، أو المتهمين عند نظر المحكمة لأيّ من الجرائم، وإلا عوقب الناشر بالحبس والغرامة.

وأثنت نقابة الصحافيين على استجابة البرلمان وحذف المادة من مشروع القانون، وتمسكت بالمضي في المطالبة بإعادة النظر وتعديل وحذف أيّ نصوص أخرى تعرقل عمل الصحافيين أو تحاصرهم بقيود، ولا يجوز أن يكون محلها القانون، لكن المعايير المهنية ومواثيق الشرف الإعلامي، مؤكدة أنها سترفع لمجلس النواب قائمة بمطالب أبناء المهنة ورؤيتهم للقانون برمته.

ويحارب مجلس النقابة في أكثر من اتجاه للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، من خلال تصعيد المطالب إلى الحد الأقصى، أو عقد جلسات خاصة لمناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بحيث تكون أمامه فرصة للتفاوض مع الحكومة والبرلمان، مستغلا التسويق السياسي للقانون من جانب النظام بأنه يستهدف تخفيف القيود وتحسين مناخ الحريات في البلاد.

ويرى صحافيون أن الاستجابة لمطالب النقابة ليست سهلة، لأسباب تتعلق بعدم وجود إرادة برلمانية وحكومية كافية للتعاطي معها، كما أن تنفيذها كلها أو بعضها يحتاج إلى تغيير في المشهد السياسي بإجراءات فعلية على الأرض، لكن ثمة شواهد سابقة توحي بأن النظام لا يمانع الدخول في تفاوض مع الصحافيين حول أوضاع المهنة.

يحيى قلاش: مطالب الصحافيين ليست تعجيزية ولا تهدد الاستقرار
يحيى قلاش: مطالب الصحافيين ليست تعجيزية ولا تهدد الاستقرار

وقال نقيب الصحافيين خالد البلشي إن الاستجابة وحذف مادة خاصة بالنشر توجه إيجابي، وهذا لا يعني أن الأمر انتهى، فهناك مادة أخرى بمشروع القانون تتضمن نصا أن يحصل الصحافي على تصريح كتابي من القاضي للقيام بعمليات النشر، وهو ما يحتاج إلى تعديل، لذلك ترى النقابة أن مشروع القانون في مجمله يحتاج إلى مراجعة وحوار مجتمعي حول نصوصه.

والواضح أن مجلس الصحافيين يتمسك بالتعاطي مع الحكومة بحكمة وهدوء ورصانة، دون الدخول في صدام يقوض المساعي الرامية إلى تحسين مناخ الحريات والكف عن استهداف بعض أبناء المهنة، وهو ما يظهر في أسلوب التطرق إلى نصوص مشروع القانون، والمطالبة بتعديل ما يخص الصحافيين منها، دون خدمة أطراف معادية أو العمل لحساب تيارات معارضة.

وتستثمر النقابة في حالة الحوار السياسي بلا سقف من جانب الحكومة والبرلمان، حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية، فهناك استجابة مماثلة لنقابة المحامين، وأخرى لمنظمات حقوقية، وبالتالي فإن الأجواء العامة مهيأة إلى حد كبير أمام مجلس الصحافيين لعرض مطالبه لاقتناص قدر معقول من المزايا، طالما أن هناك فرصة للنقاش والتجاوب مع دوائر النظام.

ويطمئنّ الصحافيون المصريون لوجود ملامح تفاوض السلطة معهم، بإرسال إشارات واضحة أنها لا ترفض قيام الإعلام بواجبه دون قيود أو عراقيل، والعبرة في عدم تجاوز الخطوط الحمراء بما يهدد الأمن القومي سهوا أو عمدا، أو العمل لحساب تيارات معادية أو نشر شائعات ومعلومات لها تبعات سياسية خطيرة على الدولة.

ويرى مراقبون أن مطالب نقابة الصحافيين من البرلمان والحكومة لا تعبّر عن صدام معهما، بقدر ما تمثل أداة ضغط عبر استثمار حالة الحوار الراهنة لصالح أعضائها، لأن الصحافيين يُدركون تبعات تنحيتهم عن المشهد عند وضع قانون يخص الحريات، باعتبارهم جزءا من المجتمع، لكن العبرة في عدم إحساس الحكومة بأن النقابة تتعمد ليّ ذراعها، أو إحراجها.

ويعتقد هؤلاء المراقبون أنه بات من السهل على النقابة الدخول في مفاوضات مع النظام حول فتح المجال العام، لأن الظرف السياسي صار يسمح بذلك، في ظل تصعيد ملف حقوق الإنسان كأولوية أمام التحديات الاقتصادية والأمنية الكبيرة، والميزة أن الصحافيين أصبحوا يعرضون مطالبهم عبر قنوات رسمية، مثل البرلمان والحوار الوطني، وهذا يبدو مقدرا من جانب السلطة.

وقال يحيى قلاش نقيب الصحافيين الأسبق إن العبرة أن تقتنع الحكومة بأن مختلف مطالب الصحافيين مشروعة ومنطقية، ولا يجب التعامل مع أبناء المهنة بالقطعة، والمفترض أن تكون هناك استجابة عامة لما يتعلق بفتح مجال الحريات، وهذا يتطلب قدرا من النوايا الحسنة، ويُحسب لمجلس النقابة أنه انتزع بعض المكاسب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

◙ مطالب نقابة الصحافيين من البرلمان والحكومة لا تعبّر عن صدام معهما، بقدر ما تمثل أداة ضغط عبر استثمار حالة الحوار الراهنة لصالح أعضائها

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه لا يجب الوقوف عند الترضيات الخاصة بالصحافيين في مادة أو اثنين من مشروع القانون، والمفترض أن تكون هناك إجراءات أكبر وأعمق لتغيير المشهد الإعلامي برمته والإعلان صراحة عن فتح المناخ العام وتوسيع مجال الحريات، طالما أن مطالب الصحافيين ليست تعجيزية ولا تهدد الاستقرار، لكنها تحتاج فقط إلى إرادة وأولوية سياسية.

وما يُريح البعض من الصحافيين أن الحكومة بدأت تقتنع نسبيا بأن الحريات المنضبطة لن تجلب مخاطر سياسية، لأن النقابة تؤمن بوجود خط أحمر مرتبط بالأمن والاستقرار، ولا تمانع من الدخول معها في عملية تفاوضية لا تثير منغصات حول ملف الحريات أو تشوه الجهود التي تقوم بها السلطة للتسويق لنفسها داخليا وخارجيا.

ويرتبط تحفظ أبناء المهنة على المواد القانونية المرتبطة بتغطية المحاكمات، بأن البرلمان يسعى لتكريس حالة أقرب إلى حظر النشر في القضايا المنظورة أمام القضاء، إلا عبر البيانات الرسمية، وهو ما يتعارض مع شغف الكثير من الصحف في التعامل مع المحاكمات كمادة خصبة لاستقطاب الجمهور في ظل التضييق والجمود اللذين يعتريان الحياة السياسية.

وتدافع النقابة بأن محاصرة صحافة المحاكمات يفترض أن يكون عبر قواعد مهنية وليس بنصوص تشريعية مكبلة، لكن المعضلة في عدم التزام الكثير من الصحف بتناول القضايا بطريقة عميقة حتى تصل إلى الجمهور في صورة متحضرة دون إثارة أو ابتذال، لدرجة أن هناك صحافيين يتقمصون دور القضاة ويصدرون الأحكام بإدانة المتهمين، وهو ما أثار حفيظة البرلمان.

وبقطع النظر عن مدى وجود إرادة سياسية لترضية الصحافيين فإن الحكومة مطالبة بالتعاطي مع مطالب مجلس النقابة كأساس تحسين الصورة العامة حول مناخ الحريات، إذ لا قيمة لتشريعات تستهدف تحسين السجل الحقوقي لمصر في ظل عدم اقتناع الصحافيين بوجود أمل حول رفع القيود المكبلة لهم قولا وفعلا وتشريعا.

5